
وافقت جامعة كولومبيا الأميركية على إصلاح سياستها الاحتجاجية وممارساتها الأمنية في خطوة اعتبرها أكاديميون وأساتذة بمثابة "استسلام" لإدارة الرئيس دونالد ترمب "المتعنتة"، بعد تهديد الصرح العلمي بخسارة 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي، فيما احتفى آخرون بالقرار باعتباره "إعادة ضبط" مستحقة، حسبما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".
وجاء في رسالة قدمها مجلس أمناء جامعة كولومبيا لأعضاء الهيئة، أنه استخدم المحادثات مع الحكومة لتقديم خطط للتغيير، كما أصرّ المجلس على أنه "يدعم نهج الرئيسة المؤقتة للجامعة الدكتورة كاترينا أرمسترونج وبحماية المبادئ الأساسية لجامعة كولومبيا، وهي التميّز الأكاديمي، والبحث المفتوح، وحرية التعبير الراسخة".
ولم يتطرق مجلس إدارة جامعة كولومبيا إلى التمويل في رسالته، بل أكد على مسؤوليته في معالجة المخاوف بشأن "معاداة السامية والتمييز والمضايقة والتحيز"، وأنه "ملتزم بتهيئة بيئة أفضل في الحرم الجامعي".
وكانت الرسالة بمثابة محاولة افتتاحية في المفاوضات الجارية مع الحكومة الفيدرالية للسماح بتدفق مبلغ 400 مليون دولار مرة أخرى، لكن إدارة ترمب لم تُعلن علناً عن التنازلات الأخرى التي قد تطلبها من جامعة كولومبيا أو عشرات الجامعات الأخرى، مثل هاواي هارفارد، والتي بدأت التدقيق فيهما منذ تولي الرئيس السلطة في 20 يناير.
واستجابةً لمطالب الإدارة الأميركية، تعهدت جامعة كولومبيا، وهي جامعة خاصة ذات تاريخ حافل بالنشاط داخل الحرم الجامعي، باعتماد تعريف رسمي لمصطلح "معاداة السامية"، وتوظيف قوة أمن داخلي مخولة بإجراء اعتقالات، ووضع قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا في الجامعة تحت إشراف نائب رئيس أول.
ويُنظر على نطاق واسع إلى تنازل جامعة كولومبيا لمجموعة من مطالب الحكومة على أنه نقطة تحول في علاقات واشنطن مع الجامعات في البلاد، إذ أرسلت الحكومة لاحقاً رسالة مطالب شبهها قادة جامعات أخرى بـ"مذكرة فدية"، خاصةً لأنها هددت فعلياً بتجميد التمويل بشكل دائم بغض النظر عن رد الجامعة الأولي.
في الإطار، قال كريستوفر روفو، الناشط والزميل البارز بمعهد "مانهاتن" المحافظ: "جامعة كولومبيا تنهار، وستحذو الجامعات الأخرى حذوها".
وأضاف روفو، المقرب من إدارة ترمب والذي ساهم في تحويل المعارك ضد التنوع والمساواة إلى صرخة حشد للمحافظين: "يجب عليهم استعادة السعي وراء الحقيقة، بدلاً من النشاط الأيديولوجي، كأسمى مهامهم. هذه ليست سوى البداية".
وجاءت تعليقات روفو في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" نُشرت في ذات اليوم الذي هاجمت فيه إدارة ترمب دفتر شيكات جامعة كولومبيا، قائلةً إن الجامعة "لم تحمِ الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من العنف والمضايقات المعادية للسامية".
"تدخل في الحريات الأكاديمية"
وستظهر العواقب فوراً في حرم جامعة كولومبيا، حيث سيحصل بعض أفراد الأمن قريباً على صلاحيات اعتقال، ومن المتوقع أن يواجه قسم أكاديمي خضع لتدقيقٍ من المحافظين، إذ يخشى الكثيرون أن تكون جامعة كولومبيا بمثابة اختبار تجريبي ووسيلة لقياس رد الفعل العام، وتقييم احتمالات المعارضة القانونية، ووضع سابقة قانونية.
وقالت سينثيا نيكسون، المرشحة الديمقراطية السابقة لمنصب حاكم نيويورك، إن جامعة كولومبيا "تخلت عن الدستور"، فيما وصف تود وولفسون، رئيس الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات، وهي منظمة وطنية تدافع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس، هذه الخطوة بأنها "أكبر تدخل في الحريات الأكاديمية وحرية التعبير" منذ الحملة التي شنها السيناتور جوزيف مكارثي ضد الشيوعية في خمسينيات القرن الـ20.
بدوره، صرح ليو تيريل، وهو محامٍ بارز بوزارة العدل وعضو في فريق عمل فيدرالي لمكافحة "معاداة السامية"، في مقابلة إذاعية الخميس، بأن إدارة ترمب "عازمة على القضاء على معاداة السامية" في الجامعات.
وشهدت العديد من الجامعات، بما فيها كولومبيا، احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين خلال الربيع الماضي، بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، ودخلت في نقاشات لاحقة بشأن معنى "معاداة السامية".
وقال تيريل: "سأخبركم الآن أن جامعة كولومبيا، برأيي ورأي وزارة العدل، لم تُحسن سلوكها. إنهم ليسوا قريبين حتى من رفع التجميد عن تلك الأموال".
ولم ترد وزارة التعليم، على طلب للتعليق، بما في ذلك على أسئلة عن إمكانية استعادة التمويل، لكن لجنة التعليم والقوى العاملة في مجلس النواب، التي يقودها الجمهوريون، أعلنت على وسائل التواصل الاجتماعي "استسلام كولومبيا".
في المقابل، قال كريستوفر آيزجروبر، رئيس جامعة "برينستون"، لبرنامج "بي بي إس نيوز آور": "الحرية الأكاديمية مبدأ أساسي في الجامعات يجب حمايتها، ولذلك لدي مخاوف من تقديم الجامعات تنازلات في هذا الشأن، وأعتقد أنه بمجرد تقديم تنازلات مرة، يصعب عدم تقديمها مرة أخرى".
وأضاف آيزجروبر، رئيس مجلس إدارة رابطة الجامعات الأميركية، وهي مجموعة مؤثرة من الجامعات المرموقة، إنه لا يُشكك في أداء جامعة كولومبيا، ومع ذلك، فقد أشار هو وآخرون في الأوساط الأكاديمية إلى أن الحكومة "تتمتع بمكانة جيدة تُمكّنها من الضغط على الجامعات الكبرى التي تُقدم برامج بحثية واسعة النطاق".
"انتهاك الدستور"
وجادلت مجموعة من أساتذة القانون بجامعة كولومبيا في مقال نُشر على نطاق واسع نهاية الأسبوع الماضي، بأن إدارة ترمب "انتهكت قانون الحقوق المدنية الفيدرالي والدستور".
واستعدت الأوساط الأكاديمية لحملة ضغط من ترمب بعد انتخابه في نوفمبر بفترة وجيزة، لكن تكتيكات واشنطن ضد جامعة كولومبيا خلال الشهر الماضي هزت قادة الجامعات من جميع أنحاء البلاد.
وبدا أن الإدارة قد طرحت قضية اختبار أخرى، إذ أعلنت الأربعاء، أنها ستحجب حوالي 175 مليون دولار عن جامعة بنسلفانيا؛ بسبب سماح الجامعة لامرأة متحولة جنسياً بالانضمام إلى فريق السباحة النسائي في عام 2022.
حتى قبل رد كولومبيا، انتشرت شائعات واسعة النطاق داخل الجامعات في جميع أنحاء البلاد وبين الخريجين مفادها أن جامعة أو أخرى ستكون التالية التي تستهدفها الحكومة.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، كانت الحكومة المورد الرئيسي لتمويل الأبحاث، وقد يُؤدي تخفيض أو إلغاء هذه الأموال إلى شلل العديد من الجامعات.
وسعت الإدارة الأميركية بالفعل، دون جدوى حتى الآن، إلى الحد من أحد مصادر التمويل، ما قد يُكلف الجامعات التي تُجري أبحاثاً علمية رئيسية ما لا يقل عن 100 مليون دولار سنوياً لكل منها.