وسط التوتر مع روسيا.. "التجنيد الإجباري" ليس مستبعداً في بريطانيا

time reading iconدقائق القراءة - 10
ولي عهد بريطانيا الأمير وليام يتفقد جنود بلاده العاملين في إستونيا ضمن قوات الناتو. 21 مارس 2025 - REUTERS
ولي عهد بريطانيا الأمير وليام يتفقد جنود بلاده العاملين في إستونيا ضمن قوات الناتو. 21 مارس 2025 - REUTERS
لندن -الشرق

في ظل التوتر المتصاعد مع روسيا، يزداد احتمال نشوب صراع أوروبي كبير، قد تحتاج فيه بريطانيا إلى إعادة فرض التجنيد الإجباري، وهو خيار لا تُفضله أبداً الحكومة العمالية برئاسة كير ستارمر، رغم أن واقع الحال في الجيش البريطاني، يقول إنه ليس مستعداً لمواجهات كبيرة على غرار ما تشهده الجبهة الأوكرانية.

التعبئة العامة في بريطانيا تُعيد إلى الأذهان أجواء الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من 80 عاماً، لكن الزمن قد تغير ومعايير قوة الجيوش تبدلت فأصبح العامل البشري أقل أولوية من الأسلحة والتكنولوجيا المرتبطة بتطويرها، حسبما يرى البعض، فيما يعتقد آخرون أن عديد القوات المسلحة سيكون القول الفصل في الدفاع عن الحدود وصد العدوان عنها.

تعداد الجيش البريطاني يتراجع منذ عقدين من الزمن على الأقل، ويبدو أن العمل العسكري لم يعد جذاباً، ما لم تكبح الحكومة هذا التراجع، وتُبدل الاتجاه نحو ضم المزيد من القوات لمختلف القطع البحرية والجوية والبرية. وهذا الجهد ليس محصوراً بالإغراء المادي فقط، رغم أن الأجيال الجديدة تهتم للعائد المادي المجزي في وظيفة المستقبل.

ثمّة لجنة دفاعية متخصصة في البرلمان البريطاني، توصلت قبل أقل من أسبوعين إلى نتيجة مفادها أن لجوء الحكومة إلى "التجنيد الإجباري" احتمال ليس مستبعدا أبداً، وسيكون على سبيل الاستعداد للحرب العالمية الثالثة، ذلك "لأن الصدام مع الروس إن وقع، سيكون بمثابة حرب تتورط فيها جميع دول أوروبا بشكل عام".

في المملكة المتحدة، لجأت الحكومة إلى الخدمة الإلزامية مرتين في العصر الحديث، مرة في الحرب العالمية الأولى، وامتدت في الفترة من عام 1916 إلى عام 1920، وأخرى في الحرب العالمية الثانية، وبقيت من عام 1939 إلى 1960، انتهت خدمة آخر دفعة في هذا التجنيد عام 1963، لكن العديد من الجنود اختاروا الاستمرار في الجيش.

تقول اللجنة البرلمانية، إن عوامل مثل الصحة والعمر والمهنة استثنت أشخاصاً من التجنيد الإلزامي في الحرب العالمية الثانية، ومن المرجح أن يقع الأمر ذاته اليوم مع اختلافات قليلة، حيث أن المزارعين والخبازين وعمال المناجم وموظفي القطاع الطبي والمهندسين أعفوا من الخدمة قبل 80 عاماً بوصفها وظائف حيوية، أما هذه الأيام، فربما تضم القائمة تقنيين ومهن إلكترونية أو مهام أخرى تعكس اختلاف طبيعة المجتمع.

وفُرض التجنيد الإجباري في بريطانيا على الرجال فقط بين 18 و41 عاماً، لكن ربما تشمل أول خدمة إلزامية في المملكة المتحدة بالألفية الثالثة الذكور والإناث معاً، وهذا يمكن أن يزيد من عدد الذين يرفضون الخدمة الإلزامية بحجة رفضهم للحرب وتعارُض القتل مع أخلاقياتهم وفلسفتهم، تماماً كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية.

أثارت هذه الذريعة، رفض 16 ألفَ بريطانياً للالتحاق بجبهات الحرب العالمية الأولى، و60 ألفاً في الثانية، ولا شيء يمنع وقوع الأمر ذاته هذه المرة وفقاً للجنة البرلمانية، وسيُضاف لهؤلاء عدداً ليس بقليل ممن يعانون مشكلات نفسية مختلفة، ليصعب حساب الإجمالي المتوقع للمستجيبين لنداء التجنيد الإجباري.

ردع يقلل فرص اللجوء للحرب

في حديث مع "الشرق"، حذر النائب الليبرالي والجندي السابق في الجيش، مايك مارتن، من احتمال كبير لحدوث حرب مع روسيا، وقال إن "الاستعداد للحرب يولد ردعاً يقلل من نسبة وقوعها، أو يقلص من إمكانية أن تتحول إلى حرب شاملة، لذلك لا بد من بناء جيش قوي يجعل الخصوم يفكرون بالسلام أكثر من المواجهة".

الضابط السابق في الجيش، توبياس إلوود، يحث الحكومة أيضاً على إعادة الخدمة الإلزامية لتعزيز القوة العسكرية للبلاد، وقال في تصريح لصحيفة "أدنبره"، إن البلاد "بحاجة إلى تعزيز عديد القوات البرية والجوية والبحرية، لكن من الضروري أيضاً أن يتوفر قدر أكبر من المرونة والاستعداد من منظور الردع الاستراتيجي".

من وجهة نظر الباحث في معهد الخدمات الملكية والأكاديمي المختص في العلوم العسكرية، سيدرهارث كوشال، هناك افتراضان على الأقل قابلان للطعن في جدلية التجنيد الإجباري، أولهما أن أسلوب الحرب المفضل لدى روسيا هو الاستنزاف، والثاني أن حلف الناتو يحتاج إلى أعداد كبيرة من القوات غير المدربة نسبياً لردع روسيا.

ويوضح كوشال في دراسة نشرها معهد RUSA، أن التجنيد الإلزامي سيُقوّض توسيع قدرات القوات المسلحة البريطانية على المدى القصير والمتوسط، فمنذ نهاية الحرب الباردة انخفض عدد الأفراد والقواعد ومرافق التدريب وأماكن الإقامة والمعدات بشكل كبير لمواكبة الطلب المتوقع الذي تنادي به القوات المسلحة لملء صفوفها.

وأوضح كوشال، أن فتح الأبواب أمام الخدمة الإلزامية دون إعداد، سيؤثر على تدريب القوات النظامية والاحتياطية الأكثر جاهزية، والتي تحتاجها المملكة لمتحدة لصفوفها الأولى والثانية، في حين أن زيادة قدرات نظام التدريب لاستيعاب شباب التجنيد الإجباري تتطلب استثمارات كبيرة بأموال كثيرة، وتستغرق وقتاً طويلاً لإنجازها وإتمامها.

 إغراء المتطوعين

الدعوة إلى التجنيد الإجباري أطلقتها هيئة الأركان البريطانية في نهاية عهد حكومة المحافظين السابقة، برئاسة ريشي سوناك، إذ وعد بتطبيق الخدمة الوطنية الإلزامية على الشباب الذين يبلغون من العمر 18 عاماً إذا عاد حزبه "المحافظين" إلى السلطة في الانتخابات التي أجريت في الرابع من يوليو 2024، ولكنه خسر ذلك الاستحقاق.

الموقف الرسمي لحزب العمال إزاء الخدمة الإلزامية لم يتغير منذ وصوله إلى السلطة، وقد كرره مؤخراً وزير مكتب مجلس الوزراء، بات ماكفادن، عندما قال إن "لندن لا تفكر حالياً في التجنيد الإجباري، لكننا أعلنا عن زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، وعلينا إدراك أن العالم قد تغير ونحتاج إلى جهود مكثفة من أجل تعزيز قدراتنا العسكرية".

في حديث مع "الشرق" يقول عضو حزب "العمال"،  ماثيو شليدر، إن الحكومة اختارت تحسين الظروف المالية والمهنية للعمل العسكري ليصبح أكثر جاذبية في أعين الراغبين بالانضمام إلى صفوف الجيش، وهذا من شأنه أن يعوض بسهولة عدد المتقاعدين من الخدمة سنوياً، ويقلص حجم المنسحبين منها، ويضيف مزيداً من المتطوعين.

وبرأي شليدر، تحتاج المملكة المتحدة إلى الموازنة بين تطوير التسليح والعتاد وزيادة التعبئة البشرية في الوقت ذاته، وهذا يتطلب أموالاً كبيرة تجهد الحكومة لتوفيرها في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وقد تجلى هذا في زيادة الإنفاق الدفاعي على حساب اقتطاعات مختلفة في تسهيلات كانت تقدمها بريطانيا لسكانها ولدول عدة حول العالم.

على ضفة المعارضة، فإن كيم بادينوج، لم تأتِ على ذكر الخدمة الوطنية منذ انتخابها زعيمة لحزب المحافظين، قبل أشهر. وفي تصريحات لقناة "سكاي نيوز" البريطانية قال وزير الداخلية في حكومة الظل (حزب المحافظين)، جريس فيليب، إن "الحزب لم يصدر بياناً سياسياً جديداً له بعد انتخابات 2024، ولن يلتزم شخصياً بتعهد طرح خلال استحقاق خسره الحزب".

جيل "زد"

إن طُبق التجنيد الإجباري، فقد يشمل جيل "زد" الذين ولدوا بين عامي 1997 و2012. وبحسب دراسة حديثة، فإن كثيرين من هذا الجيل يفضل العمل في خدمة التوصيل إلى المنازل على الانضمام إلى الجيش، وقد كشفت الدراسة التي شملت 2000 شاب تراوحت أعمارهم بين 15 و27 عاماً، أن أبناء جيل "زد" يحلمون برواتب تزيد على 70 ألف دولار بمجرد بلوغهم الثلاثين، وهو ما لا يوفره حالياً الانضمام للقوات العسكرية.

وفق الأرقام، فقد احتلت القوات البحرية المرتبة الرابعة بين الأعمال الجذابة للشباب البريطاني، فيما حلت القوات البرية في الخامسة والجوية في السابعة، وفي المقابل حلت خدمة التوصيل في المرتبة السادسة، وتصدرت شركات التقنية جوجل وأبل ومايكروسوفت قائمة أكثر ثلاث وظائف جاذبية بالنسبة إلى المنتمين سناً إلى جيل "زد".

صحيفة "ديلي إكسبرس" رصدت في استطلاع رأي، مبررات عزوف جيل "زد" عن القتال دفاعاً عن المملكة المتحدة، فتباينت الأسباب بين ما يُحمّل الحكومات المتعاقبة مسؤولية تدهور حال القوات المسلحة، وخائف من النتائج خاصة إذا ما كان لديه عائلة، وثالث لا يؤمن بحاجة الدول إلى بشر في الحروب، وأنه يمكن الاعتماد على روبوتات مقاتلة.

رفض جيل "زد" للتجنيد يمتد إلى حجج أكثر من ذلك، وبحسب دراسة مشتركة أجرتها مؤسسة "راند أوروبا" وجامعة "كينجز كولدج" في لندن، فإن تعلق هذا الجيل بالتقنية جعله أكثر انطوائية وعرضة للمشكلات النفسية، كما أن أفراده أقل جلداً وصبراً من الأجيال السابقة، على الاستمرار في الجيش، إذا ما انضموا إليه بدافع ما، لذا لا بد من مراعاة هذه الاختلافات، إضافة إلى معايير جسدية مستجدة عند تصميم برامج تدريب وتعليم عسكرية لهم.

تصنيفات

قصص قد تهمك