"لا يمكن الاستغناء عنها".. ماذا نعرف عن القاعدة الأميركية في جرينلاند؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
قاعدة بيتوفيك الفضائية العسكرية التابعة لقوة الفضاء الأميركية شمال غرب إقليم جرينلاند. 4 أكتوبر 2023 - REUTERS
قاعدة بيتوفيك الفضائية العسكرية التابعة لقوة الفضاء الأميركية شمال غرب إقليم جرينلاند. 4 أكتوبر 2023 - REUTERS
دبي -الشرق

اتجهت الأنظار مجدداً إلى قاعدة "بيتوفيك" Pituffik الفضائية العسكرية التابعة لقوة الفضاء الأميركية في جزيرة جرينلاند الدنماركية، وذلك مع إرسال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفداً رفيع المستوى إلى الجزيرة.

وضم الوفد نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي قال، الثلاثاء، إنه يعتزم زيارة "حراسنا" في القوة الفضائية أثناء وجوده هناك.

ونشر فانس على منصة "إكس" للتواصل مقطعاً مصوراً يُعلن فيه عن الزيارة، قائلاً: "أتطلع لزيارة جرينلاند، الجمعة".

وأضاف فانس في المقطع: "لقد هددت دول أخرى كثيرة جرينلاند، وهددت باستخدام أراضيها وممراتها المائية لتهديد الولايات المتحدة وكندا، وبالطبع، لتهديد شعب جرينلاند. لذلك سنتابع سير الأمور هناك"، مضيفاً: "للأسف، أعتقد أن القادة في كل من الولايات المتحدة والدنمارك تجاهلوا جرينلاند طويلاً".

ودأب الرئيس دونالد ترمب على التأكيد على ضرورة سيطرة الولايات المتحدة على جرينلاند، قائلاً إن الجزيرة الشاسعة مهمة للأمن القومي الأميركي.

خضعت جرينلاند لسيطرة الدنمارك لقرون، سابقاً كمستعمرة، والآن كإقليم شبه مستقل. وهي تخضع للدستور الدنماركي، ما يعني أن أي تغيير في وضعها القانوني يتطلب تعديلاً دستورياً.

ما أهميتها؟

وتُعد القاعدة الأميركية الموجودة على جرينلاند، التي كانت تعرف سابقاً باسم قاعدة ثول الجوية (Thule Air Base)، والمعروفة الآن باسم قاعدة بيتوفيك الفضائية (Pituffik Space Base)، واحدة من أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية في العالم، حتى لو لم يسمع بها معظم الأميركيين من قبل، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

ويتمركز نحو 150 فرداً من القوات الجوية وقوة الفضاء الأميركية بشكل دائم في "بيتوفيك" وهي القاعدة العسكرية الأميركية الوحيدة في جرينلاند، ويديرون برامج الدفاع الصاروخي ومراقبة الفضاء، ويمكن لرادار الإنذار المبكر المُحسّن الموجود بالقاعدة رصد الصواريخ الباليستية في اللحظات الأولى من انطلاقها.

في كل صيف، يطير نحو 70 فرداً من الحرس الوطني الجوي في نيويورك إلى "بيتوفيك" لدعم بعثات علمية. وباستخدام الطائرة الوحيدة المُجهزة بزلاجات في الجيش الأميركي، وهي طراز LC-130، ينقلون الباحثين والإمدادات إلى معسكرات على الغطاء الجليدي.

ويقول بيتر إرنستفيد راسموسن، وهو محلل شؤون دفاعية دنماركي: "إنها بالمعنى الحرفي العين الخارجية للدفاع الأميركي".

وأضاف: "بيتوفيك هي المكان الذي يُمكن للولايات المتحدة من خلاله رصد أي إطلاق للصواريخ، وحساب مسارها، وتفعيل أنظمة دفاعها الصاروخي. لا يمكن الاستغناء عنها".

كيف تأسست قاعدة "بيتوفيك"؟

بدأ الوجود العسكري الأميركي في جرينلاند خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت جرينلاند مستعمرة دنماركية. وبعد احتلال ألمانيا النازية للدنمارك عام 1940، أصبحت جرينلاند على نحو مفاجئ معزولة ودون حماية.

وأبرمت الولايات المتحدة صفقة سرية مع سفير الدنمارك في واشنطن، تتضمن بناء القوات الأميركية مطارات ومحطات أرصاد جوية في الجزيرة، متجاوزةً بذلك الحكومة التي تسيطر عليها ألمانيا في كوبنهاجن.

بحلول عام 1941، كانت القوات الأميركية استقرت في الجزيرة، وشيدت دفاعاتها ومسحت شمال الأطلسي بحثاً عن غواصات ألمانية. 

بعد مرور عقد، أضفت الدنمارك والولايات المتحدة طابعاً رسمياً على هذه الاتفاقية بمعاهدة دفاعية تمنح واشنطن حقوقاً واسعة لتشغيل منشآت عسكرية على الجزيرة. 

وفي الوقت الراهن أصبحت جرينلاند جزءاً شبه مستقل من الدنمارك، وهي، مثل الولايات المتحدة، دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

خلال الحرب الباردة، أصبحت "ثول" قاعدةً رئيسية في القطب الشمالي، حيث تمكنت القاذفات الأميركية بعيدة المدى من الوصول إلى الاتحاد السوفيتي، وبُنيت أنظمة رادار ضخمة لرصد الصواريخ التي تعبر المسار القطبي؛ أقصر طريق بين القوتين العظميين.

"معسكر القرن"

كانت إحدى أغرب تجارب تلك الحقبة هي "معسكر القرن"، وهي قاعدة تعمل بالطاقة النووية بُنيت تحت الجليد في أواخر خمسينيات القرن الماضي كجزء من مشروع سري يُسمى "الدودة الجليدية". وكانت الخطة تمثل اختباراً لإمكانية إخفاء الصواريخ النووية وإطلاقها من تحت السطح.

وعن هذه التجربة، يقول راسموسن: "إنها تعبر عن طموح الحرب الباردة الأكثر جموحاً. لقد بنوا قاعدة تعمل بالطاقة النووية في واحدة من أكثر البيئات عدائية على وجه الأرض لمجرد معرفة إمكانية تحقيق ذلك".

وثبت أن الجليد غير مستقر للغاية، وتخلوا عن القاعدة. لكن النفايات، بما في ذلك المواد المشعة والوقود، لا تزال مدفونة، ويحذر علماء من أن ارتفاع درجات الحرارة ربما يكشف عنها في نهاية المطاف.

خلفت القاعدة أيضاً أثراً دائماً على سكان جرينلاند الأصليين. ففي عام 1953، نُقل نحو 130 من "الإنويت" أو الإسكيمو قسراً من منازلهم بالقرب من قاعدة "ثول" إلى مستوطنة أشد قسوة في الشمال، وغير مناسبة للصيد التقليدي. وجاءت التعويضات بعد عقود، لكن الاستياء لا يزال قائماً.

وتغير اسم القاعدة قبل عامين من "ثول" إلى "بيتوفيك"، التي تعني بلغة جرينلاند "المكان الذي نربط فيه كلابنا".

أين تقع قاعدة "بيتوفيك"؟

تقع قاعدة بيتوفيك فوق خط العرض 76 شمال على الساحل الشمالي الغربي لجرينلاند، على بُعد نحو ٧٥٠ ميلاً (نحو 1207 كم) من القطب الشمالي، وهي واحدة من أكثر المنشآت العسكرية النائية على وجه الأرض.

وأقرب مستوطنة إليها وتسمى "كاناك"، تبعد أكثر من 70 ميلاً (نحو 112 كم)، ويقطنها أقل من 650 شخصاً. ويصطاد الكثيرون الفقمات وحيوانات الفظ، وأحياناً الدببة القطبية، للبقاء على قيد الحياة.

في الشتاء، تختفي الشمس طيلة أسابيع، وتنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 34 درجة مئوية تحت الصفر. على الرغم من هذه الظروف، يعمل مطار "بيتوفيك" على مدار السنة. ولا يمكن للسفن الوصول إلى القاعدة إلا خلال فترة قصيرة من الصيف عندما يتراجع الجليد البحري بشكل مؤقت.

ما طبيعة التكنولوجيا في قاعدة "بيتوفيك"؟

تعد "بيتوفيك" جزء من شبكة عالمية من البنية التحتية الدفاعية الأميركية ومحطة حيوية. ويقول خبراء عسكريون إنه مع ظهور تهديدات جديدة، مثل القذائف الأسرع من الصوت، فإن أنظمة الإنذار المبكر في القاعدة لا غنى عنها.

من جانبه، أوضح تروي جيه. بوفارد، هو ضابط متقاعد في الجيش الأميركي وخبير شؤون دفاع في منطقة القطب الشمالي: "القذائف الأسرع من الصوت لا تنطلق إلى الفضاء، بل تحلق على ارتفاع منخفض، وتناور، وليس لدينا طريقة لاعتراضها بمجرد إطلاقها"، مضيفاً: "وهذا يجعل الإنذار المبكر أكثر أهمية من أي وقت مضى، وهنا يأتي دور بيتوفيك".

ورجح بوفارد أنه إذا أُطلقت قذيفة من روسيا أو الصين باتجاه أميركا الشمالية، فمن المحتمل، أن تمر فوق القطب الشمالي. وأضاف أن أجهزة الاستشعار الأرضية في بيتوفيك بالغة الأهمية في هذه الحالة، لأن الأقمار الصناعية لا تعمل بشكل جيد في خطوط العرض العليا.

وتابع: "الليزر لا يعمل في القطب الشمالي أيضاً"، مفسراً بقوله: "أعمدة الهواء مليئة ببلورات الجليد الذي تعمل بشكل مشابه لمَرَايا صغيرة، والليزر والمرآة لا يتوافقان" (تعمل المرآة على تشتيت ضوء الليزر)".

واعتبر بوفارد أن دور قاعدة "بيتوفيك" يتسع ليتجاوز أنظمة الرادار، قائلاً: "يمكن أن تكون أيضاً بمثابة قاعدة انطلاق أمامية أو خط اتصال رئيسي. كلما كانت هذه المواقع أكثر تقدماً، زادت فائدتها".

تصنيفات

قصص قد تهمك