السياسة الداخلية تؤجج نزاعات الهند مع دول الجوار

مسؤول بالحزب الحاكم لـ"الشرق": مواجهة الصين أكبر التحديات.. وحضورنا في العالم العربي كبير

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقائه مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة مجموعة البريكس في مدينة قازان الروسية. 23 أكتوبر 2024 - REUTERS
الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقائه مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة مجموعة البريكس في مدينة قازان الروسية. 23 أكتوبر 2024 - REUTERS
نيودلهي -زين صالح

يُشكل الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الجوار تحدياً لأي دولة، لكن الهند المعاصرة تواجه تحدياً غير مسبوق وبالغ الأهمية، وهو صعود الصين المجاورة كقوة عظمى لأول مرة في التاريخ.

بوجه عام، تواجه الهند معضلات عدة في محيطها الإقليمي في 2025، أهمها صعود العديد من الحكومات في دول جنوب آسيا، التي لا تُرحب بسياسات حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" القومية الهندوسية بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

مع ذلك، يقول خبراء إن السبب وراء ذلك، هو سياسات الحكومة الهندية، والتي بسببها فقدت مصداقيتها وحتى حلفاؤها السابقون لا يثقون بها. وبالتالي، فإن الدول المجاورة للهند تمثل ديناميكيات معقدة وتحديات خطيرة، تتطلب اهتماماً مناسباً.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، كان عام 2024 مليئاً بالمفاجآت والتحديات بالنسبة للهند، وبحسب مراقبين، ربما تكون الأيام المقبلة أكثر صعوبة.

وتحاول الهند، من خلال شعارها "دول الجوار أولاً"، إدارة علاقاتها الدبلوماسية الإقليمية. هذه السياسة موجهة نحو أفغانستان، بنجلاديش، بوتان، المالديف، نيبال، باكستان وسريلانكا، لمواجهة نفوذ الصين. لكن كل هذه المبادرات مجرد شعارات وليست فعالة على أرض الواقع، لأن معظم هذه الدول الإقليمية ترتبط بعلاقات أوثق مع بكين أكثر من نيودلهي.

ولمواجهة ثقل نيودلهي في شبه القارة، كانت جميع دول جوار الهند، باستثناء بوتان، تشجع منذ فترة طويلة دور الصين في المنطقة.

قضايا عالقة مع الجيران

شهدت علاقات الهند مع جيرانها مجموعة من التحديات والمشكلات على مر السنين، تتصدرها بالطبع النزاعات الحدودية. وانخرطت الهند في العديد من النزاعات منذ فترة طويلة، خصوصاً مع الصين (خط السيطرة الفعلي)، وباكستان (خط المراقبة)، والتي أدت إلى نشوب صراعات عسكرية وتوترات. 

مشكلة تقاسم المياه، كانت سبباً أيضاً في النزاعات بين نيودلهي وجيرانها، إذ تشترك الهند في الأنهار مع العديد من جيرانها مثل بنجلاديش، باكستان، ونيبال، وكانت مسألة تقاسم المياه مصدر توتر بشأن تخصيص واستخدام الموارد المائية.

وما يزيد الأمور تعقيداً، هو أنه رغم الفجوة في الحجم والقوة مع الهند، فإن الدول الصغيرة المجاورة للهند أصبحت فجأة "بالغة الأهمية، فيما يتعلق بالأهداف الجيوسياسية والاستراتيجية".

طريق صعب في المستقبل

لكن المسألة المعقدة هنا، تتعلق بالسبيل أمام الهند للمضي قدماً في مثل هذا الموقف، وإمكانية التعامل بسهولة مع هذه التحديات والعلاقات المتدهورة.

في هذا السياق، قال الكاتب والمحلل في الشؤون الخارجية، سانجاي كابور، لـ"الشرق"، إن التحديات التي تواجهها الهند في السياسة الخارجية ستزداد بشكل كبير في الأيام المقبلة.

وأضاف كابور: "أغلب جيران الهند تقريباً يعبرون عن استيائهم بشكل صريح. السياسة الخارجية للهند كانت في السابق قوة دافعة، لكنها الآن لم تعد تملك مساحة كبيرة للمناورة. هذا يشكل تحدياً كبيراً للهند، والمشكلة الكبيرة هي كيفية الخروج من هذا".

ويدعم العديد من محللي السياسة الخارجية الآخرين في نيودلهي، وجهة نظر سانجاي كابور. وفي رأيهم، فإن "أغلب جيران الهند غير راضين عن نيودلهي، وفي الوضع الراهن، ليس من السهل إصلاح هذه العلاقات".

كولول باتاشاريا، وهو خبير في الشؤون الخارجية الهندية، كتب بعض الكتب في نفس الشأن، واعتبر في تصريحات لـ"الشرق"، أن الطريقة التي تحاول بها الهند إصلاح الأضرار "تظهر أنها تواجه مهمة شاقة، والطريق أمامها وعر وصعب للغاية". 

وأشار إلى أنه "في الواقع، لا يوجد ارتباط بين الأهداف العالمية للهند أو أهدافها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وسياساتها تجاه دول الجوار".

"تلاشي ثقة" الجيران 

ويرى خبراء، أن الهند في ظل حكومة مودي، فقدت الثقل الدبلوماسي الذي كانت تحظى به. وبالتالي، فإن إعادة بناء نفس النوع من العلاقات مع دول الجوار، سيكون تحدياً هائلاً.

بدوره، قال المحلل السياسي، سانجاي كابور، في حديثه لـ"الشرق"، إن "الثقة في الهند تلاشت بسبب السياسة الداخلية. اتخذت خطوات أحادية في كشمير، وألغيت وضعها الخاص، ووضعت باكستان في موقف يجعل أي حكومة باكستانية تتجنب التعامل معك. نحن جميعاً نعلم أنه لن يكون هناك سلام في كشمير بدون باكستان، ولكنك فعلت ذلك فقط من أجل تحقيق مكاسب انتخابية".

وأضاف أن "تدخل الهند في سياسة بنجلاديش ودعمها الأعمى لرئيسة وزراء بنجلاديش السابقة، الشيخة حسينة، كان واضحاً للغاية، لذا ينتاب دكا، وجزر المالديف، ونيبال الآن نفس الشعور"، لافتاً إلى أنه "بالنسبة للسياسة الخارجية للهند، ستواجه نيودلهي تحديات أكثر صعوبة في الأيام المقبلة".

وأشار سانجاي كابور في حديثه لـ"الشرق"، إلى أنه "تدور أحاديث عن تحسين العلاقات مع الصين"، مضيفاً: "لكن ما نعرفه من مصادرنا هو أن بكين ليست على استعداد لفعل الكثير. تجربة الصين مع الهند لم تكن جيدة، وهم يريدون العديد من الضمانات قبل الاستثمار في الهند".

وتابع: "الهند عرضت على النظام الجديد في سريلانكا الكثير من الدعم المالي، مما قلل من الشعور بالاستياء إلى حد ما، ولكن كولومبو لا يمكنها وقف تقاربها مع الصين".

وعلى حد وصف كولول، فإن علاقات الهند مع باكستان بالفعل في أدنى مستوياتها على الإطلاق، لكن التحدي الأكبر للهند الآن، يتمثل في تحسين العلاقات مع دكا، مضيفاً: "إذا سيطر الإسلاميون هناك في دكا، ربما يشكل ذلك مصدر إزعاج لفترة طويلة لأمن الهند وأهدافها الاستراتيجية. والأمر نفسه ينطبق أيضاً على أفغانستان".

العلاقات مع الغرب

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن علاقات الهند مع الدول الغربية الأخرى، تدهورت أيضاً. 

في تعليقه على الأمر، قال كولول باتاشاريا: "في البداية، بدا أن عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ربما تخفف التوتر قليلاً، وربما يتحسن الوضع، ولكن المجال أمام حدوث ذلك محدود للغاية. فسياساته المتعلقة بالهجرة ستواصل الضغط على العديد من الهنود للعودة. والعلاقات الدبلوماسية مع كندا بالفعل سيئة للغاية، والأمر يتطلب القيام بالكثير من الجهد في هذا الصدد".

وتابع متسائلاً: "للتنافس مع الصين، انضمت الهند إلى مجموعة كواد (تحالف رباعي يضم الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة)، والآن يتردد أن أميركا هي من أبعدت عنك بنجلاديش ونيبال. إذن أين هي ألعابك الاستراتيجية؟".

الأسباب والخطأ

كانت الهند تحظى باحترام بسبب قيمها الديمقراطية ومبادئها العلمانية، لكنها فقدت جاذبيتها و"تضررت صورتها"، حسبما يرى سانجاي كابور، في تصريحاته لـ"الشرق"، إذ يعتبر أن "السياسة الداخلية للهند نفسها هي المسؤولة عن المعضلات الدبلوماسية في دول جنوب آسيا.. في الوقت الراهن، لا يمكنك حتى أن تحظى بمكانة في المنطقة".

وذكر سانجاي كابور، أنه "طالما كان لصوت نيودلهي أهمية فقط بسبب قيمها العلمانية، مثل: الشمولية، والتنوع، والحرية الدينية، وحرية التعبير، وحقوق الأقليات وكذلك الانسجام المجتمعي"، "لكنها الآن تحظى بتصنيف ضعيف في جميع هذه المؤشرات"، على حد قوله.

ويقول نشطاء حقوق إنسان ومنتقدون لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إنه منذ توليه السلطة في عام 2014، كان حزبه القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، يعمل على "تقسيم المجتمع على أسس دينية، ويشجع الكراهية الدينية".

وفي السنوات الماضية، كثفت جماعات هندوسية يمينية هجماتها على الأقليات في البلاد منذ تولى مودي السلطة، حيث استهدفت مساجد وممتلكات أخرى بشكل يومي تقريباً. وأصداء هذه الكراهية والأعمال الوحشية تترد الآن في دول مجاورة، إذ تركت أثراً عميقاً، ما ألحق أضراراً بالغة بصورة الهند، وتعرضت حكومة مودي لانتقادات بسبب هذه السياسات.

سانجاي كابور يضيف: "على صعيد المشهد الجيوسياسي في دول جنوب آسيا، لم يعد لدينا صوت، وفقدنا سلطتنا الأخلاقية.. دول الجوار لا تثق بك؛ ولم تعد تلهمهم بعد الآن".

وتابع كابور: "في السابق، كانت الهند تتمتع بسلطة أخلاقية بسبب قيمها الديمقراطية، مثل التنوع والسياسة الشاملة، وهذا ما جعل لصوتها أهمية صعيد السياسة الدولية. الآن هذا البلد يتصرف كتاجر ماكر، يريد استغلال صراعات مجموعتين لتحقيق مصالحه، بغض النظر عن القيم".

كولول اتفق أيضاً مع نفس الرأي، قائلاً إن "السياسات الداخلية للحكومة الهندية الحالية وسياساتها الصغيرة تسببت في فقدان بريقها الدبلوماسي".

فيما قال كولول باتاشاريا، إنه خلال السنوات العشر الماضية، "ارتبطت السياسات الدبلوماسية للهند بالسياسات الداخلية. وهذا يشكل عقبة أمام تحقيق الأهداف الدبلوماسية والاستراتيجية للهند.. إذا جعلت ألعاب الجوار جزءاً من سياستك، فستواجه بطبيعة الحال تأثيرات عكسية على أهدافك الدبلوماسية".

وأضاف: "هذه الحكومة خلطت بين سياساتها الانتخابية، والسياسة الخارجية لتحقيق مكاسب على صعيد السياسة الداخلية. في رأيي، ما حدث خطأ، علاوة على أنه نقطة ضعف كبيرة. الوقت الراهن العالم كله يراقبك".

سياسة "الجار أولاً"

الزعيم البارز في قسم العلاقات الإعلامية في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، سودھیش ورما، بدوره، شدد في تصريحات لـ"الشرق"، على أن السياسة الخارجية الهندية كانت متسقة للغاية، ولا تتغير مع تغير النظام الحاكم، مضيفاً أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي، يسعى إلى تنمية الصداقة مع جميع دول الجوار، مع إيلاء الأهمية لسياسة "الجار أولاً". 

وبشأن الانتقادات بشأن تراجع نفوذ الهند العالمي، نفى ورما ذلك، مؤكداً في تصريحاته لـ"الشرق"، أن "صوت الهند أقوى من أي وقت مضى. لدينا حضور كبير في العالم العربي، لقد استثمروا الكثير في الهند. مودي يزرع الصداقة أينما ذهب".

وعن التحديات التي تواجهها الهند في العام الجديد، اعتبر ورما، أنها بالأساس "مع الصين، ونحن نتعامل معها"، مشيراً إلى أن نيودلهي "لديها علاقات قوية مع سريلانكا ونيبال"، وفي أفغانستان "لدينا علاقات جيدة على الرغم من وجود طالبان هناك، أما فيما يتعلق بباكستان، فنحن لا نزعجها على الإطلاق".

وأوضح الناطق السابق باسم الحزب الحاكم، أن "بنجلاديش تمثل مشكلة حديثة، ويمكن حلها مع مرور الوقت"، مضيفاً: "هناك تحديات سنواجهها"، وتابع: "الهند لا تتصرف مثل الأخ الكبير".

تصنيفات

قصص قد تهمك