
شهدت المناظرة الثالثة والأخيرة بين المرشحين السبعة لانتخابات الرئاسة الإيرانية (المقررة في 18 يونيو)، سجالاً عنيفاً بين الحاكم السابق للمصرف المركزي عبد الناصر همتي، ومرشحين متشددين، هاجموا سجل الأخير خلال توليه منصبه سابقاً، مجددين انتقاداتهم للرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني.
المناظرة التي نُظمت السبت، جمعت المرشحين السبعة الذين أقرّ مجلس صيانة الدستور أهليتهم لخوض السباق الرئاسي، بينهم 5 متشددين، هم: رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، والنائبان علي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، إضافة إلى همتي، وهو معتدل، والإصلاحي محسن مهر علي زاده.
وأقصى المجلس الدستوري مرشحين بارزين، من بينهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والرئيس السابق لمجلس الشورى (البرلمان) علي لاريجاني، والنائب الأول للرئيس حسن روحاني، إسحق جهانكيري.
وترجّح استطلاعات الرأي فوز رئيسي، الذي يُعتبر مقرباً من المرشد علي خامنئي، ونال 38% من الأصوات في انتخابات الرئاسة عام 2017، التي انتهت بفوز روحاني بولاية ثانية.
همتي يقارن رئيسي بترمب
همتي أعلن أن حكومته "لن تعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عدوّين لإيران"، محذراً من أن الاقتصاد الإيراني لن ينمو، من دون التعامل مع العالم.
ونقلت وكالة مهر الإيرانية للأنباء عنه قوله إن "منطقة الاستثمار يجب أن تكون آمنة، وإشارته إلى أن "العقوبات المفروضة على إيران عرقلت عملية التقدّم"، وقوله إن "التيار الآخر يريدنا أن نعيش من دون العالم".
وتابع مخاطباً رئيسي: "ماذا سيحدث إذا آلت السلطة إلى المتشددين؟ ماذا سيحدث إذا آلت إليك؟ دعني أقول ذلك بوضوح: ستُفرض عقوبات جديدة، مع إجماع دولي أقوى. رئيسي ومن معه عارضوا الاتفاق النووي"، الموقع في عام 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي انتهج سياسة "ضغوط قصوى" على طهران.
وقام همتي عن كرسيه، وسلّم رئيسي لائحة ذكر أنها تتضمّن أسماء أفراد لم يسدّدوا قروضاً ضخمة لمصارف تديرها إيران. وقال: "سجلتُ هدفاً في مرماك سيد رئيسي، أنت وأصدقاؤك لعبتم في ملعب ترمب، من خلال سياساتك المتطرفة".
رئيسي واحتجاجات 2019
رئيسي أشار في المقابل إلى أن أسماء المتهمين بالفساد التي طرحها همتي، مذكورة في وسائل الإعلام. وأكد "التزامه" بالاتفاق النووي، في حال فوزه في الاقتراع، بوصفه "عقداً وواجباً" أكد عليه "المرشد" الإيراني علي خامنئي.
ورأى رئيسي أن همتي "ليس قادراً على تطبيق" الاتفاق، إذ يحتاج ذلك إلى "حكومة قوية". وأضاف: "القوة في الخارج تُستمد من القوة في الداخل، وحين يكون لديك طوابير لشراء الدجاج (كما يحدث في إيران أحياناً)، لا يمكنك أن تطبّق الاتفاق".
وانتقد همتي تعهد رئيسي خفض الفائدة المصرفية، قائلاً إن "ذلك ليس ممكناً، لأن كثيرين يعيشون على هذه الفوائد". وكرّر حديثه عن دور النساء في المجتمع، وتوجه مخاطباً رئيسي: "تتكلّمون عن النساء وحقوقهنّ، بينما لم تهتموا بالقضاة من النساء".
إلا أن رئيسي اعتبر أن "النظام المصرفي فاسد، بسبب تغيير الهياكل الإدارية للبنوك، كما يجب إصلاح النظام الإداري في البلاد بشكل جذري". وشدد على وجوب "دعم العائلات المحرومة"، لافتاً إلى أن المواطنين "منزعجون من الحكومة، بسبب سياساتها".
وتحدث عن وضعه "حلولاً لهواجس الشعب"، مضيفاً: "سنعمل لتشكيل منظمة للشفافية، لمراقبة النشاطات الاقتصادية، من أجل مكافحة الفساد".
وحمّل رئيسي، روحاني مسؤولية رفع أسعار البنزين، في خطوة أدت إلى احتجاجات واسعة في إيران، في عام 2019، وأسفرت عن مصرع 1500 شخص، كما أفادت وكالة "رويترز"، علماً أن السلطات قلّصت الرقم إلى نحو 300.
"خيانة عظمى"
في السياق ذاته، اتهم زاكاني همتي بأنه "وقّع على كتاب زيادة أسعار البنزين"، وبكشف "أسرار الحكومة لصندوق النقد الدولي"، مضيفاً: "لا تكذبوا على الشعب".
ورأى في ذلك "خيانة عظمى"، وتابع: "أول ما سنفعله هو تصحيح المسار الخاطئ الذي تعتمده الحكومة، بالاعتماد على القدرات الداخلية... سأكون صوتاً لمَن نُهبت ثروته، وسأتحرّى العدالة وتجفيف جذور الفساد. الأداء الفاسد للحكومة أدى إلى الركود الاقتصادي" في إيران.
جليلي وجّه سهامه لروحاني، معتبراً أن "المشكلة الحالية تكمن في أن لدى الموجود في السلطة حالياً، فهماً محدوداً في العلاقات الدولية"، وزاد: "المهم ألا ننهي تأثير العقوبات فحسب، بل أن نجعل مَن فرضها يندم على ذلك".
وأضاف جليلي: "لدينا فرص كبرى في التعاملات المصرفية، وهذا ما لم يفعله المصرف المركزي. أعمل منذ 33 سنة في السياسة الخارجية، وأقول بكل قوة: لدينا تعامل جيد مع العالم. إذا كان لدى رئيس الجمهورية إشراف على الأعمال، فستسير الأمور نحو الهدف المطلوب".
وعلّق همتي على تصريحات جليلي، قائلاً: "البطالة نتيجة أعمالكم يا سيد جليلي، العالم لن يتعامل معكم. وجّهت رسالة إلى القائد (خامنئي)، وحذرت من مشاركة الشعب في البورصة، وأنتم بدّلتم ثلاثة رؤساء للبورصة، ومشكلات البورصة لا ترتبط أبداً بالبنك المركزي".
"جراحة عميقة"
بدوره، دخل رضائي على خط السجال بشأن حكومة روحاني، معتبراً أنها تُدار بواسطة "متسلّلين". وأضاف: "هناك عصابات مافيا تسيطر على مجالات مختلفة في البلاد. نحتاج إلى جراحة عميقة. يجب إعادة بناء الاقتصاد الإيراني واستثمار طاقات كل الشرائح، لحلّ مشكلات البلاد. على الحكومة أن تبدأ بإجراء إصلاحات من داخل السلطة".
ووصف السنوات الثماني المقبلة بأنها "من أهم فترات إيران، وستحدّد مصير الثورة". وقال: "نواجه تحديات كبيرة، وإذا استخدمنا الفرص، سنكون في القمة إقليمياً". وأشار إلى أن حكومته ستعتمد "دبلوماسية حقيقية، تجبر الولايات المتحدة على إلغاء العقوبات" المفروضة على إيران.
أما أمير حسين قاضي زاده، فاعتبر أن "الحكومة الحالية كانت مسيّسة وخياراتها خاطئة"، كاشفاً أنه سيشكّل "حكومة شعبية".
من جهته، قال محسن مهر علي زاده، إن "الشعب يطالب بالشفافية، التي في ظلّها لم يكن هناك أي مجال للفساد". وتطرّق إلى احتجاجات 2019، مطالباً رئيسي بالتدخل لدى خامنئي للعفو عن المحتجزين. وهنا علّق رئيس القضاء (إبراهيم رئيسي)، مشيراً إلى أن خامنئي "أصدر عفواً عن معظم المعتقلين، باستثناء الذين لديهم علاقات مع دول أخرى، أو لديهم ملفات أخرى".
لكن همتي ذكّر أيضاً بالاحتجاجات التي شهدتها إيران، بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد، في عام 2009، متسائلاً: "ماذا حدث لشبابنا خلال السنوات الـ12، التي بدّلت هتافاتهم، من أين صوتي، إلى مستحيل أن أصوّت؟".
موسوي وفائزة هاشمي رفسنجاني
وأفاد موقع "إيران إنترناشيونال" بأن الزعيم المعارض مير حسين موسوي، الذي قاد احتجاجات 2009، مع المرشح الخاسر الآخر مهدي كروبي، تحدث عن "وضع غير مستقر وغامض"، مضيفاً أنه سيقف إلى جانب الذين "سئموا من الانتخابات المهينة والمزوّرة"، و"غير الراغبين في الانصياع للقرارات التي تُتخذ خلف الستار لمستقبل الوطن".
وأشارت زهرا رهنورد، زوجة موسوي، إلى استبعاد مرشحين للرئاسة، بينهم نساء، معتبرة أن إيران "يُقضى عليها نهائياً".
أما النائبة السابقة فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، فأعلنت أنها لن تصوّت في الاقتراع. وقالت عبر تطبيق "کلوب هاوس": "كلّما تقدّمنا، أصبحت هندسة الانتخابات أكثر وضوحاً".
وسألت: "همتي الذي يقول إنه ضد العملة الحكومية (بسعر 4200 تومان للدولار)، ولديه رأي مخالف في قضايا كثيرة، لماذا لم يعارض هذه القضايا أثناء عمله" حاكماً للمصرف المركزي؟
وأضافت: "حتى لو فاز مَن يريد الناس فوزه في صناديق الاقتراع، فلن يسمحوا له بفعل شيء، هؤلاء مجرد منفذين. كل مَن يأتي إلى الرئاسة سيُدمّر، لدرجة أنه لن يبقى منه شيء". واعتبرت أن على "حركات المعارضة أن تستمرّ"، وفق "إيران إنترناشيونال".