هل عاقب الكشميريون حزب مودي في الانتخابات التشريعية الهندية؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
أحد عناصر حرس الحدود الهندي يقف بينما ينتظر الناس في طابور للإدلاء بأصواتهم في مركز اقتراع شمال كشمير خلال المرحلة الأخيرة من الانتخابات التشريعية- 1 أكتوبر 2024 - Reuters
أحد عناصر حرس الحدود الهندي يقف بينما ينتظر الناس في طابور للإدلاء بأصواتهم في مركز اقتراع شمال كشمير خلال المرحلة الأخيرة من الانتخابات التشريعية- 1 أكتوبر 2024 - Reuters
كشمير-الشرق

شكّلت الانتخابات الأخيرة في إقليم جامو وكشمير، ما يُشبه الرسالة من جانب الكشميريين، مفادها أن لا مشكلة لديهم في التبعية إلى الهند، لكن في شقها الذي يُمثله "حزب المؤتمر الوطني" بزعامة راهول غاندي، نجل رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي، وحفيد رئيسة الوزراء الراحلة، أنديرا غاندي.

تَجسّد هذا التوجه في أصوات الناخبين خلال عملية الاقتراع بين أبريل ومطلع يونيو، والتي حقّق فيها حزب "المؤتمر الوطني لجامو وكشمير" برئاسة عمر عبد الله فوزاً ساحقاً، بعد تعاونه مع حزب "المؤتمر الوطني"، بقيادة غاندي، وذلك في أول انتخابات تنظمها السلطات الهندية، منذ 10 سنوات في الإقليم المتنازع عليه.

في المقابل، لم يتمكن حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم ذو التوجه القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، من الفوز سوى بـ29 مقعداً، من أصل 90، هو عدد مقاعد الجمعية التشريعية في الإقليم، إذ لم يُحقق مكاسب كبيرة، رغم رفعه شعار "كشمير جديدة" خلال حملته الانتخابية، مؤكداً أن الشعب الكشميري سعيد جداً بالخطوات التي اتخذها بشأن الإقليم.

والمفارقة، أن المقاعد التي فاز بها ممثلو حزب مودي في الإقليم، كانت محصورة بأصوات ناخبي جامو، وهم الغالبية الهندوسية أساساً، بينما لم يفز بأي مقعد في منطقة كشمير، ذات الأغلبية المسلمة. ومع ذلك، فإن هذه النتيجة، في جامو، هي أفضل أداء للحزب منذ خوضه أول انتخابات في الإقليم عام 1987.

ومن المتوقع أن تُؤهّل نتائج الانتخابات، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الكشميري المحلي ورئيس التحالف الفائز عمر عبد الله، لأن يصبح رئيس الوزراء الجديد لجامو وكشمير.

لماذا خسر حزب مودي أصوات كشمير؟

تتألف الجمعية التشريعية لجامو وكشمير من 90 مقعداً.

وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة، فاز حزب المؤتمر الوطني بـ42 مقعداً، بينما حصل حلفاؤه في "المؤتمر الهندي" على 5 مقاعد فقط، في حين حصل الحزب الشيوعي على مقعد واحد. وأعلن 6 مرشحين مستقلين آخرين دعمهم للمؤتمر الوطني المحلي، ما رفع عدد مقاعد التحالف إلى 55.

وتُطالب كل من الهند وباكستان بالمنطقة المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، والتي شهدت أعمال عنف منذ بداية التمرد المسلح عام 1989، حيث لقي آلاف الأشخاص مصرعهم.

وتُعد جامو وكشمير موضع خلاف بين الهند وباكستان، إذ يطالب البلدان بالسيطرة الكاملة على المنطقة، لكنهما يتحكمان فقط بجزء منها. وقد خاض البلدان النوويان 3 حروب سابقة بشأن هذه القضية منذ استقلالهما في أربعينات القرن الماضي.

وأدى إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي والمتعلقة بوضع الحكم الذاتي المحدود الذي تتمتع به ولاية جامو وكشمير في أغسطس 2019، إلى توتر العلاقة بين الهند وباكستان، وأصبحت المحادثات بينهما معلقة في شتى القضايا تقريباً.

وكانت المادة المثيرة للجدل تمنح إقليم كشمير الخاضع لسيطرة الهند وضعاً خاصاً منذ عقود، وقدراً كبيراً من الحكم الذاتي، إذ تسمح بأن يكون له دستوره الخاص وعلماً منفصلاً واستقلالاً في الأمور كافة، باستثناء الشؤون الخارجية والدفاعية والاتصالات.

وأرجع كثيرون الأداء الهزيل لحزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي خلال انتخابات الإقليم إلى رغبة الكشميريين بإبداء رد فعل على إلغاء نيودلهي المادة 370 في الدستور الهندي.

وحتى قبل إلغاء المادة، كان الإقليم يتمتع بقدر "مُعين" من الحكم الذاتي، لكن سرعان ما قامت الحكومة بتقسيم ولاية جامو وكشمير إلى إقليمين اتحاديين: جامو وكشمير، وله هيئة تشريعية، ومنطقة لداخ بدون هيئة تشريعية.

معاقبة "بهاراتيا جاناتا" وحلفائه

من المفارقات التي شهدتها العملية الانتخابية وما سبقها ورافقها من أحداث، الإفراج عن الشيخ عبد الرشيد، المعروف على نطاق واسع باسم "المهندس رشيد"، بكفالة في 10 سبتمبر، من أجل المشاركة في حملة انتخابية لحزبه "اتحاد الشعب"، لكن الأحزاب الإقليمية في منطقة الهيمالايا كانت سريعة في وصفه بأنه رجل حزب "بهاراتيا جاناتا".

واستطاع رشيد وهو في السجن، الفوز على الشخصية السياسية الكبيرة عمر عبد الله الرئيس السابق لحكومة الإقليم، بفارق كبير تجاوز 200 ألف صوت في انتخابات "لوك سابها" (أي "بيت الشعب"، المجلس الأدنى في البرلمان الهندي).

بينما في وقت سابق من هذا العام، لم يتمكن رشيد سوى من الفوز بمقعد واحد من بين 90 مقعداً، خلال الانتخابات التشريعية في جامو وكشمير.

وفي مؤتمر صحافي أعقب صدور نتائج الانتخابات، ربط زعيم "اتحاد الشعب" سبب أداء حزبه السيئ بما وصفه "الحملة التي شنتها الأحزاب الأخرى ضده"، واتهامهم له بأنه رجل حزب "بهاراتيا جاناتا".

وأضاف: "إذا كنت رجلهم، فلماذا كنت في السجن لمدة 5 سنوات؟ أنا ضد (بهاراتيا جاناتا) مثل أي كشميري آخر".

ولم يتمكن حزب الشعب الديمقراطي، الذي حصل على 28 مقعداً في انتخابات الجمعية عام 2014، ومعظمها من وادي كشمير، إلا بالفوز بـ3 مقاعد في هذه الانتخابات. ويعتقد العاملون في الحزب أن سبب النتائج السيئة هو أن الحزب في 2014 شكل الحكومة بالتحالف مع "بهارتيا جاناتا".

و"الشعب الديمقراطي"، هو حزب كشميري، حكم الولاية مرتين، وقبل إلغاء المادة 370، كان في السلطة بمساعدة حزب "بهاراتيا جاناتا"، ويُعتبر مؤيداً للهند.

وفي حديث لـ"الشرق"، قال عاقب، وهو أحد المنتمين للحزب في منطقة شوبيان جنوب كشمير: "في انتخابات 2014، صوّت الناس بأعداد كبيرة لصالح (الشعب الديمقراطي)، فقط لإبقاء (بهارتيا جاناتا) خارج السلطة في وادي كشمير، لكن عندما اجتمع الحزبان لتشكيل الحكومة، شعر الناس في الوادي بأنهم تعرضوا للخيانة من قبل حزب الشعب، ولهذا كان أداؤه سيئاً في هذه الانتخابات".

كما لم يتمكن حزب "آبني" Apni، الذي أسسه حديثاً ألطاف بوخاري في المنطقة، من الفوز بأي مقعد، سواء في انتخابات "لوك سابها" أو في الانتخابات التشريعية. وكان يُعتقد منذ البداية أنه هذا الحزب يُمثل الفريق المساعد لـ"بهارتيا جاناتا".

وأشارت أنورادها باسين الصحافية ورئيسة تحرير صحيفة "كشمير تايمز"، إلى أن هناك انقساماً واضحاً في نمط التصويت داخل جامو وكشمير، وقالت إن "جامو تصوت لصالح (بهارتيا جاناتا)، بينما تصوّت كشمير ضده. وأي شخص يُعتقد أنه مرتبط بـالحزب الهندي الحاكم يُعتبر غريباً في وادي كشمير".

"مسألة عاطفية"

يعتقد الخبراء السياسيون أن فشل حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تحقيق انتصار بمنطقة كشمير يعكس الغضب من قرار الحزب الحاكم بإلغاء المادة 370، وتقسيم الولاية السابقة إلى منطقتين اتحاديتين.

وقال أستاذ السياسة بجامعة كشمير نور بابا: "المادة 370 هي مسألة إشكالية وعاطفية للغاية بالنسبة للكشميريين. وعلى عكس ما يريد (بهارتيا جاناتا) تصديقه، كانت هذه واحدة من أكبر القضايا، وبشكل خاص لشعب كشمير، فالأحزاب التي وعدت (الناخبين) بالعمل على استعادة المادة 370، حصلت على الدعم" من المقترعين.

مع ذلك، استمر الحزب الحاكم على التأكيد بأن إلغاء الوضع الخاص، كانت الغاية منه تحسين أوضاع شعب جامو وكشمير، معتبراً أن "المادة شكّلت في السابق عائقاً أمام إنشاء كشمير جديدة".

وفي حديث لـ"الشرق"، رأى ألطف ثاكور الزعيم البارز في حزب "بهارتيا جاناتا"، أنه "يمكن رؤية جامو وكشمير قبل وبعد المادة 370"، مضيفاً أن "الوضع أفضل بكثير الآن. إن الإقليم متطور وأكثر تقدماً. والناس معنا، ودعموا قرارنا".

وعندما سُئل عن سبب عدم تمكن حزبه من الفوز بمقعد واحد في كشمير، أجاب ثاكور أنهم فاز بـ29 مقعداً، في إشارة إلى المقاعد التي حصل عليها الحزب في جامو، حيث جاؤوا في المركز الثاني خلال السباق الانتخابي.

زيادة مقاعد جامو على حساب كشمير

في مايو 2022، زادت لجنة تحديد الدوائر الانتخابية عدد مقاعد الجمعية من 83 إلى 90 في جامو وكشمير. وخُصصت 6 من المقاعد الإضافية السبعة الجديدة، لمنطقة جامو، ذات الغالبية الهندوسية.

وقبل تحديد الدوائر، كان لجامو 36 مقعداً، لكنها ازدادت إلى 43 مقعداً، في حين أصبح لوادي كشمير 47 بزيادة واحد فقط، ما دفع الأحزاب المعارضة إلى التحفظ على إضافة المزيد من المقاعد في الحزام ذي الغالبية الهندوسية، حيث كان يُنظر إلى ذلك على أنه محاولة واضحة لزيادة تأثير الهندوس في السياسة الانتخابية للمنطقة.

وقال عمران نبي دار المتحدث الرسمي باسم "المؤتمر الوطني"، الحزب الذي سيشكل الحكومة الجديدة في كشمير، إن حزب "بهارتيا جاناتا" حاول "التلاعب بانتخابات جامو وكشمير، سواء من خلال  تحديد الدوائر أو منح الجنسية لمختلف المجتمعات الهامشية التي تعيش في جامو، وكذلك تخصيص 7 مقاعد في الجمعية للطوائف المحددة في المنطقة".

وتابع دار: "لقد جربوا كل شيء، لكنهم استهانوا بالذكاء الانتخابي والمعرفة السياسية لشعب المنطقة. كان شعب جامو وكشمير يعلمون ما كان يفعله الحزب الحاكم، ولماذا يقوم بذلك".

وثمّة من يعتقد أن "بهارتيا جاناتا" فشل بخلق نوايا حسنة في المنطقة الكشميرية ذات الغالبية المسلمة، إذ يرى السكان المحليون أن السبب الرئيسي وراء نتائجه المتواضعة يعود إلى صورته في أذهانهم باعتباره "حزباً هندوسياً ضد المسلمين".

وأعربت إحدى الناخبات في منطقة بارامولا شمالي كشمير، وتُدعى "فزة"، عن انطباعاتها السلبية تجاه الحزب الحاكم في الهندي.

وفي حديث لـ"الشرق" قالت فزة التي شاركت في الانتخابات للمرة الأولى في حياتها: "بهارتيا جاناتا حزب هندوسي. هم ضد المسلمين. انظروا إلى ما يفعلونه مع مسلمي بلادهم. يعاملونهم كمواطنين من الدرجة الثانية. لن نصوت لهم أبداً".

ويبدو أن سياسة حزب مودي الصارمة في منطقة كشمير بعد إلغاء المادة 370 كان لها وقعاً سلبياً على السكان، حيث عاشت المنطقة تحت قيود غير مسبوقة لعدة أشهر، شملت اعتقال نشطاء وصحافيين ومحامين وناشطين في مجال حقوق الإنسان. كما وُضع السياسيون تحت الإقامة الجبرية. وشعر العديد من السكان أن حقهم في حرية التعبير يتم قمعه، ولا يزال العديد من الكشميريين في السجون.

وقالت شابة طلبت عدم الكشف عن هويتها: "لا يزال شقيقي معتقلاً في السجن، بسبب منشور واحد على فيسبوك ينتقد فيه الحزب الحاكم لإلغائه المادة 370، وتسألني عن الحزب الذي أدعمه".

تصنيفات

قصص قد تهمك