
استبق الرئيس الأميركي جو بايدن لقاءه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في جنيف منتصف الشهر الجاري، مؤكداً أن جولته في أوروبا التي تنطلق هذا الأسبوع، تتمحور حول "تحقيق التزام متجدد لأميركا إزاء حلفائنا وشركائنا، وإظهار قدرة الديمقراطيات على مواجهة التحديات، وردع تهديدات هذا العصر الجديد".
ويتوجّه بايدن الأربعاء إلى أوروبا، في أول رحلة خارجية خلال عهده، يشارك خلالها في قمة تعقدها مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، وأخرى لحلف شمال الأطلسي، كما يلتقي قيادة الاتحاد الأوروبي، ويجتمع ببوتين بجنيف في الـ16 من يونيو.
وأفادت وكالة "فرانس برس"، بأن قمة بايدن وبوتين تأتي في ظلّ أسوأ أزمة في العلاقات بين البلدين منذ سنوات، مع تصاعد التوتر بشأن مسائل، تشمل اتهامات لموسكو بالقرصنة الإلكترونية والتدخل في الانتخابات الأميركية، وملف حقوق الإنسان في روسيا.
وسيناقش الرئيسان أيضاً شؤوناً دولية، بما في ذلك قضايا التسلّح، والأزمة في سوريا، والصراع في أوكرانيا، وبيلاروسيا، والملف النووي الإيراني، والاحتباس الحراري، إضافة إلى خط أنابيب "نورد ستريم 2" التي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، عبر بحر البلطيق، ويقلق الولايات المتحدة.
وأشارت "فرانس برس"، إلى أن بايدن كثّف، منذ تنصيبه في الـ20 من يناير، ضغوطه على الكرملين، بما في ذلك وصفه بوتين بأنه "قاتل"، في تصريحات أثارت انتقادات عنيفة من موسكو.
لكن الرئيسين أعربا عن أملهما بتحسّن علاقاتهما، فيما رجّح الرئيس الروسي أن تثمر المحادثات عن نتائج "إيجابية".
"الدفاع عن قيمنا الديمقراطية"
وذكّر بايدن بأنه سيلتقي بوتين، بعد إجرائه "مناقشات على مستوى بارز، مع أصدقاء وشركاء وحلفاء يرون العالم من خلال العدسة ذاتها، مثل الولايات المتحدة، والذين جدّدنا معهم اتصالاتنا وهدفنا المشترك".
وكتب في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست": "نقف صفاً واحداً في مواجهة تحديات روسيا للأمن الأوروبي، بدءاً من عدوانها في أوكرانيا، ولن يكون هناك شكّ في عزم الولايات المتحدة على الدفاع عن قيمنا الديمقراطية، التي لا يمكننا فصلها عن مصالحنا".
وأضاف: "في مكالماتي الهاتفية مع الرئيس بوتين، كنت واضحاً ومباشراً. الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع. نريد علاقة مستقرة، ويمكن التكهنّ بها، وحيث يمكننا العمل مع روسيا في مسائل، مثل الاستقرار الاستراتيجي ومراقبة التسلّح. لهذا السبب تحرّكت فوراً لتمديد معاهدة ستارت الجديدة لخمس سنوات، وتعزيز أمن الشعب الأميركي والعالم".
واستدرك بايدن أنه "فرض أيضاً عقوبات ذات مغزى على سلوكيات تنتهك سيادة الولايات المتحدة، بما في ذلك التدخل في انتخاباتنا الديمقراطية".
وتابع: "يدرك الرئيس بوتين أنني لن أتردد في الردّ على نشاطات مستقبلية مؤذية. عندما نلتقي، سأؤكد مرة أخرى على التزام الولايات المتحدة وأوروبا والديمقراطيات التي تتشارك الأفكار ذاتها، الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته".
"مواجهة التهديدات والأعداء"
وسأل الرئيس الأميركي: "هل يمكن للديمقراطيات أن تتحد، لتحقيق نتائج حقيقية لشعوبنا، في عالم يتغيّر بسرعة؟ هل ستثبت التحالفات والمؤسسات الديمقراطية، التي شكّلت الكثير من القرن الماضي، قدرتها على مواجهة التهديدات والأعداء في العصر الحديث؟".
وأجاب: "أعتقد بأن الجواب هو نعم. وهذا الأسبوع في أوروبا، لدينا فرصة لإثبات ذلك".
وشدد بايدن على "وجوب أن تقود الولايات المتحدة العالم، من موقع القوة، سواء بشأن إنهاء جائحة كوفيد-19 في كل مكان، أو تلبية متطلّبات أزمة المناخ المتسارعة، أو مواجهة النشاطات المؤذية لحكومتَي الصين وروسيا".
ولفت إلى أن الاقتصاد الأميركي "ينمو الآن بشكل أسرع من أي وقت، منذ نحو 40 سنة"، معتبراً أن "التعافي الاقتصادي لأميركا يساعد في دفع عجلة الاقتصاد العالمي".
وأضاف أن دول مجموعة السبع التي لم يلتقِ قادتها شخصياً منذ سنتين، بسبب فيروس كورونا المستجد، ستناقش سبل "إنهاء هذا الوباء، وتحسين الأمن الصحي لكل الدول، ودفع انتعاش اقتصادي عالمي، قوي وشامل".
ورأى بايدن أن ثمة "فرصة لتحقيق تقدّم طموح، يحدّ من أزمة المناخ ويخلق فرص عمل، من خلال دفع تحوّل عالمي نحو الطاقة النظيفة".
"بديل ديمقراطي للصين"
وشدد على أن "شحذ قدرة الديمقراطيات على المنافسة، وحماية شعبنا من تهديدات غير متوقعة، يتطلّبان منا الاستثمار في البنية التحتية"، معتبراً أن "الديمقراطيات الكبرى في العالم ستقدّم بديلاً عالي المستوى للصين، لتحسين البنية التحتية، المادية والرقمية والصحية، لتكون أكثر مرونة وتدعم التنمية العالمية".
وتطرّق الرئيس الأميركي إلى "نقاط ضعف، مثل هجمات برامج الفدية"، وتهديدات تشكّلها تكنولوجيا المراقبة من خلال الذكاء الاصطناعي، مشدداً على "وجوب أن تضمن الديمقراطيات في العالم معاً، أن قيمنا تحكم استخدام هذه الابتكارات وتطويرها، لا مصالح مستبدين".
ورأى أن هذه القيم الديمقراطية المشتركة تشكل "أساس أنجح تحالف في تاريخ العالم"، في إشارة إلى "الأطلسي".
وتعهد أن يؤكد خلال قمة الحلف في بروكسل، "التزاماً راسخاً للولايات المتحدة بالبند الخامس، وضمان أن تحالفنا قوي في مواجهة كل تحدٍ، بما في ذلك تهديدات، مثل الهجمات الإلكترونية على بنيتنا التحتية الحيوية".
وينصّ "البند الخامس" على أن تعرّض أي عضو في "الأطلسي" لهجوم مسلّح، يلزم جميع الأعضاء الآخرين باعتبار ذلك "هجوماً مسلحاً" ضد جميع الأعضاء، واتخاذ الإجراءات الضرورية لمساعدته.
وذكر بايدن أنه سيلتقي في بروكسل، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وسيركّز الطرفان على "ضمان قيام الديمقراطيات التي تعتمد اقتصاد السوق، لا الصين أو أي شخص آخر، بصوغ قواعد القرن الحادي والعشرين بشأن التجارة والتكنولوجيا".
الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي
يأتي مقال بايدن بعد يومين على إشادة بوتين به، بوصفه واحداً من أكثر القادة خبرة في العالم، مستبعداً في الوقت ذاته أن تؤدي محادثاتهما إلى انفراج في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
وذكّر بتجربته الشخصية، بوصفه "مواطناً سابقاً في الاتحاد السوفييتي السابق"، قائلاً: "مشكلة الإمبراطوريات تتمثل في أنها تعتقد بأنها تستطيع تحمّل الأخطاء الصغيرة" التي تتراكم تدريجاً.
ونبّه إلى أن الولايات المتحدة "تسير مباشرة على طريق الاتحاد السوفييتي"، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".