"مخاطرة لا يمكن تحملها".. تقلبات ترمب تدفع حلفاء الناتو لإعادة النظر في الأسلحة الأميركية

قلق بشأن قطع الغيار وتعطيل الأنظمة حال اندلاع حرب مع روسيا.. ومسؤول دنماركي: نادم على شراء F-35

time reading iconدقائق القراءة - 10
مقاتلة أميركية من طراز F-35 في معرض الطيران الدولي (ILA) في شونيفيلد،  برلين، 5 يونيو 2024. - AFP
مقاتلة أميركية من طراز F-35 في معرض الطيران الدولي (ILA) في شونيفيلد، برلين، 5 يونيو 2024. - AFP
دبي -الشرق

يعيد شركاء الولايات المتحدة التقليديين النظر في اعتمادهم على أنظمة التسليح الأميركية، فيما يقلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب السياسة الخارجية للولايات المتحدة رأساً على عقب، عبر التفاوض على إقامة علاقات أوثق مع روسيا، وتهديد حلفائه في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتعليق التعاون مع أوكرانيا، وفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".

وتتزايد الدعوات من كندا إلى أوروبا، لتوجيه الإنفاق الدفاعي المستقبلي بعيداً عن المعدات الأميركية ونحو قطاع الصناعة الدفاعية المحلي، رغم إقرار الكثير بعدم وجود حل سريع، بعد عقود من الاعتماد على الولايات المتحدة.

وقالت الصحيفة إن تعليق الولايات المتحدة الوجيز لشحنات الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، مطلع مارس الجاري، وتهديدات ترمب بضم كندا وجرينلاند، "كشف عن المخاطر المرتبطة بالاعتماد على الولايات المتحدة، وأثار مخاوف بشأن ما إذا كانت واشنطن قد تلجأ إلى تعطيل الطائرات أو إيقاف منصاتها العسكرية، عن بُعد، كوسيلة ضغط، عبر ما يوصف بمفتاح قتل (kill switch)"، في إشارة إلى وسيلة لإغلاق هذه الأنظمة التسليحية.

وقال مسؤولون ومحللون إنه حتى لو كان هذا المفتاح "مجرد خرافة"، فإن الأنظمة الأميركية المتقدمة، مثل الطائرات المقاتلة، تعتمد بشكل كبير على قطع الغيار الأميركية، وتحديثات البرامج، أو مشاركة البيانات، وهو ما يجعل قطع الوصول إليها "أداة لجعل بعض هذه الأسلحة، غير قابل للاستخدام فعلياً". 

ويذكر أن ما يقرب من ثلثي واردات الأسلحة الأوروبية في السنوات الأخيرة جاءت من الولايات المتحدة.

وقال 4 مسؤولين أوروبيين تحدثوا بشرط عدم ذكر أسمائهم بسبب حساسية القضية، إن عدة دول أوروبية أطلقت مراجعات لمعداتها المصنوعة في الولايات المتحدة لتقييم مدى ضعفها في حالة نشوب صراع مع روسيا، إذا قرر ترمب قطع الدعم.

إعادة التفكير في شراء المقاتلات الأميركية

وقالت كندا والبرتغال إنهما تعيدان النظر في طلبات شراء مقاتلات F-35 من شركة لوكهيد مارتن. كما أن الاتحاد الأوروبي يعمل إلى حد كبير على استبعاد الولايات المتحدة من تمويلات القروض الجديدة، في ظل سعي التكتل لتوفير مئات المليارات من اليوروهات لتعزيز دفاعه العسكري خلال السنوات الخمس المقبلة.

وذكرت مصادر رسمية أن كندا تجري محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن خطط لتوسيع التصنيع، في وقت تتضافر فيه جهود أقدم وأقرب حلفاء واشنطن، في محاولة لحماية أنفسهم من قرارات ترمب المتقلبة.

ونظراً لضخامة حجم الصناعة الدفاعية الأميركية، والتي تجعل واشنطن أكبر مصدر للأسلحة في العالم، يقر مسؤولون أوروبيون بأنهم سيستمرون في شراء الأسلحة الأميركية، بينما يعملون على تطوير قدراتهم المتأخرة.

لكن عدم القدرة على التنبؤ بسياسات إدارة ترمب "دفعهم إلى التركيز بشكل أكبر على تحديث ترساناتهم وتطوير صناعاتهم الدفاعية".

وأعلن ترمب الجمعة، أن الطائرة المقاتلة من الجيل التالي F-47، التي ستنتجها شركة بوينج، ستباع للحلفاء بمواصفات مخفضة، قائلاً: "لأنه ربما في يوم من الأيام لن يكونوا حلفاءنا بعد الآن".

وسبق أن امتنعت إدارات أميركية سابقة عن تزويد بعض العملاء العسكريين بالمعدات، لكن نادراً ما اتخذت واشنطن إجراءات مماثلة ضد شركائها في الناتو، باستثناء تركيا التي علقت الإدارة الأميركية خلال ولاية ترمب الأولي مشاركتها في برنامج مقاتلات F-35 بسبب شرائها منظومة دفاع جوي روسية.

"ندم المشتري"

وقالت "واشنطن بوست"، إن صانعي السياسات الأوروبيين يشعرون بالقلق من أن الدعم الأميركي المطلوب لتشغيل الأسلحة المتطورة التي يستخدمونها بالفعل – مثل أنظمة الدفاع الصاروخي وطائرات الإنذار المبكر والطائرات القتالية بدون طيار – قد يتراجع بمرور الوقت.

وتتطلب القواعد المعمول بها في بعض الأنظمة أن يتم تنفيذ الصيانة والتحديثات من قبل مواطنين أميركيين، كما أن المعدات التي تصنعها الشركات الأوروبية، وتحتوي على مكونات أميركية قد تكون خاضعة أيضاً لقيود.

وقال مسؤول أوروبي: "ليس الأمر كما لو أن الرئيس ترمب يمكنه الضغط على زر، فتسقط جميع الطائرات من السماء"، لكنه أضاف: "هناك مسائل نعتمد فيها على الولايات المتحدة، خاصة في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية".

وأشارت الصحيفة إلى أن الوعود الأميركية بأن الأسلحة الأميركية مدعومة ضمنياً بضمانات أميركية "تصبح أكثر صعوبة في الإقناع".

وقال راسموس يارلوف، رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الدنماركي في منشور على منصة "إكس": "كواحد من صناع القرار في صفقة شراء الدنمارك لمقاتلات F-35، أنا أشعر بالندم".

وأضاف أن شراء الأسلحة الأميركية "يمثل مخاطرة أمنية لا يمكننا تحملها"، وتابع: "واشنطن قد تستخدم تهديدات بتعطيل الأسلحة الأميركية في حال رفضت الدنمارك مطالب ترمب، مثل طلبه شراء جرينلاند، ويترك روسيا تهاجمنا حين نرفض وهو ما سنفعله في هذه الحالة".

وقالت "واشنطن بوست"، إنه عندما تم انتخاب ترمب، توقع المسؤولون الأوروبيون المزيد من الضغط لزيادة الإنفاق الدفاعي، واعتقد الكثيرين أن تقديم طلبات لشراء الأسلحة الأميركية سيلبي تلك المطالب، ويمنحه مكاسب تجارية من النوع الذي يفضله.

لكن تقلبات ترمب السياسية، ومقاربته للتعامل مع روسيا، دفعت أوروبا لإعادة النظر في هذا النهج، وبلغت المخاوف ذروتها عندما أوقف ترمب المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، وذلك بعد اجتماعه العاصف مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي في 28 فبراير.

ورغم أن الإدارة الأميركية استأنفت تقديم المساعدات في غضون أيام، لكن ذلك لم يبدد القلق. 

وقال الجنرال المتقاعد بن هودجز، القائد السابق للقوات البرية الأميركية في أوروبا: "هذه هي النقطة الأساسية". وأضاف: "الناس قالوا فوراً، ’انتظر لحظة، هل يعني ذلك أنهم يستطيعون تشغيلها وإيقافها بهذه السهولة؟"

وتابع: "ستفكر الدول فيما إذا كانت عرضة لقرار سياسي أميركي قد يسبب لها حالة من عدم اليقين بشأن قطع الغيار أو أنظمة الاتصال".

ومع موافقة ألمانيا هذا الشهر على خطة إنفاق ضخمة، ظهرت لوحات إعلانية من رابطة صناعات الفضاء الألمانية في محطات السكك الحديدية تحمل شعار: "دفاع مصنوع في ألمانيا. من أجل استقلال ألمانيا".

وفي الوقت الذي تتطلع فيه شركات تصنيع الأسلحة الأوروبية إلى الاستفادة من الأموال الإضافية التي يتم توجيهها نحو الدفاع، دعت هذه الشركات الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الإنفاق على المصنّعين داخل دول الاتحاد.

الاتحاد الأوروبي يسعى لتعزيز استقلاله الدفاعي

وكشف الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي عن خطط لقروض بقيمة 163 مليار دولار لتمويل تسريع الإنفاق العسكري والمشتريات المشتركة.

وبينما يمكن لأعضاء الاتحاد إنفاق مواردهم الوطنية كما يحلو لهم، فإن الأولوية في التمويل الأوروبي ستُمنح للأسلحة المصنعة داخل التكتل. ولكي تكون المنتجات مؤهلة لهذا التمويل، يجب أن يتم إنفاق 65% على الأقل من تكلفتها داخل الاتحاد الأوروبي، أو في النرويج أو أوكرانيا. ولن تشمل هذه القروض الشركات الأميركية.

وبالنسبة للأنظمة المعقدة التي تفرض قيوداً على كيفية استخدامها أو استبدال مكوناتها – مثل نظام باتريوت للدفاع الصاروخي الأميركي من رايثيون – فإنها ستكون غير مؤهلة للحصول على التمويل الأوروبي.

وقالت مسؤولة في الاتحاد الأوروبي: "سيكون من غير المقبول أن تشتري الدول الأعضاء معدات لا يمكنها استخدامها للدفاع عن نفسها، بسبب اعتراض طرف ثالث".

وقالت "واشنطن بوست"، إنه في حين أن بعض الدول الأوروبية لا تزال تؤمن بأهمية الشراكة العسكرية عبر الأطلسي، إلا أن هناك توجهاً متزايداً نحو تنويع المصادر والعمل بشكل أوثق مع دول أخرى مثل بريطانيا والنرويج وتركيا.

وصرح رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون للصحافيين بأن مشتريات الأسلحة الأميركية لا تشكل "مخاطر أمنية"، لكنه أضاف أن الدول الأوروبية "ستكون في وضع أفضل لو كانت أقل اعتماداً على الصناعة الدفاعية الأميركية".

ورغم الجهود المبذولة للحد من الاعتماد على الولايات المتحدة، فإن الكثير من الدول الأوروبية تدرك أنها ستظل بحاجة إلى المعدات الأميركية للحفاظ على قابلية التشغيل المتبادل مع حلف الناتو.

وقال كيث ويبستر، المسؤول السابق في البنتاجون، إن النفوذ السياسي والاقتصادي القوي لشركات الدفاع الأميركية سيجعل من الصعب على الدول الغربية الانفصال التام عن الأسلحة الأميركية.

وأشارت "واشنطن بوست"، إلى أنه مع وصول مبيعات الأسلحة الأميركية إلى رقم قياسي بلغ 202 مليار دولار في عام 2024، "يبدو أن أوروبا ستظل مرتبطة بالعتاد العسكري الأميركي لفترة طويلة، حتى مع سعيها لتعزيز استقلالها الدفاعي".

تصنيفات

قصص قد تهمك