في جو بارد وبدون ارتداء ملابس شتوية مناسبة، قضى الرئيس الأميركي الأسبق وليام هنري هاريسون نحو ساعتين، وهو يقرأ في خطاب مطول مؤلف من نحو 9 آلاف كلمة، ليدخل التاريخ باعتباره صاحب أطول خطاب تنصيب في تاريخ الرؤساء الأميركيين.
في المقابل، لم يتجاوز خطاب أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن، أكثر من 135 كلمة، ليدخل التاريخ أيضاً، ولكن من باب معاكس، فقد كان صاحب أقصر خطاب تنصيب في تاريخ الولايات المتحدة.
كانت فترة حكم وليام هنري هاريسون استثنائية بكل المقاييس، إذ انطوت على العديد من المفارقات التاريخية، فقد كان أكبر رئيس منتخب يتولى المنصب، إذ كان عمره 68 عاماً، حينما وصل إلى السلطة رسمياً عام 1841. وبقي أكبر من تولى الرئاسة سناً حتى انتخاب رونالد ريغان في عام 1981.
خطاب الساعتين
عندما وصل هاريسون إلى العاصمة واشنطن، قادماً من أوهايو، للمشاركة في حفل تنصيبه رئيساً، أراد أن يُظهر أنه لا يزال بكامل قوته بالرغم من كبر سنه، وأنه كان على أعلى مستوى من التعليم والثقافة.
وكان الخميس الـ4 من مارس، 1841، اليوم الذي سيقسم فيه هاريسون اليمين الدستورية، يوماً غائماً، والرياح باردة ودرجة الحرارة لا تزيد على 9 درجات مئوية، لكن الرئيس المنتخب حينها رفض ارتداء ملابس مناسبة للجو البارد.
وامتنع عن ارتداء معطف أو قبعة أو قفازات للحفل. وألقى هاريسون خطاب تنصيب بالغ الطول، وصل إلى نحو 8445 كلمة، واستغرقت قراءة الخطاب نحو ساعتين.
كتب هاريسون الخطاب بنفسه، لكن عدداً من مساعديه تولوا تحريره واختصاره. وكان الخطاب عبارة عن بيان مفصل لبرنامج إدارته، وإعلاناً لرفض سياسات أسلافه أندرو جاكسون ومارتن فان بورين.
وعلى الرغم من الخطاب الحماسي الذي ألقاه هاريسون والوعود الكبيرة التي وردت فيه، إلا أن القدر لم يمهله لتحقيق رؤيته، ففي 26 مارس 1841، أصيب هاريسون بأعراض تشبه البرد (الحمى)، وازدادت أعراضه سوءاً بشكل تدريجي خلال اليومين التاليين.
31 يوماً
وساد الاعتقاد في ذلك الوقت بأن مرض الرئيس نتج عن سوء الأحوال الجوية عند تنصيبه قبل 3 أسابيع، إذ شخّص الأطباء حالته على أنها التهاب رئوي، وفشلت كل محاولاتهم لعلاجه.
لكن فحوصاً أخرى معمقة جرت حديثاً، أظهرت أن وفاته نجمت عن احتمال إصابته بمرض التفوئيد بسبب عدم نظافة المياه التي كانت تصل إلى البيت الأبيض في ذلك الوقت.
ولم تقتصر السوابق التاريخية خلال عهد هاريسون على خطاب التنصيب الأطول؛ إذ إن الرئيس الأسبق لم يتولَّ الحكم إلا 31 يوماً؛ ليصبح أول رئيس في الولايات المتحدة يموت خلال تولي مهام منصبه، وعن أقصر مدة رئاسة في التاريخ الأميركي.
ونتجت عن موته أزمة دستورية في البلاد تتعلق بمن سيخلفه في الرئاسة، ثم نجح نائبه جون تايلر في تولي المنصب بعد أن اعتمد تفويضاً دستورياً، ما أوجد أسبقية تم اتباعها لاحقاً 7 مرات أخرى.
134 كلمة
أما أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن، فيذكره التاريخ على أنه صاحب أقصر خطاب تنصيب في تاريخ البلاد.
ففي الرابع من مارس لعام 1793 أدى، واشنطن، اليمين الدستورية رئيساً لولاية ثانية، في قاعة مجلس الشيوخ التابع للكونغرس، في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.
وحينها قرر إلقاء خطاب تنصيب بالغ القصر، إذ لم يزد على 135 كلمة فقط. واقتصر الخطاب على تأكيد قبوله بتولي الرئاسة لفترة ثانية.
كما أكد الرئيس واشنطن، التزامه ببنود الدستور الأميركي، وأبدى استعداده لتحمل المسؤولية عن أي خرق للالتزامات الدستورية المتوجبة عليه بحكم منصبه.
تقاعد لم يتحقق
وسعى المؤرخون الأميركيون عبر عقود لتفسير سبب قصر الخطاب الذي ألقاه جورج واشنطن في حفل تنصيبه لولاية ثانية. وكان أحد التفسيرات التي خرج بها مؤرخون أميركيون هو عدم رغبته في الاستمرار بالمنصب.
واضطر جورج واشنطن لقبول ضغوط زملائه السياسيين لتولي فترة رئاسية جديدة، وذلك في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعانيها الولايات المتحدة خلال حرب الاستقلال، مع أن رغبة واشنطن، كانت بحسب مؤرخين، هي التقاعد والعودة لممارسة حياته الخاصة.
ويعرف جورج واشنطن بأنه أحد أهم الرؤساء الأميركيين، فقد تولى قيادة القوات التي شاركت في حرب الاستقلال، ونجح في تحقيق النصر فيها، كما يعتبر أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وأول رئيس للبلاد ما بين عامي 1789و 1797.
كما أشرف جورج واشنطن على الجمعية الدستورية التي وضعت الدستور الأميركي، وأسست للحكومة الفيدرالية.
وينسب إلى جورج واشنطن أيضاً العديد من التقاليد التي ما زالت متبعة حتى اليوم، ومنها أداء خطاب التنصيب بعد الفوز بالرئاسة. وقد جعل واشنطن من ذلك عرفاً اتبعه كل الرؤساء الأميركيين على الرغم من أن الدستور لم ينص على ضرورة إلقاء الرئيس المنتخب لخطاب في يوم تنصيب.