
بينما تقترب الحرب في السودان من دخول عامها الثالث، أعلن القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، نقل الصراع العسكري لولايات شمال السودان، وذلك بعد أيام من إقرار شقيقه محمد حمدان دقلو بانسحاب قواته من العاصمة الخرطوم عقب إعلان الجيش السوداني السيطرة عليها.
وفي تصريحات أدلى به أمام حشد من قواته، الأربعاء، قال دقلو: "كنا على خطأ.. أرض المعركة هي "الشمالية ونهر النيل"، لافتاً إلى تجهيز ألفي مركبة قتالية للهجوم على المناطق الشمالية من البلاد.
وفي 26 فبراير الماضي، استطاع الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم، بعد نحو عامين من القتال ضد قوات الدعم السريع، متوعداً بمواصلة القتال لبسط كامل نفوذه على ما تبقى من البلاد، التي تعيش حرباً مدمرة وفق الأمم المتحدة.
وكان الدعم السريع وصف انسحابه من الخرطوم إلى جنوب أم درمان ودارفور وكردفان، بأنه عملية "إعادة تموضع" بقرار من قيادته الميدانية. وباتت القوات الدعم السريع تتركز في منتصف طريق الصادرات الرابط بين العاصمة الخرطوم وولايات غرب السودان، والذي يعرف بطريق "بارا".
الصراع حول دارفور
في حديث لـ"الشرق"، قال اللواء المتقاعد والقائد السابق في الجيش السوداني محمد خليل الصائم، إن الحرب ستنتقل إلى إقليم دارفور غربي البلاد، مشيراً إلى أن الصراع لن يهدأ إلا باستعادة الجيش للإقليم، معتبراً أن هذا يُشكل جزءاً أساسياً من مهام القوات المسلحة.
وأضاف الصائم: "في تقديري، يقوم الجيش السوداني بإعادة تنظيم صفوفه حالياً لاستعادة دارفور. كما أنه لن يتفاوض مع قوات الدعم السريع التي فقدت قوتها الصلبة، وفي ضوء موازين القوة العسكرية ستتعرض لهزيمة نكراء".
بدوره، رأى الخبير الأمني والاستراتيجي عامر حسن عباس أن بقاء منطقة الفاشر (غرب) في يد الجيش السوداني ساعد في معركة الخرطوم، مرجحاً أن يُمهّد الوصول إلى مدينة بارا بولاية شمال كردفان، الطريق لاستعادة السيطرة الكاملة على الفاشر، وقطع طرق الإمداد عن الدعم السريع، ونقل القتال إلى خارج المناطق السكانية، وهو ما يتيح للجيش السوداني الانتصار بسهولة، وفق رأيه.
وفي حديث لـ"الشرق"، أضاف عباس: "لا أستبعد أن تفتح قوات الدعم السريع جبهة قتال جنوبية عقب اتفاقها مع عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن تأمين الجيش لشمال كردفان والاستفادة من موقعها سيحول دون ذلك".
الشمالية خيار مطروح
كان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، أقر بالخروج من الخرطوم، ووقوع انسحابات في مدينة أم درمان وما أسماه بـ"إعادة تموضع"، مشيراً إلى أن إدارة العمليات بقواته "هي من تتخذ القرارات بشأن الانسحابات".
وفي أول تصريح له بعد استعادة الجيش للعاصمة، قال دقلو: "خرجنا من الخرطوم لكن نؤكد لكم أننا عائدون أشد قوة"، معتبراً أن الحرب "لم تنتهِ، بل إنها في بدايتها".
وفي حديث لـ"الشرق"، رأى عيد إبراهيم بريمة المحلل السياسي المقرب من قوات الدعم السريع، أن "انسحاب الدعم السريع من الخرطوم لم تصاحبه اشتباكات، ذلك أن هناك ما هو أهم، ويُمثّل (رأس الحية) في نهر النيل والشمالية، وهي المنطقة التي لم تصلها الصراعات العسكرية في أطراف السودان على غرار ما يحدث في مناطق في إقليم دارفور على حد قوله".
من جانبه، قال المحلل السياسي نجم الدين درسة، إن "سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المالحة ستتيح لها السيطرة على الفاشر، مضيفاً أن "الدعم السريع يتمتع بسيطرة واسعة على إقليم دارفور".
خارطة السيطرة في دارفور وكردفان
وفي وقت من المرجح أن تتسع دائرة القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع إلى إقليمي كردفان ودارفور، تبدو خارطة السيطرة قابلة للتغير بين الجانبين كلما ابتعدت الحرب عن العاصمة.
وفي إقليم كردفان، ُيسيطر الجيش السوداني على أجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، بما في ذلك العاصمة الأبيض والرهد وأم روابة وهي كبرى المدن إلى جانب الطريق الذي يربطها جميعاً، بينما يتواجد الدعم السريع في شمال الولاية وتحديداً مدينة بارا، حيث تُشكل طريق عبور من الخرطوم نحو كردفان ودارفور، ولذلك يحرص على إحكام سيطرته عليها.
أما في غرب كردفان، يتفوق الدعم السريع بمساحة النفوذ، إذ يُسيطر على مدينة "الفولة" عاصمة الولاية والمناطق التي حولها، بينما يسيطر الجيش السوداني على مدينة النهود، وينتشر غربها ويتمسك بمدينة بابنوسة، التي تضم إحدى حامياته العسكرية التي ظلت عصية على الدعم السريع منذ بدء القتال.
وفي جنوب كردفان، يسيطر الجيش السوداني على العاصمة كادقلي ومدينة الدلنج الرئيسية، والقرى التي حولها إلى جانب الطريق الرابط بينها، بينما يسيطر جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) حليف الدعم السريع على الأجزاء الجنوبية حيث معقل حركته "كاودا" والقرى التي حولها.
وينتشر الدعم السريع في 4 ولايات من أصل 5 في إقليم دارفور، بينما يتشارك السيطرة مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والذي يسيطر على محلية جبل مرة، في حين يسيطر الجيش السوداني على الفاشر وعدد من القرى حولها، أما قوات الدعم السريع، فتنتشر حول الفاشر ومناطق مليط والمالحة في ولاية شمال دارفور.
وتتصاعد حدة القتال في إقليم النيل الأزرق بين الجيش والدعم السريع مع حليفه الحركة الشعبية، حيث تشن هذه الأخيرة هجمات لإضعاف دفاعات الجيش المتقدمة في القرى التي تسبق العاصمة الدمازين.
أجندة متحركة وسيطرة متحركة
في حديث لـ"الشرق"، قال رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية عثمان ميرغني إن "قوات الدعم السريع اتجهت إلى الخطاب التصعيدي بشكل أكبر وهو ما عكسه خطاب القائد الثاني لها وتلويحه باجتياح نهر النيل والشمالية، لكن ليس لذلك علاقة بما يجري على الأرض".
وتابع ميرغني: "لا يتعدى ذلك كونه تهديد، بينما معطيات الميدان العسكري لا تدل على ذلك، بدليل أن قوات الدعم السريع كانت في منطقة نهر النيل وتقهقرت منها، ويبدو الخطاب تعويضي للقوات، ومحاولة لإحياء روحها المعنوية".
وأضاف: "الشاهد أن الحرب في السودان ظلت بأجندة متحركة منذ يومها اليوم، فمن مطالبة الدعم السريع برأس قائد الجيش إلى محاربة دولة 56 (الدولة الوطنية التي أعقبت خروج المستعمر من السودان)، وصولاً إلى التلميح بالانفصال، وكل ذلك هدفه سياسي وهو السلطة".