اغتيال كينيدي وكشف الأسرار.. هل ساهمت CIA في ظهور "الدولة العميقة"؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
لي هارفي أوزوالد المتهم باغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي في صورة نشرت في 22 نوفمبر 1963 - reuters
لي هارفي أوزوالد المتهم باغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي في صورة نشرت في 22 نوفمبر 1963 - reuters
دبي-الشرق

في أعقاب اغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي في عام 1963، أثار التستر الذي مارسته وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بشأن تفاصيل الحادث، تساؤلات حول دور الحكومة الأميركية في تلك الجريمة، وفتح الباب لظهور ما يُعرف بـ"الدولة العميقة"، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وكشفت الوثائق التي تم الإفراج عنها مؤخراً بشأن الحادث عن محاولات الوكالة إخفاء أنشطتها، بما في ذلك تعاونها مع المافيا وتورطها في عمليات سرية ضد كوبا، ما دفع البعض للاعتقاد بوجود مؤامرة داخل الحكومة للاستيلاء على السلطة.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن هذه التكهنات تستمر في التأثير على الرأي العام الأميركي حتى اليوم، حيث ارتبطت فكرة "الدولة العميقة" بالعديد من الأحداث السياسية اللاحقة، بما في ذلك فترة رئاسة دونالد ترمب.

ووفقاً لوثيقة حديثة تم الإفراج عنها من قِبَل الوكالة، فإنه في اليوم التالي لإطلاق لي هارفي أوزوالد، النار على كينيدي في دالاس عام 1963، ذهب أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI إلى والدة أوزوالد ومعه صورة مقطوعة لرجل، معتقداً أنه ابنها أو أحد مساعديه، وقال لها إنه "حصل عليها (الصورة) من وكالة الاستخبارات المركزية".

وذكرت الصحيفة أنه من خلال القيام بذلك، تجاهل العميل الطلب الوحيد الذي تقدمت به CIA، وهو إبقاء اسمها بعيداً عن القضية، وساهم في كشف عقود من الأسرار وعمليات التستر التي لا تزال تُكشف حتى يومنا هذا.

إخفاء CIA معلومات سرية

كما كشفت الوثائق، المكونة من 82 ألف و864 صفحة، وأفرجت عنها إدارة ترمب هذا الأسبوع، والمتعلقة باغتيال كينيدي، عن مدى محاولات وكالة الاستخبارات المركزية إخفاء ما كانت تعرفه منذ يوم اغتياله، وكيف أدَّت جهودها إلى إثارة شكوك خطيرة حول الوكالة وطبيعة عمل الحكومة الأميركية.

ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أنه مع ارتفاع موجات الهستيريا التي اجتاحت البلاد في أعقاب اغتيال كينيدي، باتت الصورة التي تم عرضها على والدة أوزوالد تأخذ منحى خاصاً، إذ تساءل الناس في ذلك الوقت عن سبب مراقبة وكالة الاستخبارات المركزية للمتهم باغتيال كينيدي قبل أشهر من العملية.

ومع تقدم التحقيقات، قدَّم مسؤولو CIA روايات متباينة للغاية عن تلك الصورة، ما دفع جزءاً من الجمهور إلى التفكير في فكرة كانت تُعتبر سابقاً من المُحرمات في الولايات المتحدة مفادها: "ماذا لو كانت بعض عناصر الحكومة نفسها قد تآمرت للاستيلاء على السلطة؟".

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية قد صوّرت أوزوالد في مكسيكو سيتي قبل شهرين من الاغتيال، أثناء محاولته الحصول على تأشيرات من الكوبيين والروس.

ونوهت الصحيفة إلى أنه من خلال اتباع وكالة CIA سياسة النأي بالنفس عن الصورة، كانت تحاول حماية نطاق مراقبتها الواسع للبعثات الدبلوماسية السوفيتية والكوبية في مكسيكو سيتي.

وأضافت أن أساليب المراقبة في ذلك الوقت شملت "ميكروفوناً تم تثبيته في ساق طاولة قهوة في مكتب السفير الكوبي، وستة منازل كانت تُستخدم لمراقبة مداخل السفارات المستهدفة، وشاحنتين متنقلتين للمراقبة بالتصوير، وثلاثة عملاء مُدرَّبين على المراقبة بالتصوير سيراً على الأقدام".

وفي العقود التالية، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية مراراً إخفاء حقائق أكثر قتامة عن المحققين في جريمة اغتيال كينيدي حول كيفية عملها في الخارج، بما في ذلك ممارستها للإرهاب ضد الأعداء، واستخدامها لعناصر من المافيا، ومحاولاتها التلاعب بالانتخابات الأجنبية، بحسب الصحيفة.

إلا أن الحقائق أكدت الاعتقاد الذي كان هامشياً في السابق حول وجود "مؤامرة سرية" في واشنطن، وقد تحوّل هذا الاعتقاد إلى فكرة جذابة، لدرجة أنها أصبحت الركيزة الأساسية للرئاسة الأميركية بعد 60 عاماً (بعد وصول ترمب إلى السلطة)".

ونقلت الصحيفة عن ستيفن جيلون، أحد مؤرخي فترة رئاسة كينيدي، قوله إن "اغتيال كينيدي والمؤامرة التي نشأت عنه هما أساس ما يُطلق عليه الناس الآن (الدولة العميقة)".

ومن بين أبرز الروايات التي قدمها ترمب منذ فترة ولايته الأولى هي أنه كانت هناك مؤامرة من عملاء الاستخبارات والبيروقراطيين والعاملين في مجال الإعلام لانتزاع إرادة الناخبين وإفشاله، بما في ذلك عن طريق إثارة دعاوى قضائية كاذبة.

وبعد ثلاثة أيام من توليه منصبه في يناير الماضي، أمر ترمب بالإفراج عن الوثائق المتبقية المتعلقة باغتيال كينيدي، وكتب في أمره التنفيذي: "لقد مرّ 60 عاماً، وحان الوقت ليعرف الشعب الأميركي الحقيقة".

الدولة العميقة

أظهرت الوثائق الأخيرة، التي تتألف في معظمها من نصوص مطبوعة باهتة وبعض الملاحظات المكتوبة بخط اليد، عن سلوك وكالة الاستخبارات المركزية في السنوات التي سبقت جريمة الاغتيال، وتلك التي تلت ذلك مباشرة، ما يبرز مدى اتساع نطاق عملياتها.

وبيَّنت إحدى الوثائق أن الوكالة وضعت "مادة كيميائية ملوثة في سكر كوبي كان متجهاً إلى الاتحاد السوفيتي"، كما أظهرت وثيقة أخرى أن عملاء CIA اتفقوا، بمساعدة المافيا الأميركية، على محاولة اغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو مقابل 100 ألف دولار، فضلاً عن دفع 20 ألف دولار لكل عملية اغتيال تستهدف شقيقه، راؤول كاسترو، وتشي جيفارا، المناضل الشيوعي الشهير.

وشملت وثيقة ثالثة، نُشرت هذا الأسبوع، مذكرة من مساعد كينيدي، آرثر شليزنجر الابن، موجهة إلى رئيسه، كان يحذره فيها من أن عملاء الاستخبارات باتوا يزدادون نفوذاً، ففي حين كان لدى الولايات المتحدة 3700 دبلوماسي في الخارج، كان لدى CIA أيضاً نحو 1500 ضابط يتظاهرون بالعمل تحت غطاء وزارة الخارجية في ذلك الوقت، وكتب شليزنجر في المذكرة: "تمتلك وكالة الاستخبارات المركزية الآن العديد من سمات الدولة داخل الدولة".

وكانت صورة وكالة الاستخبارات المركزية التي عُرضت على والدة أوزوالد قد أدت إلى الكشف العلني عن عمليات مراقبة أخرى أجرتها CIA للتواصل بين المتهم ومسؤولين كوبيين في مكسيكو سيتي، وهو ما أدى إلى مزيد من التساؤلات حول عمليات الوكالة ضد كوبا.

وكان كاسترو قد حذّر قبل شهرين فقط من حادث الاغتيال من أنه إذا حاولت الولايات المتحدة "اغتيال القادة الكوبيين، فإنهم لن يكونوا في أمان".

وفي وقت لاحق، كشفت وكالة الاستخبارات المركزية عن تورطها فيما وصفته بـ"عملية تستُر حميدة" لإخفاء جهودها لإسقاط الحكومة الكوبية عن المحققين في قضية اغتيال كينيدي.

وصرَّح مسؤولو الوكالة آنذاك، بأن CIA أرادت توجيه المحققين نحو "الحقيقة الصادقة" وهي أن أوزوالد كان يعمل بمفرده دون أي دعم أجنبي، إذ كان مسؤولو الوكالة يخشون من أن الإعلان عن أنشطتها بصراحة قد يقود المحققين إلى الاستنتاج بأن "كاسترو هو مَن اغتال كينيدي بدافع الانتقام، ما قد يتسبب في إشعال صراع كارثي مع الاتحاد السوفيتي".

وبحلول ثمانينيات القرن الماضي، أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الأميركيين كانوا يعتقدون أن واشنطن كان لها دور في اغتيال كينيدي، وفقاً لجيلون.

ووفقاً للصحيفة، فإن إحدى أكثر النظريات شيوعاً في تلك الفترة كانت تعكس صورة مظلمة للأعمال الأميركية في كوبا، إذ تمثلت في أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تعمل بالتنسيق مع مقاولي الدفاع والجماعات المناهضة لكاسترو وأفراد المافيا لاغتيال كينيدي.

فيلم JFK

وقد ظهر هذا الاعتقاد في فيلم JFK لأوليفر ستون عام 1991، الذي يقول البطل فيه إن "الرئيس كينيدي اغتيل بمؤامرة مُخطط لها مسبقاً على أعلى مستويات حكومتنا"، مشيراً في أحد المشاهد إلى أن الدليل مُخبأ في الملفات السرية للحكومة، قائلاً: "كل هذه الوثائق ملك لكم، هي ملك للشعب، أنتم مَن تدفعون ثمنها".

وفي نهاية الفيلم، يظهر نَص يدعو المشاهدين للتواصل مع ممثليهم في الكونجرس للمطالبة بالإفراج عن الوثائق، وقد فعل الكثيرون منهم ذلك بالفعل.

وفي العام التالي، أقر الكونجرس قانون سجلات كينيدي الذي يُلزم الجهات المعنية بنشر الوثائق المتعلقة بالاغتيال بحلول عام 2017، وخلال العقود التي تلت ذلك، جادلت وكالة الاستخبارات المركزية مراراً بأن بعض عمليات النشر هذه قد تضر بعملياتها.

ومع نشر الوثائق التي خضعت لتعديلات واسعة، بدا أنها تؤكد شكوك الجمهور بأن الحكومة لا تزال تخفي شيئاً ما عن اغتيال الرئيس الأميركي السابق.

وبحلول عام 2017، كان ترمب في فترة ولايته الأولى، وكان حينها غارقاً في الاتهامات من مجتمع الاستخبارات بأن حملته الانتخابية حصلت على مساعدة من روسيا، وبدأت مزاعمه بأن "الدولة العميقة تحاول تقويضه" في التداخل مع النظريات المتعلقة باغتيال كينيدي.

وقال جيرالد بوسنر، مؤلف كتاب "القضية مغلقة"، الذي يتحدث عن نظريات المؤامرة المرتبطة باغتيال كينيدي، إن ترويج ترمب لفكرة "الدولة العميقة" قد حوَّل كثير من الأشخاص من اليمين إلى الاعتقاد بأن الحكومة لعبت دوراً في اغتيال الرئيس السابق.

وأضاف أن "من البديهي أن ما حدث لترمب هو عملية من تدبير الدولة العميقة، فهذا هو ما تفعله الدولة العميقة.. إنها تقضي على الرؤساء الذين لا يروقون لها وتقوم بتدميرهم".

تصنيفات

قصص قد تهمك