خلصت مراجعة أجرتها لجنة تحقيق أميركية مستقلة، إلى ارتكاب جهاز الخدمة السرية "أخطاء عدة" وإخفاقات وانهيارات محددة، مكنت من تنفيذ محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب الأولى، التي وقعت بولاية بنسلفانيا في يوليو الماضي، فيما حذّرت من "ثغرات أمنية"، حال عدم تبني إصلاحات أساسية فورية، وفق ما أوردته شبكة NBC News.
وتعرض المرشح الجمهوري إلى 3 محاولات اغتيال، أولها في 13 يوليو بولاية بنسلفانيا، والثانية في 15 سبتمبر، عندما تمكنت شرطة فلوريدا من رصد فوهة بندقية بارزة من سياج ملعب الرئيس الأميركي السابق للجولف، وردّ بإطلاق النار على المشتبه به، في حين كانت المحاولة الثالثة في 14 أكتوبر الجاري، في وادي كوتشيلا بولاية كاليفورنيا.
وحذرت اللجنة، التي ضمت 4 مسؤولين رفيعي المستوى سابقين في الحكومة وجهات إنفاذ القانون، من إمكانية حدوث "ثغرات أمنية كارثية أخرى"، في حال لم يبدأ جهاز الخدمة السرية في تبني "إصلاحات أساسية" بشكل فوري.
وكتبت اللجنة في رسالة وجهتها إلى وزير الأمن الداخلي الأميركي، أليخاندرو مايوركاس، المشرف على الجهاز: "لقد أصبح جهاز الخدمة السرية بيروقراطياً وثابتاً في مكانه".
وأضاف أعضاء اللجنة في بيانهم: "يحتاج جهاز الخدمة السرية إلى بعض الإصلاحات الأساسية لأداء مهامه، وبدون هذه الإصلاحات، تعتقد اللجنة أن ما حدث في بتلر يمكن أن يتكرر مرة أخرى".
وفي مقابلة مع شبكة NBC News، قال القائم بأعمال مدير الخدمة السرية، رونالد رو، إنه "لا يزال يتعامل مع ما جاء في التقرير، لكنه بدأ بالفعل في إصلاح الجهاز".
وأضاف: "لم نجلس مكتوفي الأيدي في انتظار صدور مثل هذه التقارير، فبعد الأحداث المروعة التي وقعت في 13 يوليو الماضي، بدأنا بالفعل في إجراء تغييرات ليس على مستوى العمليات فحسب، بل وعلى مستوى السياسات أيضاً، للتأكد من عدم حدوث فشل آخر في مهامنا مجدداً".
وأشار، رو، إلى أن عملاء الجهاز يتعرضون لضغوط شديدة، قائلاً: "نحن نفرض قيوداً على موظفينا، ونطلب منهم القيام بأشياء غير عادية الآن، إذ يقضون ساعات طويلة في العمل، بعيداً عن عائلاتهم".
أخطاء منهجية وإصلاحات مقترحة
ووفقاً للتقرير، فإن اللجنة أجرت 58 مقابلة استغرقت عدة ساعات مع أفراد من جهاز الخدمة السرية، وأجهزة إنفاذ القانون الفيدرالية، وعلى مستوى الولايات، واطلعت على أكثر من 7 آلاف وثيقة، كما سافر أعضاء اللجنة وموظفوها إلى بتلر حيث قاموا بإجراء مسح لموقع محاولة الاغتيال.
وقال أعضاء اللجنة إنهم وجدوا "أخطاء عميقة لدى جهاز الخدمة السرية، بما في ذلك بعض الأخطاء التي تبدو منهجية مثل الافتقار إلى التفكير النقدي بين أفراد الخدمة، وعدم رغبة العملاء في التحدث بشأن التهديدات المحتملة".
وأشار التقرير إلى أنه كان يجب اتخاذ تدابير لتوضيح خط الرؤية من المبنى الذي استخدمه مطلق النار إلى المنصة التي تواجد عليها ترمب، قائلاً إن هذا الأمر "كان يجب أن يكون إجراءً قياسياً.. إخفاقات جهاز الخدمة السرية أسفرت عن فشل أمني حاسم".
وذكر التقرير أنه كان قد تم إطلاع قائد الوحدة المكلفة بحماية الرئيس السابق ونائبه على معلومات استخباراتية "تتعلق بتهديد ضده من قبل جهة أجنبية"، قائلاً إن "أسلوب محاولة الاغتيال الذي اتبعه (مطلق النار) توماس ماثيو كروكس، هو نفس نوعية التهديدات التي حذرت منها الاستخبارات قبل الحادث".
وأوضح أن "اللجنة وجدت بعض الأدلة على أن موظفي حملة ترمب أبدوا مقاومة لفكرة وضع معدات ثقيلة أو مركبات معينة في المكان"، والتي كان من الممكن استخدامها لحماية الرئيس السابق.
كما أوضح التقرير أن المتهم استخدم طائرة مُسيرة لمدة تقارب الـ11 دقيقة في موقع الفعالية الانتخابية، قبل ساعتين من محاولة الاغتيال، ولم تُكتشف طائرته المسيرة، لأن نظام جهاز الخدمة السرية لمكافحة هذه الطائرات كان به "مشكلة تقنية"، وظل معطلاً لعدة ساعات، ولم يبدأ النظام في العمل إلا بعد أكثر من نصف ساعة من استخدام المتهم للطائرة.
ورغم تحديد كروكس كـ"شخص مشبوه" قبل 90 دقيقة من الحادث، فإنه لم تُتخذ إجراءات كافية للعثور عليه، إذ تم التعرف على كروكس لأول مرة من قبل أحد أعضاء فريق القناصة المحلي الذي كان على وشك أن ينهي مناوبته، والذي أرسل رسالة نصية إلى قناصة آخرين يحذرهم من أن المتهم تسلل إلى موقف سيارات كان من المفترض أن يكون محظور دخوله.
لكن لم يتم إبلاغ قيادة فريق "الخدمة السرية" الخاص بترمب بوجود شخص يتصرف بشكل مريب في المكان قبل صعود الرئيس السابق إلى المنصة، أو في الدقائق التي تلت صعود كروكس إلى سطح المبنى واستعداده لإطلاق النار، كما لم يتم إبلاغ الغرفة الأمنية التابعة للجهاز بأن كروكس هو الشخص المشتبه به الذي كان يراقب المنصة، وبات على سطح أحد المباني إلا في تمام الساعة 18:09 بالتوقيت المحلي لواشنطن، أي بعد 4 دقائق من بدء ترمب في التحدث.
وأضاف التقرير أنه "لم يكن لدى الغرفة الأمنية خط رؤية مباشر للمنصة، كما لم يكن لديها نظام لقيادة الأحداث يمكنه الإبلاغ بشكل مركزي وتتبع الأحداث والمشاكل الناشئة".
وأوصت اللجنة بمجموعة من الإصلاحات التي قالت إنه يتعين على جهاز الخدمة السرية تنفيذها في أقرب وقت ممكن، مثل المراقبة الجوية للفعاليات التي تقام في الأماكن المفتوحة، والتدريب الإضافي وإنشاء مركز اتصالات مركزي للفعاليات الكبيرة.
ولم تجد اللجنة أن نقص التمويل كان عاملاً أساسياً في إخفاقات جهاز الخدمة السرية، إذ تضاعفت ميزانيته تقريباً على مدى العقد الماضي، حيث قفزت من حوالي 1.8 مليار دولار في السنة المالية 2014 إلى أكثر من 3 مليارات دولار، كما أنه خلال نفس الفترة، ارتفع عدد موظفي الجهاز بنسبة 25% تقريباً، ليتجاوز 8100 موظف، ويشمل هذا العدد ما يقرب من 3200 عميل خاص و1300 ضابط رسمي، وفقاً لموقع "الخدمة السرية" على الإنترنت.
وخلص التقرير إلى أن إخفاقات الجهاز تتجاوز مسألة الإنفاق، حيث أن الميزانية غير المحدودة لم تكن لتستطيع معالجة العديد من الإخفاقات التي تسببت في محاولة اغتيال ترمب الأولى.