تشكيل الحكومة في ألمانيا.. هزيمة ثقيلة وانتصار غير مكتمل وعقبات على الطريق

شولتز يأبى التفاوض.. ولا شريك يقبل اليمين المتطرف.. و"المسيحي الاجتماعي" يرفض الخضر

time reading iconدقائق القراءة - 10
زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) في ألمانيا فريدريش ميرتس خلال احتفاله بالفوز على أولاف شولتز. 23 فبراير 2025 - REUTERS
زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) في ألمانيا فريدريش ميرتس خلال احتفاله بالفوز على أولاف شولتز. 23 فبراير 2025 - REUTERS
برلين -الشرق

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية في ألمانيا، الأحد، تقدم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) المحافظ بقيادة مرشحه لمنصب المستشار فريدريش ميرتس، بنسبة تقارب 29% تقريباً، فيما جاء حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في المركز الثاني، بنسبة 20%، ليعلن الناخبون رفضهم لحكومة المستشار أولاف شولتز اليسارية التي كانت تدير البلاد، بسبب طريقة تعاملها مع ملف الاقتصاد وقضية الهجرة.

ويأتي هذا التحول إلى اليمين في لحظة محورية بالنسبة لألمانيا وحلفائها الأوروبيين الذين أصيبوا بالصدمة إزاء الإعلانات الصادرة عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الحرب في أوكرانيا، والمخاوف من انهيار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتهديدات بزيادة الرسوم الجمركية.

ومع بدء ظهور النتائج الأولية، وقف ميرتس وشولتز على المنصة التي نُصبت لكل منهما في مقر حزبه بالعاصمة برلين، في مشهدين بديا متناقضين تماماً.

ووقف ميرتس وسط أنصاره الفرحين قائلاً: "لقد فُزنا"، متعهداً بالعمل سريعاً على تشكيل أغلبية لحكم البلاد واستعادة الدور القيادي القوي لألمانيا في أوروبا. وأضاف: "العالم خارج ألمانيا لا ينتظر، ولن ينتظر مفاوضات طويلة للوصول إلى حكومة ائتلافية".

بدوره، وقف شولتز أيضاً وسط أنصاره، وأقرّ بـ"الهزيمة التاريخية"، حيث تكبد الحزب، بنحو 16% تقريباً، أسوأ نتيجة خلال أكثر من قرن، واصفاً إياها بـ"المريرة"، ومهنّئاً حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بالفوز.

"لا نشعر بالإهانة.. ولا تصيبنا الهستيريا"

شولتز الذي خرج من الانتخابات مهزوماً، ليس هو نفسه الذي فاز في الانتخابات قبل نحو 3 أعوام. حينها كان يرغب في أن يترك بصمته على ألمانيا بأكملها، وكانت لديه خطة من أجل ذلك، إلا أنّ الناخبين الألمان لم يعودوا يرغبون في سماعها.

وفي أوج صعوده، كان لدى شولتز قواعده الصارمة: "لا نشعر بالإهانة أبداً، ولا تصيبنا الهستيريا أبداً". ويُقال إنّه كان يحتفظ بها مكتوبة على ورقة يظهرها كلما قضت الحاجة، بهدف ضبط النفس والثبات والاستقرار والهدوء، أي إظهار السيادة. 

ومنذ سنوات عدة، كان يعتبر من الإطراء أن يُقال له إن "خطابه لم يتغيّر"، فبالنسبة له، كان تغيير الرأي والسياسة على نحو سريع يُعدّ سلوكاً غير موثوق فيه.

لكن مع الهزيمة وتغيّر حظوظ حزبه، تغير شولتز أيضاً، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" الألمانية. فقد تركت السنوات الثلاث من المستشارية بصماتها عليه.

ولا عجب في ذلك، فقد كانت سنوات مليئة بالتحديات الخارجية الهائلة، في مقدّمتها الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، إذ حرص شولتز منذ البداية على إدارة سير العمليات داخل الحكومة وطريقة التواصل مع الخارج بصورة دقيقة وتفصيلية قدر الإمكان. 

وترى الصحيفة، أنه بمرور الوقت، أصبح شولتز أكثر حذراً وأقل صخباً، إذ ارتكب أخطاء ما كان ليرتكبها في الأوضاع العادية، فالتحديات التي واجهها تضخّمت بشكلٍ غير مسبوق.

وسقط الائتلاف الحكومي الذي كان يقوده بسبب التناقضات بين الأحزاب التي شكّلته. ونفد المال من الحكومة بسبب قرار المحكمة الدستورية بإيقاف استخدام أموال القروض بناء على قانون "كبح الديون"، وفقد إحساسه بنبض الشارع الألماني، عندما لم يعرف كيف يستجيب إلى مخاوفهم بسبب تزايد أعداد المهاجرين في البلاد. ولم يتمكّن من الوفاء بوعده الانتخابي الأهم: الجديّة والاستقرار.

رأى شولتز نفسه دائماً "رجل الحلول"، لكنه دخل هذه الحملة الانتخابية مثقلاً بالكثير من المشكلات. وفي النهاية، أقرّ بالهزيمة، متحمّلاً مسؤولية ذلك بإعلانه أنه لن يشارك ممثلاً عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المفاوضات الائتلافية المقبلة.

وعلى عكس شولتز، تعهد ميرتس بتشديد الإجراءات ضد المهاجرين، وخفض الضرائب، واللوائح الخاصة بالأعمال التجارية في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي. كما وعد بتعزيز الدور القيادي في أوروبا في وقت ينشر فيه الرئيس الأميركي القلق في القارة عبر إحداث تغييرات في التحالفات التقليدية والتقارب مع روسيا.

عقبات أمام تشكيل الحكومة

أُجريت الانتخابات البرلمانية قبل موعدها بسبعة أشهر، عقب انهيار حكومة شولتز الائتلافية، التي تضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار)، وحزب الخضر (يسار)، والحزب الديمقراطي الحر (ليبرالي)، وشهدت حينها أعلى نسبة مشاركة (84% تقريباً) منذ عقود.

ورغم فوز التحالف المسيحي بأغلبية الأصوات والتقدم التاريخي لليمين المتطرف، إلا أن الانتخابات الألمانية لم تسفر عن فائز يستطيع بمفرده تشكيل الحكومة دون الدخول في تحالفات تبدو معقدة.

ويتجه ميرتس نحو محادثات ائتلافية من المرجح أن تستغرق وقتاً طويلاً دون وجود طرف قوي في المفاوضات، ورغم من أن تكتل المحافظين برز باعتباره التكتل الأكبر، فقد سجل ثاني أسوأ نتائجه في حقبة ما بعد الحرب، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ميرتس سيحتاج إلى شريك واحد أو اثنين لتشكيل الأغلبية، إذ لا يزال مصير الأحزاب الأصغر حجماً مجهولاً، وهو ما قد يؤدي إلى خلط الحسابات البرلمانية.

ومن المرجح أن يكون الائتلاف الثلاثي أكثر صعوبة فيما يتعلق بالإدارة، مما يعوق قدرة ألمانيا على إظهار قيادة واضحة، وقد تؤدي محادثات مستفيضة بشأن تشكيل ائتلاف حكومي إلى تولي شولتز تصريف الأعمال لشهور، مما سيؤخر سياسات تشتد الحاجة إليها لإنعاش الاقتصاد الألماني بعد تسجيله انكماشاً لعامين متتاليين ومع تكبد الشركات صعاباً في مواجهة منافسين دوليين.

ومن شأن بقاء السلطة في أيدي حكومة تصريف أعمال لشهور أن يخلق فراغاً قيادياً في قلب القارة، بينما تواجه مجموعة من التحديات، مثل تهديدات ترمب بإشعال حرب تجارية ومحاولاته التعجيل باتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا دون تدخل أوروبي. 

"رفض قاطع لائتلاف مع الخضر"

كما أكد زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي  البافاري، ماركوس زودر، رفضه القاطع للدخول في أي ائتلاف مع حزب "الخضر" بعد انتخابات البرلمان الألماني.

وفي تصريحات للقناة الثانية بالتلفزيون الألماني "ZDF"، قال مرشح حزب "الخضر" لمنصب المستشار، روبرت هابيك، الأحد:" بالطبع نحن مستعدون لذلك.. نحن مستعدون دائما لتحمل المسؤولية."

وأضاف هابيك، الذي يشغل حالياً منصب وزير الاقتصاد ونائب شولتز، أن قرار إشراك "الخضر" في تشكيل الحكومة متروك لميرتس، "لكنني بصراحة لا أتوقع هذا"، مشيراً إلى أن الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري أعرب مراراً عن رفضه للتعاون مع حزب الخضر.

وقال هابيك: "لا أعتقد أن ميرتس يمكنه أن يفرض هذا عليهم".

التحالف مع اليمين المتطرف

ويواجه ميرتس جبلاً من المشكلات، ليس أقلها مخاوف بعض ناخبيه من خطط خفية للتحالف مجدداً مع اليمين المتطرف، بعدما اعتمد قبل 3 أسابيع على أصوات حزب "البديل" المتطرف، لتمرير توصية تشدد إجراءات الهجرة. 

كما كرر ميرتس منذ خطوته تلك وعده 26 مرّة بعدم التعاون مع اليمين المتطرف مجدداً، فقد خرج أكثر من مليون متظاهر ألماني للتنديد بأي تعاون قد تقوم به الأحزاب الديمقراطية مع حزب "البديل". وانعكس ذلك بصعود مفاجئ وغير متوقع لأصوات اليسار (9% تقريباً).

في المقابل، قالت زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" (اليميني المتطرف)، أليس فايدل،  أمام حشد من المؤيدين: "لا تزال أيادينا ممدودة لتشكيل حكومة"، ورغم ذلك لا يزال من المرجح أن تظل المجموعة خارج السلطة، حيث استبعدت جميع الأحزاب الأخرى تشكيل ائتلاف مع الحزب القومي.

مع ذلك، استطاع حزب "البديل" الحصول على نسبة 20% من الأصوات، وهو ما عدّته صحيفة "تسايت" أنه للمرة الأولى في تاريخ ألمانيا الاتحادية "يصبح أعداء الديمقراطية القوة الثانية في البرلمان"، وفق تعبيرها.

وبات الكثير يخشون من أن اليمين المتطرف قد يفوز في الدورة الانتخابية القادمة بعد 4 سنوات، وعليهم العمل منذ الآن على عدم حصول ذلك.

"نقطة تحوّل حاسمة"

البروفيسور مارسيل فراتزشر، رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني DIW، قال لـ"الشرق" إن هذه الانتخابات تُعَدّ نقطة تحوّل حاسمة "فقد يجعل الانقسام السياسي في البلاد، من تشكيل ائتلاف ثنائي أمراً شبه مستحيل، فيما قد يُشكّل تكرار التجربة السابقة، بإقامة حكومة ائتلافية تفتقر إلى الفعالية والمرونة، مخاطرة كبيرة".

ويرى فراتزشر أنه رغم من فوز حزب الاتحاد الديمقراطي، إلّا أن أداءه ظهر ضعيفاً بصورة لافتة. وأضاف: "حتى لو تشكّل ائتلاف ثنائي، فقد يجد صعوبة في تحديد نهج سياسي واضح".

ومن المرجّح أن تصبح الإصلاحات الضرورية التي تتطلبها البلاد مستعصية إلى حد كبير، ما سيُفاقم الاستقطاب المجتمعي، ويُعزِّز تنامي نفوذ حزب "البديل من أجل ألمانيا".

ويبدو أن ميرتس يواجه تحديات هائلة، فهو قليل الخبرة في الحكم، فلم يشغل سابقاً حتى منصب وزير. وهو مُطالَب الآن بأن يكون حكيماً وقوياً، فضلاً عن أن يكون قائداً له كاريزما، والأهم بعد واقعة اعتماده على أصوات حزب "البديل" لتمرير التوصية بشأن تشديد إجراءات الهجرة في البرلمان، أن "يكون موثوقاً على النحو الذي يتوقعه الشخص الألماني المحافظ".

وقالت صحيفة "تسايت" إن ميرتس لا يبدو "ميؤوساً منه تماماً، فمَنْ أتيح له النقاش معه بهدوء لبضع ساعات بعيداً عن ساحات الخطابات والمهرجانات الانتخابية، يجد شخصيةً أخرى لميرتس: سياسي مخضرم، كفؤ وذكي، قليل الانفعال، ومقنعٍ بأسلوبٍ مدرسي قديم، وهو مدرك لمسؤولياته".

وابتداءً من اليوم، يدخل فريدريش ميرتس مرحلة مواجهة التحديات، شاء أم أبى ولكي ينجح، يحتاج إلى احترام ودعم الديمقراطيين جميعاً.

ويعتقد فراتزشر أنه ينبغي على الشركاء المحتملين في الائتلاف، وضع خلافاتهم جانباً، والشروع فوراً في صياغة اتفاق الائتلاف، ففي عالمٍ تزداد فيه الأزمات اشتعالاً، يجب على ألمانيا أن تتخلّص من حالة الشلل السياسي والاقتصادي، بحسب تعبيره.

تصنيفات

قصص قد تهمك