توفي الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الحائز على جائزة نوبل للسلام عن عمر ناهز 100 عام، حسبما ذكر مركز كارتر، الأحد.
كان كارتر مزارعاً في حقول الفول السوداني في ولاية جورجيا وواجه خلال توليه رئاسة الولايات المتحدة مشكلات منها سوء الأوضاع الاقتصادية وأزمة الرهائن في إيران لكنه توسط في السلام بين مصر وإسرائيل، وحصل فيما بعد على جائزة نوبل للسلام عن عمله الإنساني.
كما كان ينتمي للحزب الديمقراطي وشغل منصب الرئيس من عام 1977 إلى 1981 بعد هزيمة الرئيس الجمهوري آنذاك جيرالد فورد في انتخابات عام 1976.
ولم يتمكن من الفوز بولاية ثانية إذ تلقى هزيمة ساحقة أمام منافسه الجمهوري رونالد ريجان، الممثل السابق وحاكم كاليفورنيا.
وامتد عمر كارتر بعد انتهاء ولايته لفترة أطول من أي رئيس أميركي آخر، واكتسب سمعة طيبة طوال مسيرته كرئيس سابق مقارنة بما كان عليه الوضع عندما كان رئيساً، وهي المكانة التي كان يدركها.
وتميزت فترة رئاسته الوحيدة بإبرام اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر، وإسرائيل، والتي جلبت بعض الاستقرار إلى الشرق الأوسط.
لكن فترة رئاسته شهدت ركوداً اقتصادياً وتراجعت شعبيته بشكل مستمر، فضلاً عن الإحراج الذي أحدثته أزمة الرهائن في إيران والتي استنفدت آخر 444 يوماً له في منصبه.
وكارتر (1977-1981) يُعتبر على نطاق واسع أحد أبرز الشخصيات العامة في التاريخ الحديث، بفضل إسهاماته كرجل دولة وإنساني ومدافع عن السلام وحقوق الإنسان. وبينما تميزت رئاسته بإنجازات وتحديات، فإن إرثه بعد الرئاسة عزز مكانته كشخصية تحظى بإعجاب عالمي. وفيما يلي الجوانب الرئيسية لإرثه:
انجازات الرئاسة
أ. اتفاقيات كامب ديفيد (1978):
• توسط كارتر في اتفاقية سلام تاريخية بين مصر (أنور السادات) وإسرائيل (مناحيم بيغن) بعد سنوات من الصراع.
• جعلت الاتفاقية مصر أول دولة عربية تعترف رسمياً بإسرائيل، وحصل كارتر على إشادة دولية واسعة.
ب. الدفاع عن حقوق الإنسان:
• جعل كارتر حقوق الإنسان محوراً أساسياً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
• دفع باتجاه إصلاحات ديمقراطية في دول استبدادية وانتقد الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة.
ج. سياسة الطاقة:
• في مواجهة أزمة الطاقة في السبعينيات، شدد كارتر على أهمية الحفاظ على الطاقة والبحث عن مصادر طاقة بديلة.
• أسس وزارة الطاقة وروج للطاقة المتجددة، على الرغم من مقاومة سياسية كبيرة.
د. معاهدات قناة بنما (1977):
• وقع معاهدات نقل السيطرة على قناة بنما إلى حكومة بنما، مما عزز العلاقات بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.
هـ. حماية البيئة:
• وسع الأراضي المحمية وأيد الحفاظ على البيئة، بما في ذلك قانون حماية أراضي ألاسكا ذات الأهمية الوطنية، الذي حمى أكثر من 100 مليون فدان من البرية.
2. إنجازات ما بعد الرئاسة
ربما يكمن أعظم إرث لجيمي كارتر في مساهماته بعد انتهاء رئاسته، حيث وضع معياراً جديداً للمشاركة العالمية لرئيس أميركي سابق.
أ. مركز كارتر (1982):
• أسس لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية والصحة العالمية.
• لعب دوراً حاسماً في مراقبة الانتخابات في أكثر من 100 دولة وتعزيز حل النزاعات.
• اشتهر بمبادراته للقضاء على أمراض مثل داء الدودة الغينية، الذي أوشك على الانقراض.
ب. “موئل من أجل الإنسانية”:
• أصبح كارتر مدافعاً ومتطوعاً بارزاً في منظمة "موئل من أجل الإنسانية"، وساعد في بناء منازل للعائلات ذات الدخل المحدود في جميع أنحاء العالم.
ج. جائزة نوبل للسلام (2002):
• حصل على الجائزة تقديراً لـ"عقود من الجهود المتواصلة لإيجاد حلول سلمية للنزاعات الدولية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية".
التحديات خلال الرئاسة
بينما حققت رئاسة كارتر نجاحات ملحوظة، فقد واجه أيضاً تحديات كبيرة، بما في ذلك:
• أزمة رهائن إيران (1979-1981): أضرت الأزمة المطولة برئاسته وساهمت في خسارته انتخابات 1980.
• التحديات الاقتصادية: عانت إدارته من التضخم المرتفع والبطالة وأزمة الطاقة.
• على الرغم من هذه الانتكاسات، حظي كارتر بالاحترام لقيادته الأخلاقية ونزاهته.
القيادة الأخلاقية والنزاهة الشخصية
• اشتهر كارتر بتواضعه، حيث عاد بعد مغادرته البيت الأبيض إلى مدينته البسيطة "بلينز" في ولاية جورجيا.
• دافع باستمرار عن الحوكمة الأخلاقية والسلام والحفاظ على البيئة.
موقف جيمي كارتر تجاه القضية الفلسطينية
يُعد موقف جيمي كارتر تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أحد أبرز الجوانب وأكثرها جدلاً في إرثه، حيث يعكس التزامه بالسلام وحقوق الإنسان. وفيما يلي تفاصيل موقفه وأثره ضمن إرثه العام:
اتفاقية كامب ديفيد (1978):
• كرئيس، توسط كارتر في اتفاقية كامب ديفيد، وهي معاهدة سلام تاريخية بين مصر وإسرائيل.
• أصبحت مصر أول دولة عربية تعترف رسمياً بإسرائيل.
• في المقابل، انسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء، التي كانت قد احتلتها خلال حرب الأيام الستة عام 1967.
• بينما حظيت الاتفاقية بإشادة واسعة، لم تُسفر محاولات كارتر لإدراج إطار لمعالجة القضية الفلسطينية عن إجراءات ملموسة خلال رئاسته، ما ترك التوترات مستمرة.
دعم حل الدولتين:
• بعد انتهاء رئاسته، أصبح كارتر من أبرز المؤيدين لحل الدولتين كطريق لتحقيق السلام، ودعا الطرفين إلى التفاوض من أجل تسوية سلمية تحترم حقوق وأمن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
انتقاد سياسات إسرائيل:
• في كتابه الصادر عام 2006 "فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري"، وجه كارتر انتقادات حادة لسياسات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقارن بعض جوانب الاحتلال بنظام الفصل العنصري.
• جادل بأن استمرار توسيع المستوطنات ومعاملة الفلسطينيين يقوض فرص السلام.
• أثارت هذه التصريحات ردود فعل عنيفة، خاصة من الجماعات المؤيدة لإسرائيل وبعض السياسيين الأميركيين، الذين اعتبروا أن لغته كانت مثيرة للجدل أو غير عادلة.
دعم حقوق الفلسطينيين:
• أكد كارتر أهمية معالجة حقوق الإنسان للفلسطينيين من خلال حق تقرير المصير كجزء أساسي من شروط تحقيق السلام.
• سلط الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال ودافع عن حقهم في تقرير المصير.
• غالباً ما وضعته هذه المواقف في خلاف مع الحكومات الإسرائيلية وحلفائها في الولايات المتحدة، لكنها لاقت صدى لدى العديد من الأطراف في المجتمع الدولي التي تسعى إلى نهج أكثر توازنًا للصراع.
جهود الوساطة والمراقبة:
• من خلال مركز كارتر، عمل كوسيط ومراقب للانتخابات في الشرق الاوسط.
• التقى بقادة من الجانبين، بما في ذلك قيادات من "حماس"، بحجة أن الحوار مع جميع الأطراف ضروري لتحقيق سلام دائم.
الأثر الدائم:
• قاد كارتر انتقادات لسياسات الاستيطان الإسرائيلية ودعم الحقوق الفلسطينيين في سنوات ما بعد انتهاء رئاسته.
• يحظى بالاحترام كصانع سلام في الكثير من أنحاء العالم ،و أدت مواقفه إلى توتر علاقاته مع العديد من الجماعات المؤيدة لإسرائيل.
أهمية موقفه في إرثه
تعكس جهود كارتر في قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني التزامه الأوسع بالسلام والعدالة والحوار، حتى في مواجهة ردود الفعل السياسية السلبية. ويُعتبر عمله في هذا المجال جزءاً أساسياً من هويته كرجل دولة عالمي على استعداد لاتخاذ مواقف مبدئية، وإن كان يدفع ثمنها، من أجل ما يؤمن بأنه الصواب.