
تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل بدء قمة لحلف شمال الأطلسي في بروكسل الاثنين، بأن الدفاع عن أوروبا وتركيا وكندا، هو "التزام مقدس" للولايات المتحدة.
ورجّح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أن يوجّه بايدن "رسائل قاسية" إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، علماً أن المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف، يشمل للمرة الأولى وصف الصعود العسكري للصين، بأنه تحدٍ لـ "الأطلسي".
في المقابل، أعرب بوتين عن قلق بلاده بشأن تعزيز "الأطلسي" قدراته السايبرية. ووصف، في حديث لشبكة "إن بي سي" الأميركية، اتهام موسكو بشنّ هجمات إلكترونية على الولايات المتحدة، بأنه "سخيف".
وأضاف: "اتُهمنا بأمور كثيرة"، بما في ذلك "التدخل في الانتخابات" الأميركية، أو "الهجمات الإلكترونية"، وزاد، في إشارة إلى الأميركيين: "لم يتكبّدوا ولا مرة واحدة، عناء تقديم أدنى دليل" يثبت ذلك.
ولم يستبعد بوتين تبادلاً للسجناء بين موسكو وواشنطن، إذ قال رداً على سؤال بشأن احتمال مبادلة تريفور ريد وبول ويلان، المسجونين في روسيا، مع الروس المسجونين بالولايات المتحدة: "نعم، نعم، نعم بالتأكيد".
وأشار بوتين إلى أن أبرز معارضيه في روسيا، أليكسي نافالني، المسجون الآن، لن يُعامل بشكل أسوأ من المحتجزين الآخرين، وفق وكالة "رويترز".
يأتي ذلك فيما يُرجّح أن تتيح قمة "الأطلسي" في بروكسل، فتح صفحة جديدة في العلاقات، بين أوروبا والولايات المتحدة، بعدما شابها توتر خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي هدّد بالانسحاب من الحلف.
كذلك يُتوقّع أن تعزّز القمة وحدة أعضاء "الأطلسي"، في مواجهة تهديدَي روسيا والصين.
"المادة الخامسة التزام مقدس"
وقال بايدن لدى وصوله إلى مقرّ الحلف: "المادة الخامسة التزام مقدس"، في إشارة إلى تعهد أعضاء "الأطلسي" بالدفاع الجماعي عن أعضائه، لدى تعرّض أيّ منهم لهجوم.
وشدد على "الحاجة إلى تنسيق أكبر" بين الحلفاء، مضيفاً: "أريد أن يكون هذا الأمر واضحاً. لحلف شمال الاطلسي أهمية قصوى لمصالحنا. لو لم يكن موجوداً، لوجب علينا أن ننشئ حلفاً".
وتابع: "أذكّر الأميركيين باستمرار، أنه عندما تعرّضت أميركا لهجوم على أراضيها، للمرة الأولى منذ بداية الحرب العالمية الثانية (11 سبتمبر 2001)، تحرّك الحلف الأطلسي. احترم الحلفاء المادة الخامسة، وأريد فقط أن تدرك أوروبا أن الولايات المتحدة هنا وسعيدة بالعودة"، وفق وكالة "فرانس برس".
وزاد بايدن: "خلال السنتين الماضيتين، بات هناك إدراك متزايد بأن لدينا تحديات جديدة. لدينا روسيا التي لا تتصرّف بالطريقة التي كنا نأملها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين".
وأشارت وكالة "رويترز" إلى أن الرئيس الأميركي يشير بذلك، إلى جهود غربية منذ منتصف تسعينات القرن العشرين، لإدخال البلدين ضمن الديمقراطيات الليبرالية.
"رسائل قاسية"
واستبق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تصريحات بايدن، لافتاً إلى أن الأخير سيوجّه "رسائل قاسية" إلى بوتين، في غضون "أيام".
وقال جونسون لدى وصوله إلى مقرّ "الأطلسي": "آمل دوماً بأن تتحسّن الأمور مع روسيا، ولكن أخشى أنه حتى الآن، كانت الأمور مخيبة جداً، من وجهة نظر المملكة المتحدة".
وشدد جونسون على أن الحلف "لا يريد الانزلاق إلى حرب باردة جديدة مع الصين"، مضيفاً: "أعتقد بأن الناس يرون التحديات، والأمور التي علينا إدارتها معاً، لكنهم يرون أيضاً الفرص".
وأُسّس الحلف في عام 1949، في أوجّ الحرب الباردة بين المعسكرين، الغربي والشرقي، ويضمّ 30 دولة، 12 منها مؤسّسة، هي بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وأيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
والدول الأعضاء الأخرى هي اليونان وتركيا وألمانيا وإسبانيا وتشيكيا والمجر وبولندا وبلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا ومونتينيغرو ومقدونيا الشمالية.
تحديات كثيرة
ويواجه الحلف تحديات كثيرة، بعضها قديم، مثل روسيا التي ورثت الاتحاد السوفياتي، وبعضها حديث، مثل الصين، والهجمات الإلكترونية، والاحتباس الحراري، و"الإرهاب"، إضافة إلى أزمات أخرى.
وأعلن البيت الأبيض الأحد، أن دول الحلف ستطلق مبادرات "طموحة"، لضمان الحفاظ على أمنه.
وأوضح أن الأعضاء سيتفقون على مراجعة "المفهوم الإستراتيجي" للحلف، الذي سيقود "نهجه في بيئة إستراتيجية متطوّرة، تشمل السياسات والتصرفات العدائية لروسيا، والتحديات التي تشكّلها الصين لأمننا، وازدهارنا، وقيمنا المشتركة والتهديدات العابرة للحدود، ومنها الإرهاب، والتهديدات الالكترونية والتغير المناخي".
وذكر البيت الأبيض أن المفهوم الإستراتيجي الجديد سيُطرح للموافقة عليه، خلال قمة "الأطلسي" العام المقبل، علماً أن "رويترز" أفادت بأنه يشمل، للمرة الأولى، الصعود العسكري الصيني، بوصفه تحدياً للحلف.
"روسيا لن تستطيع تقسيمنا"
وفي هذا الصدد، قال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ: "لن ندخل في حرب باردة جديدة، والصين ليست خصمنا ولا عدونا... لكننا في حاجة إلى أن نواجه معاً، كحلفاء، التحديات التي يطرحها صعود الصين على أمننا".
وأضاف: "سنوجّه رسالة مهمة الى موسكو: ما زلنا متحدين وروسيا لن تستطيع تقسيمنا"، وفق "فرانس برس".
ووصف ستولتنبرغ القمة بأنها "لحظة محورية"، لا سيّما بعدما وصف ترمب الحلف بأنه "عفا عليه الزمن"، فيما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه "في حالة موت دماغي". وعشية القمة، شدد ماكرون على وجوب أن يعدّ "الأطلسي قواعد للسلوك بين الحلفاء".
وبعدما أعلن البيت الأبيض أن بايدن يأمل بأن "يظهر التحدي الأمني الذي تمثله الصين، في البيان" الذي سيصدره الحلف، اعتبرت الرئاسة الفرنسية أن "قلب الحلف الأطلسي هو أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية"، لافتة إلى أن "الآن ليس الوقت المناسب، لتخفيف جهدنا في هذا الإطار".
"ابتلاع" بيلاروسيا
ونبّه الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا إلى أن روسيا تحاول "ابتلاع" بيلاروسيا، معتبراً أن "الأطلسي" يحتاج إلى الوحدة لردع موسكو.
وقال ناوسيدا: "بيلاروسيا تفقد آخر عناصر استقلالها، وهذه الاتجاهات خطرة جداً".
ومنذ ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، في عام 2014، حدثّ الحلف دفاعاته، لكنه بدأ أخيراً يدرس بجدية أكبر، أي تهديد محتمل من الصين.
وأشارت "رويترز" إلى استثمارات صينية في موانئ أوروبية، وخطط لإنشاء قواعد عسكرية في إفريقيا، وتدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا.
واستدركت أن دول "الأطلسي" تدرك روابطها الاقتصادية مع بكين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري الألماني مع الصين خلال 2020، أكثر من 212 مليار يورو، وفقاً لبيانات الحكومة الألمانية، ما يجعل بكين الشريك التجاري الأول لبرلين، في السلع.
وهناك 21 بلداً من دول الاتحاد الأوروبي، أعضاء في "الأطلسي"، لكن 8 فقط منها ملتزمة بتخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، للإنفاق العسكري.
وسينتهز بايدن وماكرون انعقاد القمة، للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعربت بلاده عن استعدادها لتولّي أمن مطار كابول، بعد انسحاب قوات "الأطلسي" في أفغانستان.
وسيناقش بايدن مع أردوغان، شراء تركيا صواريخ روسية من طراز "إس-400"، ما دفع واشنطن إلى إقصائها من برنامج مقاتلة "إف-35".