أخذ صراع التفوق بين الصين والولايات المتحدة بعداً جديداً، إثر اقتراب الصين من كسر الاحتكار الأميركي في الفضاء.
وبينما يبقى التنافس مفتوحاً بين واشنطن وبكين على التفوق الاقتصادي والتكنلوجي والجيوسياسي والأيديولوجي في الأرض، أصبح الفضاء ساحة حاسمة في الصراع بينهما، وفقاً لشبكة "سي إن إن" الأميركية.
ولفتت "سي إن إن" إلى أن أهمية الفضاء في حسم صراع التفوق تكمن في طبيعة استخداماته المزدوجة، إذ لا يوفّر التفوق الفضائي المكانة العلمية في العالم فقط، بل يمنح أيضاً تفوقاً دفاعياً.
وتوفر الأقمار الصناعية خدمات الإنترنت والهاتف المحمول، وأخرى استطلاعية تمكن من بناء معلومات استخباراتية، وجمعها عبر الإشارات وتوفير معلومات عن مواقع قوة العدو، بالإضافة إلى قدرتها تنبيه الجيش إلى إطلاق القذائف الحربية والصواريخ.
وظلت الولايات المتحدة تحتكر الريادة في الفضاء منذ زوال برنامج فضاء الاتحاد السوفيتي. لكن في السنوات الأخيرة، حذر المراقبون والسياسيون الأميركيون من أن استمرار تطور القدرات الفضائية الصينية بات يهدد الهمينة الأميركية.
إنجازات الصين تقلق واشنطن
وقالت الشبكة الأميركية إن "قلق واشنطن تعمّق أكثر في العامين الماضيين مع تزايد الإنجازات الصينية المهمة والبارزة. وفي عام 2019 ، نجحت الصين في إيصال المسبار القمري "تشانغ أه-4" إلى الجانب المظلم من القمر".
وأصبحت الصين بذلك أول دولة تنجح في الهبوط على هذا الجانب السحيق من القمر، إذ حطت كل المسبارات والمركبات الاستكشافية، في السابق على سطح القمر الأقرب إلى الأرض والذي يطل عليها دائماً.
والعام الماضي، نجحت الصين في إطلاق القمر الصناعي الخامس والثلاثين والأخير لنظام الملاحة وتحديد المواقع "بيدو" (BeiDou)، لتكون الصين قد أكملت تغطية هذا النظام لكامل الكرة الأرضية. وبذلك، باتت مستقلة تماماً عن أنظمة مماثلة كـ"جي. بي. إس" الأميركي أو "غاليليو" الأوروبي.
وفي مايو الماضي، نجحت الصين في إنزال الروبوت المسيّر "تشورونغ" على سطح المريخ في مهمة دقيقة، لتصبح بذلك ثاني دول العالم، بعد الولايات المتحدة، التي تحقق هذا الإنجاز.
ويعتبر الهبوط على الكوكب الأحمر "أمراً معقداً"، إذ أخفقت مهمات أوروبية وسوفيتية وأميركية عدة في تحقيقه في الماضي. وكانت الصين حاولت إرسال مسبار إلى المريخ في 2011 خلال مهمة مشتركة مع روسيا، لكن المحاولة توقفت، وقررت بكين بعد ذلك مواصلة المغامرة وحدها.
وجاء هبوط المسبار الصيني على سطح المريخ بعد أشهر من الروبوت الجوال "بيرسيفيرانس" التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، الذي سبقه إلى الكوكب الأحمر في 18 فبراير الماضي، في مهمة لإيجاد آثار حياة سابقة.
"تهاون أميركي"
دفع نزول الروبوت الصيني "تشورونغ" على المريخ مدير "ناسا" الجديد، بيل نيلسون إلى التحذير من "التهاون الأميركي في مواجهة طموحات الصين الفضائية"، وفقاً لشبكة "سي إن إن".
وعرض نيلسون صورة التقطها الروبوت الصيني خلال جلسة استماع في مجلس النواب الأميركي، في مايو الماضي، ليقر بأن الصين "منافس شرس للولايات المتحدة في الفضاء"، وضغط على الكونغرس لتمويل خطط "ناسا" لإرسال البشر إلى القمر.
وقال نيلسون، إن الصين تستعد لإرسال 3 روبوتات استكشافية كبيرة إلى القطب الجنوبي للقمر، بينما سيكون الروبوت الأميركي الذي سترسله "ناسا" خلال عامين إلى هناك أصغر حجماً.
وأضاف: "الصين تعتزم إرسال أشخاص ليهبطوا على سطح القمر قريباً، وهذا يخبرنا أنه يجب علينا البدء في العمل لتنشيط برنامجنا لإرسال البشر إلى هناك. نحن أدركنا فجأة أننا لسنا الوحيدين المهيمنين في كل هذه المجالات، والصين منافس شرس للغاية أيضاً".
وتستثمر بكين مليارات الدولارات، لتلحق بالقوى العظمى في هذا المجال، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وتعمل لتتجاوزها على صعيد الاستكشاف والبحث وإطلاق الأقمار الصناعية.
وأرسلت الصين في 2003، أول مواطن صيني إلى الفضاء هو يانغ ليووي، ودار يانغ 14 مرة حول الأرض في غضون 21 ساعة، كذلك تتولى الصين إطلاق أقمار صناعية لنفسها ولحساب دول أخرى.
وتعتزم الصين تجميع محطة للفضاء قبل 2022، وستصبح بذلك ثالث بلد في العالم يبني بوسائله الخاصة محطة بعد الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، وتأمل كذلك في إرسال رحلات مأهولة إلى القمر في غضون نحو 10 سنوات.
محطة الفضاء الصينية
في الأسبوع الماضي، دخلت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في الفضاء مرحلة جديدة عندما نجحت الصين في إرسال 3 رواد إلى محطتها الفضائية "تيانغونغ"، في أول مهمة مأهولة تقوم بها الصين منذ 5 سنوات.
وأطلقت بكين العنصر الأول من مكوّنات محطة "تيانغونغ" نهاية أبريل الماضي، ويستلزم إنجاز بناء المحطة إطلاق الصين نحو 10 بعثات، بعضها مأهول. ولم يعلن بعد عن أي جدول زمني محدد في هذا الشأن.
وكانت محطة الفضاء الدولية، التي تديرها الولايات المتحدة بتعاون مع روسيا وأوروبا واليابان وكندا، هي الوحيدة من نوعها في المدار طيلة الـ23 سنة الماضية.
وقررت الصين بناء محطتها الفضائية الخاصة، بعد رفض الولايات المتّحدة السماح لها بالمشاركة في بناء المحطة الفضائية الدولية عام 2011، بسبب مخاوف متعلقة بالتجسس.
لكن من المقرر أن تخرج محطة الفضاء الدولية من الخدمة في 2024، في وقت لم تتوصل الولايات المتحدة بعد إلى اتفاق مع شركائها بشأن تمديد خدمتها.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تمديد عمر المحطة الدولية حتى 2028. لكن في حال فشل مساعيها، فإن محطة "تيانغزنغ" الصينية ستصبح القاعدة المأهلوة الوحيدة في الفضاء، وفقاً لشبكة "سي إن إن".
"تحالفات الفضاء"
قالت شبكة "سي إن إن"، إنه على الرغم من أن محطة الفضاء الدولية تأسست بتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في أعقاب نهاية الحرب الباردة، فإن اقتراب الصين من كسر الهيمنة الأميركية على الفضاء قد يأتي بحرب باردة جديدة، لكن هذه المرة في الفضاء.
وأشارت "سي إن إن" إلى بوادر تشكل تحالف جديد في الفضاء تقوده روسيا مع الصين، ضد الولايات المتحدة وحلفائها، مضيفةً أن هذا التحالف في الفضاء سيعكس بشكل متزايد التحالفات الجيوسياسية على الأرض.
وفي بداية يونيو الجاري، حذرت روسيا من الانسحاب من محطة الفضاء الدولية في عام 2025، في حال لم ترفع واشنطن العقوبات المفروضة على قطاع الفضاء، والتي تعرقل إطلاق الأقمار الصناعية الروسية.
وبعد ذلك بأيام، أعلن نائب مدير مركز استكشاف القمر وبرامج الفضاء التابع لإدارة الفضاء الوطنية الصينية، باي تشاويو، أن بكين وموسكو تخططان لإطلاق 6 بعثات، لبناء محطة قمرية دولية.
وقال تشاويو، في تصريحات أوردتها وكالة "تاس" الروسية، إن الصين ستُرسل 3 بعثات خلال المرحلة الأولى (التحضيرية) بين عامي 2021 إلى 2025، هي: "تشانغي 4 و6 و7"، في حين ستطلق روسيا محطة آلية من خلال 3 بعثات هي: "لونا 25 و26 و27".
وتخطط روسيا والصين لاستخدام خبراتهما المشتركة وتقنياتهما العلمية، لإنشاء خريطة طريق لبناء محطة على القمر، إذ يهدف التعاون الثنائي في هذا المجال إلى دراسة سطح القمر، وتنفيذ مشاريع مشتركة في مدار القمر الطبيعي للأرض. ولم تستبعدا كذلك "إطلاق مهام محتملة لشركاء آخرين".
وأكدت الصين أنها ترغب في انضمام رواد فضاء أجانب إلى محطتها الفضائية عند انتهاء تجميعها، وفقاً لـ"سي إن إن".
في غضون ذلك، تقوم الولايات المتحدة ببناء تحالفها الدولي الخاص في الفضاء، إذ أعلنت في مايو 2020 عن اتفاقية التصرف في الفضاء واستصلاح القمر "آرتميس"، التي وقعت عليها 12 دولة، أغلبها دول حليفة لواشنطن، من قبيل بريطانيا وأستراليا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية. لكن الصين وروسيا لم توقعا الاتفاقية.