
تدرس القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية خططاً لشن حملة برية جديدة في قطاع غزة، قد تشمل احتلالًا عسكرياً كاملاً للقطاع لعدة أشهر أو أكثر، وفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين وأشخاص مطلعين، قولهم إنه "من المرجح أن تشمل التكتيكات الجديدة الأكثر عدوانية السيطرة العسكرية المباشرة على المساعدات الإنسانية، واستهداف المزيد من قيادات حماس المدنية، وإجلاء النساء والأطفال والمدنيين غير المقاتلين الذين تم التحقق منهم إلى 'مناطق إنسانية'، ثم فرض حصار على من تبقى، في تكتيك أكثر شدة، مما تم استخدامه العام الماضي في شمال غزة".
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم لا يزالون بانتظار نتائج محادثات وقف إطلاق النار الجارية، وإنه لم تُتخذ أي قرارات بعد بشأن ما إذا كان سيتم تصعيد المرحلة الحالية من الهجوم، والتي تركزت حتى الآن في الغالب على القصف الجوي، إضافة إلى توغل بري وصفته إسرائيل بأنه "محدود".
لكن إذا نُفذت هذه التكتيكات المتشددة، فسيشكل ذلك تصعيداً لعملية عسكرية مستمرة منذ 17 شهراً، قتلت أكثر من 50 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
وقالت "واشنطن بوست" إن تنفيذ هذه التكتيكات سيمثل تحولاً كبيراً بالنسبة للجيش الإسرائيلي، الذي خشي قادته السابقون التورط في قطاع غزة.
خمس فرق عسكرية
ويقول مطلعون على التخطيط إن غزواً واسع النطاق واحتلالاً كاملاً للقطاع سيتطلبان نشر ما يصل إلى خمس فرق عسكرية، مما قد يضع الجيش الإسرائيلي تحت ضغط كبير، خاصة في ظل تزايد تشكك قوات الاحتياط في خوض حرب مفتوحة الأمد.
لكن بعض المسؤولين يرون أن شن غزو شامل، تتبعه حملة طويلة لـ"مكافحة التمرد"، على حد وصفهم، هو السبيل الوحيد لتحقيق الهدف الذي أعلنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقضاء على حماس، حسبما ذكرت "واشنطن بوست".
"ترمب خفف القيود"
وقال أمير آفيفي، نائب قائد سابق في فرقة غزة بالجيش الإسرائيلي، للصحيفة إن الحملة العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي العام الماضي "كانت مقيدة بالخلافات بين القادة السياسيين والعسكريين حول التكتيكات والاستراتيجية"، إضافة إلى مخاوف إدارة الرئيس الأميركي حينها جو بايدن، بشأن الأضرار التي تلحق بالمدنيين الفلسطينيين.
ويرى أفيفي أن وصول إدارة دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة، إلى جانب التغييرات في المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية، "خففا من تلك القيود".
وقال آفيفي: "هناك الآن قيادة جديدة (للجيش الإسرائيلي)، ولدينا دعم من الولايات المتحدة، وهناك حقيقة أن لدينا ما يكفي من الذخائر، وأنهينا مهامنا الرئيسية في الشمال، ونستطيع التركيز على غزة".
وأضاف: "الخطط حاسمة. سيكون هناك هجوم شامل، ولن نتوقف حتى يتم القضاء على حماس بالكامل. سنرى ما سيحدث".
ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم لا يزالون على استعداد للتفاوض مع حماس عبر وسطاء قبل إطلاق أي غزو واسع النطاق.
وفجر الثلاثاء الماضي، شنت إسرائيل هجوماً جوياً مكثفاً قتلت إسرائيل فيه أكثر من 400 فلسطيني، كما نفذت غارات محدودة على الأرض. وردت حماس بإطلاق صواريخ على تل أبيب.
ونفى مسؤول إسرائيلي لـ"واشنطن بوست" أن تكون إسرائيل قد خرقت اتفاق وقف إطلاق النار. وقال إن المسؤولين الإسرائيليين قدموا، في اليوم الـ16 من الهدنة، شروطهم للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، لكن "حماس رفضتها"، وفق زعمه.
وزعم المسؤول أن حماس رفضت بعد ذلك مقترحاً قدمه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لتمديد وقف إطلاق النار لمدة 40 يوماً، مقابل الإفراج عن 11 رهينة على قيد الحياة، وعرضت بدلاً من ذلك إطلاق سراح رهينة واحدة تحمل الجنسية الأميركية والإسرائيلية، وهو ما تنفيه حماس.
وأضاف أن إسرائيل قررت حينها استئناف العمليات العسكرية، استناداً إلى بند في اتفاق وقف إطلاق النار يتيح ذلك في حال اعتُبر أن المحادثات قد انهارت.
وقال المسؤول الإسرائيلي، الذي تحدث للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته، إن ذلك المقترح "لا يزال مطروحاً على الطاولة". وأضاف: "لكننا عدنا للتفاوض بوسائل مختلفة: تحت النيران"، وفق قوله.
وكان مصدر مطلع في حركة "حماس" لـ"الشرق" الخميس، إن الاتصالات مع الوسطاء جارية بشكل مكثف لتجاوز الأزمة ووقف الحرب، مشيراً إلى أن الحركة تبحث حالياً اقتراحاً طرحه الوسطاء لوقف الحرب، واستئناف تنفيذ اتفاق وقف النار، كما أكد أن الحركة لم ترفض مقترح ويتكوف.
والأحد، قالت الحركة في بيان إن تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير والتي قال فيها إن بنيامين نتنياهو تبنّى طلبه بالعودة إلى الحرب، "تؤكد انقلاب إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتدحض الاتهامات الأميركية الموجهة للحركة، والتي تحاول تحميلها مسؤولية تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار".
وطالبت الحركة الوسطاء الضامنين والإدارة الأميركية بتحميل حكومة نتنياهو المسؤولية عن انهيار الاتفاق.
وقالت "واشنطن بوست" إن حماس كانت تريد البدء فوراً في فتح محادثات بشأن المرحلة الثانية، والتي تتضمن انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من غزة مقابل إفراجها عن بقية الرهائن الأحياء. وقالت حماس، السبت، إنها لا تزال تدرس مقترح ويتكوف.
وقال ساشا-دومينيك دوف باخمان، الخبير في شؤون الحروب بجامعة كانبيرا، للصحيفة: "إذا نظرنا إلى الفرنسيين في الجزائر، وعملية الحرية للعراق (الأميركية)، والتجربة الأميركية في أفغانستان، فإن تاريخ محاولات مكافحة التمرد يعلمنا أن حتى الإسرائيليين سيفشلون".
لكن مؤيدي شن عملية أكثر كثافة وأطول أمداً في غزة يجادلون بأن الحملة العسكرية التي شُنت العام الماضي لم تسفر إلا عن عودة مقاتلي حماس للظهور من أنفاقهم بزي موحد جديد في يناير، ويرون أن "الظروف السياسية مواتية لزيادة الضغط العسكري والسيطرة على غزة إذا لزم الأمر".