العراق.. خلاف قضائي حول وقف تنفيذ قوانين "مثيرة للجدل"

time reading iconدقائق القراءة - 8
مقر مجلس القضاء الأعلى في العاصمة العراقية بغداد - "واع"
مقر مجلس القضاء الأعلى في العاصمة العراقية بغداد - "واع"
بغداد-حيدر الربيعي

يشهد العراق معركة قانونية بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا حول حكم وقف تنفيذ 3 قوانين خلافية سبق أن أقرها مجلس النواب وهي "الأحوال الشخصية"، و"العفو العام"، "وإعادة العقارات لأصحابها".

وبعدما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الثلاثاء الماضي، قراراً يقضي بوقف تنفيذ القوانين الثلاثة، قال مجلس القضاء الأعلى، الأربعاء، إنه لا يجوز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية.

بداية الأزمة

في الـ21 من يناير الماضي، صوّت البرلمان العراقي على "تعديل قانون العفو العام، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات لأصحابها في محافظة كركوك، دفعة واحدة"، غير أن بعض أعضاء مجلس النواب "اعترضوا على آلية التصويت واعتبروها مخالفة للإجراءات الدستورية، ورفعوا دعوى طعن لدى المحكمة الاتحادية في صحة جلسة البرلمان وطريقة تمرير القوانين، قبل أن يتم المصادقة عليها، ونشرها في الجريدة الرسمية لكسب الصفة التشريعية.

في الـ4 من فبراير الجاري، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أمراً ولائياً يقضي "بإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة الجدلية، الأحوال الشخصية، والعفو العام، والعقارات"، عقب الطعن الذي قدمه عدد من أعضاء البرلمان العراقي. 

قرار المحكمة الاتحادية خلق حالة من الانقسام بين الأوساط السياسية والشعبية داخل العراق بين "مؤيد لقرار المحكمة والدعوة إلى الالتزام به، خاصة القوى السياسية الشيعية، ورافض للقرار"، معتبراً إياه غير دستوري وتجاوزاً على السلطة التشريعية، خصوصاً القوى السياسية السنية، التي تبنت على مدى الأشهر الماضية مشروع تعديل "قانون العفو العام". 

دعم المحكمة الاتحادية العليا

الإطار التنسيقي الجامع للقوى السياسية الشيعية في العراق، أعلن دعمه للمحكمة الاتحادية العليا لإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة، مؤكداً حقها في النظر بما أسماه المخالفات التي رافقت جلسة مجلس النواب ومنها "غياب النصاب القانوني وآلية التصويت على ثلاثة قوانين بسلة واحدة"، مشدداً على مبدأ "الفصل بين السلطات واحترام القضاء بوصفه الضابط الأساس في إنهاء الخلاف في وجهات النظر".

على الجانب الآخر، شنت القوى السياسية السنية هجوماً لاذعاً على المحكمة الاتحادية العليا، كما أعربت عن رفضها واستنكارها لقرار إيقاف تنفيذ القوانين الثلاث، على رأس تلك القوى حزب "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي، إذ وصف المحكمة الاتحادية بغير الدستورية والمسيسة وقرارها بـ"المجحف".

 كما لوح بالدعوة إلى تظاهرات عارمة رافضة للمحكمة والمقاطعة الشاملة لكل المؤسسات والفعاليات، وهو "ذات الموقف للعديد من الجهات السنية"، فيما قرر محافظو الأنبار وصلاح الدين ونينوى تعطيل الدوام الرسمي احتجاجاً على القرار.

وعلى ذات المسار، أعرب تحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، عن استغرابه الشديد لقرار المحكمة الاتحادية، داعياً إياها إلى تمرير القانون والنظر في صحته بأسرع وقت ممكن.

فيما حمّل النواب الذين تقدموا بالطعن ضد القانون "مسؤولية ما يترتب على الشكوى من محاولات استغلال الشارع وتجييشه لمصالح شخصية، والتداعيات السلبية على الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق". 

تدخل مجلس القضاء الأعلى

وسط هذا الجدل وتضارب المواقف، تدخل مجلس القضاء الأعلى العراقي لإبداء رأيه حول دستورية قرار المحكمة الاتحادية، مبيناً موضوع نفاذ القوانين والطعن بعدم دستوريتها تمت معالجته بأحكام المادتين (93/أولاً)، و 129 من دستور جمهورية العراق عام 2005 إذ يقتضي ابتداءً عند الطعن بعدم دستورية أي قانون يصدر من مجلس النواب أن يتم نشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح القانون محلاً للطعن بعدم دستوريته، وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة الاتحادية العليا في العديد من قراراتها، مؤكداً عدم جواز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية. 

وأضاف المجلس أن "الأمر الولائي نص على إيقاف تنفيذ إجراءات صدور ونفاذ قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون إعادة العقارات إلى أصحابها، رغم أن القانونين لم ينشرا في الجريدة الرسمية لحد الآن"، وبهذا يعتبر الأمر الولائي غير ذي موضوع، ومجرد التصويت عليها فقط في مجلس النواب العراقي يقتضي "التريث في إصدار أي قرار سلباً أو إيجاباً يتعلق بتنفيذ القانون". 

وأردف: "طلب إيقاف تنفيذ القوانين ومن ضمنها التعديل الثاني لقانون العفو العام، غير وارد قانوناً لتعارضه مع النص الدستوري، واستقرار المحكمة الاتحادية العليا، وعدم مراعاة الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية، فضلاً عن الجواز للمتضرر من الأمر الولائي الطعن فيه بالتظلم أمام المحكمة الذي أصدرته، ومن ثم الطعن فيه تمييزاً، في حين أن المحكمة الاتحادية وصفت أمرها الولائي بالملزم للسلطات كافة خلافاً لنصوص قانون المرافعات المدنية".

وأوضح المجلس، أن "الأوامر الولائية هي قرارات وقتية ولا تتمتع بالحجية الباتة والملزمة التي هي صفة تلازم الأحكام النهائية الفاصلة في موضوع النزاع"، مؤكداً إلزام المحاكم بتطبيق قانون العفو العام المصوت عليه من قبل البرلمان العراقي.

ويعتبر مجلس القضاء الأعلى المسؤول عن تنظيم السلطة القضائية في العراق، إذ يتولى الإشراف على المحاكم في البلاد، بما فيها "محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية" كما أنه معني بتعيين القضاة وترقياتهم، كما يعمل على ضمان استقلال القضاء من خلال الإشراف على الأعمال القضائية، وتحديد سُبل تعيين القضاة والمحامين، إلى جانب وضع السياسة العامة للعمل القضائي في البلاد.

ويشكل مجلس القضاء الأعلى جزءاً من السلطة القضائية العراقية المستقلة، وقد تم تأسيسه بموجب المادة 87 من الدستور العراقي من أجل "ضمان استقلال القضاء وحياديته".

رد المحكمة الاتحادية

في المقابل، ردت المحكمة الاتحادية العليا على ما صدر من مجلس القضاء الأعلى حول "الأمر الولائي للمحكمة الخاص بالقوانين الجدلية"، مؤكدة أن "قراراتها باتة وملزمة لكافة السلطات بموجب الدستور العراقي". 

وذكرت المحكمة الاتحادية في بيان، أن "قراراتها بموجب أحكام المادة 94 من دستور جمهورية العراق عام 2005 التي نصت على (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة) وأن النص المذكور، يشمل جميع الأحكام والقرارات الصادرة منها بما فيها الأوامر الولائية، وهذه المادة حصنت جميع قراراتها من الطعن بها وإلزامية التنفيذ"، مشيرةً إلى أن الدستور هو "وثيقة الشعب وقوة أحكام المحاكم الدستورية تستند من تلك الوثيقة التي تلزم الجميع عدم خرقها".

وتعد المحكمة الاتحادية العليا، "الهيئة القضائية التي تتمتع بسلطة تفسير الدستور، وحل النزاعات الدستورية بين مختلف السلطات في الدولة العراقية، وتختص بمراقبة دستورية القوانين والتشريعات، وتفسير المواد الدستورية التي قد تكون غامضة أو محل خلاف، فضلاً عن مراقبة مدى تطابق قرارات السلطة التنفيذية مع أحكام الدستور العراقي". 

وتشكلت المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة 92 من الدستور العراقي، وتم منحها "دوراً مهماً في الحفاظ على الدستور، وحماية الحقوق والحريات العامة".

العلاقة بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية

ويعد مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا في العراق، مؤسستان قضائيتان منفصلتان عن بعضهما، ويتمتع كل منهما بدور وشرعية محددة بموجب الدستور العراقي.

العلاقة التي تربط بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا، أن كلاهما "تعملان في مجال القضاء"، إلا أن كل جهة لها "اختصاص مختلف، فمجلس القضاء يشرف على السلطة القضائية بشكل عام، ويضمن سير العمل القضائي".

بينما المحكمة الاتحادية تركز على "تفسير الدستور، وحل النزاعات الدستورية، وتضمن احترام الدستور وحماية مبادئه، ولا يوجد تداخل كبير بين صلاحياتهما، بل لكل مؤسسة اختصاصها الذي ينظم علاقتها مع باقي السلطات في العراق".

تصنيفات

قصص قد تهمك