رصدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ما وصفته بـ"قيام الصين بتكثيف أعمال الترهيب والتأثير على شعب جزيرة تايوان"، بالتزامن مع تدريبات عسكرية بحرية بدأت، الاثنين الماضي.
وقالت الصحيفة إنه بينما أرسلت بكين جيشها، الاثنين، في استعراض للقوة حاصرت فيه تايوان، نشر خفر السواحل الصيني خريطة تظهر سفنها وهي تطوق الجزيرة في تشكيل على شكل قلب، ووصفت ذلك بأنه "عمل من أعمال الحب".
وبالنسبة لتايوان، كانت الرسالة التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مجرد جزء واحد من حملة الصين متعددة الأوجه لترهيب والتأثير على شعب وزعماء الجزيرة، لحملهم على التخلي عن طموحهم في الحكم الذاتي.
وإلى جانب تكتيكها الأكثر شهرة؛ رسالة الهيمنة العسكرية، تستخدم الصين ما تقول تايوان إنه جيش كبير من القراصنة والدبلوماسيين والمشاهير في جهودها لإقناع تايوان بالخضوع لبكين.
وتتمسك الصين بأن تايوان، وهي جزيرة تبعد 100 ميل عن البر الرئيسي، أراض تابعة لها، ووفقاً لمسح أجري على مدار 30 عاماً حول هذا الموضوع، فإن الدعم داخل تايوان للحفاظ على الوضع الحالي مرتفع. واختار الناخبون هذا العام رئيساً جديداً من حزب ملتزم بمقاومة طموحات الصين.
ويصور المسؤولون في البر الرئيسي الرئيس التايواني لاي تشينج تي كمدافع عن استقلال تايوان، وهو خط أحمر بالنسبة لبكين، في حين يقول إنه ملتزم بالحفاظ على الوضع الراهن.
تايوان وحرب متعددة الأوجه
وقال جوزيف وو، رئيس مجلس الأمن القومي في تايوان، بعد بدء التدريبات الصينية، الاثنين: "يشمل التهديد الذي نواجهه الإكراه العسكري والاقتصادي والحرب الهجينة والحرب القانونية والحرب النفسية".
ومع استمرار التدريبات، تضاعفت الهجمات الإلكترونية؛ فقد تعرضت تايوان، الاثنين الماضي، لضِعف متوسط عدد محاولات الاختراق اليومية، حسبما أفادت القيادة الإلكترونية للجيش.
ولم يستجب مكتب شؤون تايوان في بكين لطلب التعليق على الاتهامات بأن بكين تقف وراء الهجمات الإلكترونية.
وتم اكتشاف أكثر من 90 ألف محاولة هجوم إلكتروني على تايوان في أغسطس، بما في ذلك أهداف البنية التحتية الحكومية، وفقاً لوزارة الشؤون الرقمية في تايوان. وكان هذا أعلى رقم منذ زيادة قبل عامين خلال زيارة مثيرة للجدل إلى الجزيرة من قبل رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي.
وشارك الدبلوماسيون الصينيون في الجهود الرامية إلى تقليص الدعم الدولي، الرسمي وغير الرسمي، الذي تعتمد عليه تايوان للحفاظ على مكانتها.
وفي الأمم المتحدة، استغلت الصين قرار عام 1971 الذي سمح لبكين بشغل مقعد تايبيه في الهيئة العالمية، وصوَّرته كدليل على أن تايوان جزء من الصين، وبكين هي حكومتها الشرعية.
وتشن بكين حملة منذ سنوات للضغط على الدول الصغيرة العشر التي تظل حليفة رسمية لتايوان لتغيير ولائها، وتغريها بوعد الوصول إلى السوق والاستثمار.
كما نجحت بكين في الترويج لمطالبتها بتايوان في البيانات المشتركة الرسمية التي تنبثق عن الاجتماعات مع الدول الصديقة للصين، أو من التجمعات مثل منتدى الصين وإفريقيا الذي عقد في بكين الشهر الماضي، والذي حضره أكثر من عشرين زعيماً إفريقياً.
ويقول المسؤولون التايوانيون إن الصين ذهبت إلى حد تجنيد المشاهير التايوانيين لقضيتها.
سياسة "الصين الواحدة"
وقال تساي مينج ين، رئيس مكتب الأمن القومي في تايوان، بعد أن نشر بعض المشاهير خرائط التدريبات التي أقيمت، الاثنين، وأعربوا عن دعمهم لسياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها بكين: "إن إحدى الطرق التي يقومون بها بذلك هي دعوة شخصيات تايوانية معروفة، سواء كانت من عالم الفنون أو الترفيه أو السياسة، لمشاركة وجهات نظرهم المؤيدة للتوحيد".
ويقول المسؤولون في تايوان إن الحملة الإعلامية الصينية تتضمن نشر معلومات مضللة، تهدف إلى إضعاف ثقة الولايات المتحدة في قدرة الجزيرة على الدفاع عن نفسها.
وزعمت إحدى الرسائل التي تم تداولها عبر الإنترنت خلال التدريبات التي أقيمت يوم الاثنين أن قائداً بحرياً تايوانياً كان يشرب طوال ليل الأحد. وقال مكتب التحقيقات التابع لوزارة العدل التايوانية إن هذا الادعاء كاذب.
وقال هسيه تشينج تشين، نائب رئيس خفر السواحل التايواني: "هذا جزء من الحرب المعرفية القادمة من البر الرئيسي للصين. كما ندعو الجمهور التايواني إلى عدم الوقوع في الفخ".
بيد أن التدريبات العسكرية تنذر بالسوء، فلم تستبعد الصين استخدام القوة إذا تحركت تايوان نحو إعلان الاستقلال، أو إذا بدا التوحيد السلمي مستحيلاً، وفي تدريباتها بالإضافة إلى تطويق الجزيرة ومحاكاة الحصار، قامت بكين بمحاكاة هجوم مباشر.
وقال مسؤول أمني تايواني كبير إن تدريبات الاثنين تضمنت طائرات أكثر مما استخدمته الصين في الماضي، وأكبر عدد حتى الآن من السفن البحرية الصينية وخفر السواحل المحيطة بالجزيرة.
وقال المسؤول إن الصين أرسلت 25 سفينة بالقرب من منطقة تايوان التي يبلغ طولها 24 ميلا بحرياً، والتي أعلنت تايوان أنها خط دفاع لا ينبغي تجاوزه.
تضييق عسكري
ووفقاً لتقرير حديث لوزارة الدفاع التايوانية، فإن التحركات نحو تايوان من البر الرئيسي تحدث الآن بشكل شبه يومي، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والبالونات.
وقالت الوزارة إن أنشطة الطيران التي يقوم بها جيش التحرير الشعبي "تزيد من الضغوط على دفاعاتنا، وتؤثر على الروح المعنوية العامة، وتسمح لهم بضبط استعداداتهم العسكرية تدريجياً ضد تايوان".
وفي حوالي الساعة السابعة من صباح الاثنين، بينما كانت التدريبات العسكرية تنطلق، قال خفر السواحل التايواني إنه رصد قارباً مطاطياً ينزل "متسللاً من البر الرئيسي" في الأراضي التايوانية في جزر كينمن الخاضعة لسيطرة تايبيه، قبالة البر الرئيسي الصيني.
وتصف السلطات التايوانية مثل هذه الحوادث بأنها مضايقات في المنطقة الرمادية، والتي تصفها وزارة الدفاع التايوانية بأنها توغلات تنطوي على "قوات صغيرة ودفعات متعددة وفترات زمنية ممتدة وتركيز واضح".
في سبتمبر، حكمت محكمة تايوانية على قائد سابق في البحرية الصينية بالسجن ثمانية أشهر لدخوله تايوان بشكل غير قانوني بالقارب السريع، بعد عبور مياه المضيق من الساحل الشرقي للصين، وأشار مسؤولون تايوانيون إلى أنه وآخرين تم القبض عليهم مؤخراً وهم يحاولون العبور، كانوا يختبرون دفاعات تايوان.
وبالتزامن مع استمرار التدريبات تحركت بكين على الجبهة القضائية، متهمة أحد المشرعين من حزب لاي ومسؤول تنفيذي كبير في الأعمال التجارية في تايوان بـ"الأنشطة الانفصالية" ومنعتهما من زيارة البر الرئيسي للصين وهونج كونج وماكاو.
في وقت سابق من هذا العام، أحيت بكين موضوع الانفصال، ونشرت إرشادات حول تنفيذ قانون الانفصال لعام 2005، وتدعو التعليمات المحاكم الصينية إلى "معاقبة مؤيدي استقلال تايوان بشدة" بأحكام قد تشمل الإعدام.
واستخدمت الصين القانون لأول مرة ضد مواطن تايواني، في أبريل، وحكمت على الناشط يانج تشيه يوان البالغ من العمر 34 عاماً بالسجن لمدة تسع سنوات.