
تخطط دول أوروبية لوضع ترتيبات أمنية جديدة بشأن أوكرانيا، في حال التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب مع روسيا، وذلك بالتحول من فكرة إرسال قوات على الأرض، إلى بدائل أخرى، في ظل القيود السياسية واللوجستية التي تواجهها، ومعارضة روسيا، وفق ما نقلت "رويترز" عن مسؤولين.
وتستضيف فرنسا، الخميس، وفوداً من نحو 30 دولة في محاولة لبلورة بعض الأفكار لدعم كييف، إذ تعمل لندن وباريس منذ أسابيع على خطة لإرسال آلاف الجنود إلى أوكرانيا للمساعدة في حماية وقف إطلاق النار في المستقبل، إلا أن دبلوماسيين يقولون إن "فكرة إرسال مثل هذه القوة ليس النتيجة الأكثر ترجيحاً".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في باريس، الأربعاء، إن "روسيا لا تستطيع أن تملي شروط السلام الدائم على أوكرانيا"، مضيفاً: "نريد حشد الشركاء الخميس لزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا".
بدوره أعرب زيلينسكي عن أمله في أن تمتلك الولايات المتحدة "القوة الكافية" للضغط على روسيا لوقف إطلاق نار غير مشروط، بعد أن طرحت موسكو شروطاً لوقف الهجمات في البحر الأسود، مشدداً على ضرورة "إبقاء العقوبات على روسيا وتعزيزها".
"خطوة أوروبية إلى الخلف"
وبشأن مسألة إرسال قوات إلى أوكرانيا، قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين لـ"رويترز"، "إنهم يتراجعون خطوة عن إرسال قوات برية، ويحاولون إعادة تحديد أبعاد ما كانوا يفعلونه إلى شيء يمكن أن يكون أكثر منطقية".
وأضاف آخر: "حين كانت أوكرانيا في وضع أفضل، كانت فكرة إرسال قوات برية جذابة، لكن الآن، مع الوضع على الأرض والإدارة الأميركية بما هي عليه الآن، فالأمر ليس مغرياً جداً".
ولطالما قالت أوكرانيا إن أي اتفاق سلام سيتطلب ضمانات أمنية حازمة من الغرب، لمنع تكرار أي هجمات من قبل روسيا.
واقترح كل من ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اللذين زارا البيت الأبيض الشهر الماضي، أن يساهم كل منهما بآلاف الجنود ضمن قوة في المستقبل، لكنهما يسعيان حتى الآن دون جدوى إلى الحصول على شكل من أشكال "الدعم" من واشنطن، دون تحديد ما يستلزمه ذلك الدعم.
وقالت موسكو إنها "لن توافق أبداً على أي اقتراح ترسل بموجبه دول حلف شمال الأطلسي قوات إلى أوكرانيا".
وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في البداية بالمقترحات البريطانية والفرنسية لإرسال قوات، وقال إنه "يعتقد أن روسيا ستوافق عليها".
لكن، في الآونة الأخيرة، عبر مسؤولون أميركيون عن تشكك أكبر، ففي مقابلة مع المذيع تاكر كارلسون الأسبوع الماضي، سخر مبعوث ترمب ستيف ويتكوف من المقترحات الأوروبية، ووصفها بأنها "استعراض".
"مساهمة أوروبية قوية مرتقبة"
قال المسؤولون الذين تحدثوا لـ"رويترز"، إن المناقشات في اجتماع باريس هذا الأسبوع ستركز على مجموعة قضايا تتضمن تعزيز أوكرانيا عسكرياً لردع الهجمات في المستقبل، وكيفية مراقبة وقف إطلاق نار محدود، يحظر استهداف الأهداف البحرية والبنية التحتية للطاقة.
وذكر مسؤول أوروبي بارز أن "الضمانات الأمنية تشبه مائدة إفطار إنتركونتننتال بها 1000 طبق فرعي... الأمر كله في النهاية سيتوقف على مدى جدية وقف إطلاق النار، وأنا لست متفائلاً".
وقال مسؤول دفاعي أوروبي رفيع المستوى إن "تحول التركيز بعيداً عن فكرة نشر قوات برية أوروبية على الأرض لا يعني أن الدول منفردة لن تنشر جنوداً في أوكرانيا لتوفير التدريب وغيره من أشكال الدعم".
لكن حتى في حالة النظر إلى قوة برية أوروبية كبيرة على أنها غير محتملة الآن، فإن هناك خططاً تُوضع لإبقاء الخيارات مفتوحة.
وتشير وثيقة اطلعت عليها "رويترز"، إلى "قوة تطمين مستقبلية" في أوكرانيا "كجزء من تسوية سلمية مستقبلية، وبدعم من الولايات المتحدة".
وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية إنه في "المحادثات مع الولايات المتحدة، أبدى المسؤولون اهتماماً بمساهمة أوروبية قوية بمجرد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".
والأسبوع الماضي، ذكر ستارمر أن واضعي الخطط العسكرية "يركزون على الحفاظ على سلامة الأجواء والبحار والحدود في أوكرانيا".
وأضاف: "نعمل الآن بوتيرة سريعة؛ لأننا لا نعرف ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق. أتمنى بالتأكيد التوصل لاتفاق، لكن إذا جرى التوصل لاتفاق، فمن المهم حقاً أن نكون قادرين على التفاعل على الفور".
ويعارض بعض الحلفاء الأوروبيين فكرة إرسال قوات دون ضمانات أميركية صارمة وتفويض دولي. فهم قلقون بشأن التكلفة والنقص الشديد في القوى البشرية والمعدات، واحتمال أن ينتهي بهم الأمر إلى محاربة روسيا.
وقال بن هودجز، وهو قائد سابق لقوات الجيش الأميركي في أوروبا، إنه من "الضروري تحديد مهمة واضحة لأي قوة، قبل محاولة التخطيط للقدرات التي يتم تزويدها بها".
وأضاف: "لا يمكنني المبالغة في التأكيد على أهمية ذلك؛ لأنه ما لم تفهم المهمة بشكل صحيح، فلن يمكنك تحديد ما تحتاجه للقيام بهذه المهمة".
وقال مسؤولون عسكريون أوروبيون إنه حتى لو كانت هناك فرصة جيدة لعدم نشر أي قوة، فإن المناقشات دليل على الزخم، وتظهر أن أوروبا قادرة على التحرك.
"بعثة أممية للمراقبة"
وقال أحد المسؤولين العسكريين الأوروبيين "علينا ألا ننظر إلى هذا الأمر من منظور كم سنضع من دبابة، ورجل، وكم طائرة خلف الحدود الأوكرانية، إنها آلية شاملة لم تنته بعد من التطور، هذا المشروع سيستغرق وقتاً طويلاً، بضع سنوات".
وإذا لم ترسل أوروبا قوة كبيرة إلى أوكرانيا، فما زال بوسعها لعب دور من خلال العمل كقوة احتياطية لقوة منفصلة تعمل داخل أوكرانيا بموجب اتفاق سلام افتراضي، ربما بموافقة الأمم المتحدة.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيير لاكروا للصحافيين، الثلاثاء الماضي، إن التكهنات عن بعثة مراقبة مستقبلية محتملة للأمم المتحدة في أوكرانيا "نظرية جداً"، وإن أي تخطيط سيتطلب تفويضاً، رغم أن السؤال يتكرر طرحه كثيراً.
وأفاد دبلوماسيون بأن أوروبا قد تجد دورها في تعزيز قواتها في البلدان المجاورة مثل رومانيا، وربما بتعزيز قوات "الوجود الأمامي المعزز" لحلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا.
"الناتو يحذر من التصرف الأحادي"
على الرغم من غياب فكرة عضوية كييف في "الناتو" عن طاولة المفاوضات، اقترحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أنه "يمكن توسيع شروط معاهدة الدفاع المشترك للحلف لضمان مساعدة الدول لأوكرانيا، في حال تعرضها لهجوم".
وقال المبعوث الأميركي ويتكوف إن "هذا الأمر مفتوح للنقاش".
وذكر دبلوماسي أوروبي ثالث أن مثل هذه الخطوة قد تتيح "أكبر ضمانة أمنية يمكن تقديمها بتكلفة أقل من نشر قوات في أوكرانيا بالفعل".
وفي السياق ذاته حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الولايات المتحدة وأوروبا، الأربعاء، من أي اندفاع نحو "التصرف بشكل أحادي" في ما يتعلق بالأمن وسط التوتر المحيط بمستقبل الحلف.
وقال روته في كلمة في كلية وارسو للاقتصاد إن أميركا تحتاج لأوروبا لتعزيز أمنها، وإن الحلف سيصبح أكثر عدالة.
وأضاف الأمين العام لحلف الأطلسي "لأكون واضحاً تماماً، هذا ليس الوقت المناسب للتحرك بشكل منفرد، لا لأوروبا ولا لأميركا الشمالية".