ماكرون: على أوروبا الرد على "صدمة" ترمب.. وتحمل مسؤولية أكبر لضمان أمنها

الرئيس الفرنسي: تحول جوهري في أولويات واشنطن.. ولا خيار أمامنا سوى التحرك لأن "الطريق يضيق"

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل دونالد ترمب في قصر الإليزية قبل حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام. 7 ديسمبر 2024 - REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل دونالد ترمب في قصر الإليزية قبل حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام. 7 ديسمبر 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عودة نظيره الأميركي دونالد ترمب إلى المشهد السياسي بأنها "صدمة كهربائية" يجب أن تدفع أوروبا إلى تأمين مستقبلها ومستقبل أوكرانيا.

وشدد ماكرون في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" أجراها في قصر الإليزيه عقب اتفاق ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عقد محادثات سلام وشيكة في مكالمة مفاجئة الأربعاء الماضي، على ضرورة أن تعزز أوروبا قدراتها الدفاعية والاقتصادية.

واعتبر الرئيس الفرنسي أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هو "الوحيد المخوّل بالتفاوض نيابة عن بلاده"، محذراً من أن فرض "سلام قائم على الاستسلام" سيكون "خبراً سيئاً للجميع"، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وقال ماكرون: "السؤال الوحيد في هذه المرحلة هو ما إذا كان الرئيس بوتين مستعداً بجدية واستدامة ومصداقية للموافقة على وقف إطلاق النار على هذا الأساس. بعد ذلك، يعود الأمر للأوكرانيين للتفاوض مع روسيا"، مشدداً على ضرورة أن "نظل جميعاً يقظين بشكل جماعي".

"على أوروبا تحمل مسؤولية أكبر"

وأشار ماكرون إلى أن على أوروبا تحمل مسؤولية أكبر في ضمان أمنها، وهو ما لن يكون ممكناً إلا من خلال "تعزيز استقلالها الاقتصادي وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة والصين".

ووصف ماكرون عودة ترمب إلى البيت الأبيض بأنها "صدمة تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الاستثمار في دفاعه ونهضته الاقتصادية والتكنولوجية"، مشيراً إلى أن ذلك يستلزم التخلي عن الإطار المالي والنقدي الذي اتفق عليه الاتحاد الأوروبي لأول مرة في عام 1992، والذي وصفه بـ"البالي".

وقال: "هذه لحظة أوروبا للإسراع والتنفيذ"، محذراً في الوقت نفسه من مخاطر فشل الاتحاد الأوروبي. وأضاف: "التكتل ليس لديه خيار آخر. الطريق أمامه يضيق".

وقالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إن ثمة تساؤلاً يبقى مطروحاً حول قدرة ماكرون على حشد الدول الأوروبية لدعم برنامجه، لا سيما في ظل تراجع نفوذه داخلياً وفي بروكسل، بسبب الشلل السياسي الذي أعقب الانتخابات المبكرة العام الماضي. كما أن العجز في المالية العامة الفرنسية يحد من قدرة باريس على القيام بالاستثمارات الضرورية في الدفاع وغيره من الأولويات.

تحول جوهري في الأولويات الأميركية

ورغم ذلك، أيد ماكرون موقف إدارة ترمب بأن أمن أوكرانيا "مسؤولية أوروبية"، معتبراً أن ذلك يعكس تحولاً جوهرياً في أولويات السياسة الخارجية الأميركية، حيث بات التركيز ينصب أكثر على آسيا بدلاً من أوروبا.

واعتبر ماكرون أن النزعة الأحادية الأميركية لم تبدأ مع عودة ترمب إلى السلطة، مشيراً إلى أنه "لم يتلق اتصالاً" مسبقاً من إدارة الرئيس السابق جو بايدن بشأن اتفاق "أوكوس" للغواصات النووية مع أستراليا والمملكة المتحدة، أو بشأن الانسحاب من أفغانستان.

وقال ماكرون: "ما يقوله ترمب لأوروبا هو أن عليها تحمل العبء. وأنا أقول: علينا نحن أن نتحمل المسؤولية".

"عنصر اضطراب استراتيجي"

وفي حين رد العديد من القادة الأوروبيين بغضب على محادثات ترمب مع بوتين بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، بدا ماكرون أكثر هدوءاً. وبعد محادثة هاتفية مع ترمب في وقت سابق من الأسبوع، قال الرئيس الفرنسي إنه "لم يفاجأ" بهذه الخطوة من الرئيس الأميركي.

وأوضح أن ترمب فتح "نافذة فرصة" لحل تفاوضي، حيث "يجب على الجميع أن يقوموا بدورهم".

وأضاف أن الدور الأميركي يتمثل في "إعادة إطلاق هذا الحوار" وأخذ زمام المبادرة، لأن ترمب أدخل "عنصر اضطراب استراتيجي". 

وشدد على أن الأمر يعود إلى "زيلينسكي وحده لمناقشة القضايا المتعلقة بالأراضي والسيادة". كما أشار إلى أن "المجتمع الدولي، مع دور محدد للأوروبيين، هو الذي يجب أن يناقش الضمانات الأمنية، وبشكل أوسع، الإطار الأمني للمنطقة بأسرها. وهنا يكمن دورنا".

تنازلات لبوتين

وندد حلفاء أوروبيون آخرون بما اعتبروه تنازلات أميركية واضحة لبوتين قبل بدء المحادثات، بما في ذلك استبعاد عضوية أوكرانيا في الناتو، واعتبار استعادة كييف الكاملة لوحدة أراضيها "أمرا واهماً".

لكن ماكرون كان حريصاً على عدم توجيه انتقادات مباشرة، مشيراً إلى أنه، في وقت إجراء المقابلة، كان وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث هو من قال إن انضمام كييف إلى الناتو "ليس نتيجة واقعية"، وليس الرئيس الأميركي نفسه. رغم أن ترمب قال في وقت لاحق إنه يعتقد أن العضوية ليست أمراً عملياً.

ويقود ماكرون محادثات بين الحلفاء الأوروبيين حول كيفية ضمان أي اتفاق سلام، بما في ذلك إمكانية نشر قوات في أوكرانيا لردع أي عدوان روسي مستقبلي.

وصرح زيلينسكي بأن القوة الوحيدة القادرة على ردع روسيا عن الهجوم مجدداً يجب أن تضم بين 150 ألفاً و200 ألف جندي، مع مشاركة أميركية. غير أن نشر قوات بهذا الحجم سيكون شبه مستحيل؛ نظراً لحالة الإنهاك التي تعانيها الجيوش الأوروبية.

وأوضح ماكرون أنه رغم أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن الأعداد، فإن نشر قوة بهذا الحجم يُعد أمراً "بعيد المنال"، مضيفاً: "علينا أن نقوم بخطوات مناسبة وواقعية ومدروسة وموزونة وقابلة للتفاوض".

جرينلاند وغزة

وعند سؤاله عن تهديد ترمب بضم جزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك، قال ماكرون إن مخاوف الرئيس الأميركي بشأن أمن الطرق البحرية في القطب الشمالي "مشروعة"، لكن ينبغي معالجتها بشكل جماعي من قبل الحلفاء في الناتو. 

وأضاف أنه طلب من الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، وضع استراتيجية لأمن القطب الشمالي، تتضمن احتمال تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة.

أما فيما يتعلق بمقترح ترمب لإعادة تطوير غزة بعد تهجير سكانها البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة إلى الدول العربية المجاورة، فقد كان ماكرون أكثر صراحة، إذ وصف تهجير سكان غزة بأنه سيكون "خطيراً للغاية".

وقال: "بالنسبة لي، الحل ليس عقارياً، بل هو حل سياسي".

وأشار ماكرون إلى أن مخططات ترمب بشأن غزة وجرينلاند تجسد "حالة عدم اليقين الاستراتيجي القصوى" التي يعيشها العالم اليوم، مما يستوجب إعادة تفكير جذرية في كيفية عمل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.

وختم بالقول: "إنها صدمة كهربائية. نحن بحاجة إلى صدمات غير متوقعة، إلى صدمات خارجية. إنه صدمة خارجية للأوروبيين".

وقال ماكرون: "سيساعد ذلك في جلب الوضوح لأولئك في أوروبا الذين ما زالوا يعتقدون أنهم يستطيعون العيش في حالة من التبعية الاستراتيجية".

وأضاف: "هذا النموذج، الذي يفترض أن تكون السوق الصينية منفذاً تجارياً، والمظلة الأميركية ضماناً للأمن، والغاز الروسي الرخيص وسيلة للإنتاج، انسوا هذه الأمور الثلاثة".

"الاستفاقة الاستراتيجية"

وترى "فاينانشال تايمز" إنه لكي تحقق أوروبا "الاستفاقة الاستراتيجية" التي يدعو إليها ماكرون، سيكون عليها تعزيز قدراتها الدفاعية، وإنعاش النمو الاقتصادي الراكد من خلال موجة من التحرير الاقتصادي والتكامل في مختلف المجالات، بدءاً من أسواق رأس المال وصولاً إلى قطاع الطاقة، لتمكين الاتحاد الأوروبي من استغلال حجمه الاقتصادي لصالحه.

وفيما يخص الدفاع، شدد ماكرون على ضرورة أن تبني أوروبا قدراتها بحيث تتمكن من التحرك "حتى عندما لا تكون الولايات المتحدة منخرطة".

وجدد ماكرون دعوته لأوروبا للتخلص من اعتمادها على شراء الأسلحة الأميركية، وهو هدف طالما سعت إليه فرنسا، مشيراً إلى أن على الدول الأوروبية شراء نظام الدفاع الجوي الفرنسي-الإيطالي SAMP-T. وأكد أنه "أفضل" من نظام باتريوت الأميركي، الذي تستخدمه بالفعل عدة دول في الاتحاد الأوروبي.

وقال ماكرون: "يجب علينا أيضاً تطوير قاعدة دفاعية وصناعية وتكنولوجية أوروبية متكاملة بالكامل"، مضيفاً أن "الأمر يتجاوز مجرد نقاش حول أرقام الإنفاق. إذا اكتفينا بأن نصبح عملاء أكبر للولايات المتحدة، فلن نحل مسألة السيادة الأوروبية حتى بعد 20 عاماً".

ولتمكين الدول الأوروبية من الاستثمار أكثر في دفاعها، دعا ماكرون إلى إيجاد "حلول تمويلية مبتكرة"، بما في ذلك إمكانية اللجوء إلى مزيد من الاقتراض المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، كما حدث خلال الجائحة، غير أن ألمانيا ما زالت تعارض بشدة هذا التوجه، لكن ماكرون قال إنه يأمل أن يتغير هذا الموقف بعد الانتخابات الفيدرالية الألمانية في 23 فبراير.

تحديات لأوروبا

واعتبر الرئيس الفرنسي أن التحديات التي تواجه أوروبا اليوم لا تقل خطورة عن تلك التي واجهتها خلال جائحة كورونا، مشدداً على ضرورة تحرير أوروبا من قيود العجز المالي المفروضة بموجب ميثاق النمو والاستقرار الأوروبي، الذي يُلزم الدول بالحفاظ على عجز الميزانية دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي. 

ووصف هذه القواعد بأنها "عفا عليها الزمن"، مضيفاً: "الإطار المالي والنقدي الذي نعيش في ظله أصبح غير صالح".

ودعا ماكرون أوروبا إلى الاستثمار في التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر والأمن. كما دعا إلى تقليص اللوائح التنظيمية الأوروبية التي وصفها بأنها مرهقة وغير واقعية.

كما حذر من أن أوروبا يجب ألا تعوق بنوكها بفرض متطلبات رأسمالية أكثر صرامة، في وقت يبدو أن الولايات المتحدة ستتجاهل القواعد الدولية المتفق عليها.

لكن ماكرون تجنب الإجابة مباشرة عندما سُئل عما إذا كان الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى نسخة خاصة به من "وزارة كفاءة الحكومة" التي أنشأها ترمب، والتي كلف الملياردير إيلون ماسك بإعادة هيكلة الإنفاق الحكومي فيها. وقال: "نحتاج إلى تبسيط جذري.. لكن من الأفضل اتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة سياسياً، بدلاً من هدم كل شيء".

وأقر ماكرون بأن تعزيز قوة أوروبا قد يستغرق "من خمس إلى عشر سنوات"، وهي فترة لم يعد يمتلكها، حيث تنتهي ولايته في 2027.

ومع تصاعد نفوذ الشعبويين واليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا، أصبح جزء من الناخبين أكثر حذراً تجاه توسع نفوذ الاتحاد الأوروبي في حياتهم.

تصنيفات

قصص قد تهمك