خطط ترمب تهدد الدفاعات السيبرانية الأميركية رغم مخاوف تصاعد المخاطر

time reading iconدقائق القراءة - 9
المدير السابق لوكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأميركية تيموثي هاو يدلي بشهادته خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ بالعاصمة واشنطن. 11 مارس 2024 - REUTERS
المدير السابق لوكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأميركية تيموثي هاو يدلي بشهادته خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ بالعاصمة واشنطن. 11 مارس 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

أقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مدير وكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأميركية، تيموثي هاو، بشكل مفاجئ، الخميس، في أحدث حلقة في سلسلة من الإجراءات التي حطمت الدفاعات السيبرانية للولايات المتحدة، فيما تواجه البلاد أكثر الهجمات تعقيداً واستمرارية في تاريخها، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

وقالت الصحيفة الأميركية، السبت، إن تيموثي هاو الذي كان يقود البنية التحتية الضخمة للدفاعات السيبرانية الأميركية، أُقيل من منصبه على ما يبدو تحت ضغط من الناشطة اليمينية المتطرفة المؤيدة لترمب، لورا لوومر. وكان هو أحد أبرز المسؤولين الأميركيين المشاركين في التصدي للتدخلات الروسية، منذ عمله لمواجهة محاولات موسكو التأثير في انتخابات عام 2016.

وجاءت إقالة تيموثي هاو بعد أسابيع من قيام إدارة ترمب بإزالة معظم الدفاعات السيبرانية المتعلقة بالانتخابات، خارج مراكز القيادة المحصنة التابعة لوكالة الأمن القومي في "فورت ميد" بولاية ميريلاند. 

وفي الوقت ذاته، قلصت الإدارة جزءاً كبيراً من منظومة الإنذار المبكر المعقدة للهجمات السيبرانية، التي تعتمد على تعاون بين شركات التكنولوجيا ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، ووكالات الاستخبارات لحماية شبكة الكهرباء، وخطوط الأنابيب والبنية التحتية للاتصالات.

وبدأ خبراء في الأمن السيبراني ومسؤولون عن الانتخابات ومشرعون، معظمهم من الديمقراطيين، إلى جانب عدد قليل من الجمهوريين، دق ناقوس الخطر، محذرين من أن الولايات المتحدة تفكك منظومة استغرق بناؤها عقداً من الزمن، وإن كانت لا تزال مليئة بالثغرات، وفقاً للصحيفة.

وقالت "نيويورك تايمز"، إن المنظومة طردت بعضاً من المدافعين السيبرانيين الأكثر خبرة لديها، كما أقالت مواهب شابة اُستقطبت لتصميم دفاعات ضد موجة "هجمات فدية"، واختراقات صينية، وثغرات ناتجة عن الذكاء الاصطناعي.

تهديدات غير مسبوقة

وقال السيناتور مارك وارنر (من ولاية فرجينيا)، وهو أبرز الأعضاء الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، مساء الخميس، بعد إقالة الجنرال هو: "في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تهديدات إلكترونية غير مسبوقة، كما أكدت بوضوح الهجمة السيبرانية الصينية، إعصار الملح (سولت تايفون)، كيف يمكن أن تجعل إقالته الأميركيين أكثر أمناً؟".

وكان وارنر يشير إلى عملية اخترقت خلالها أجهزة الاستخبارات الصينية شبكات الاتصالات الأميركية بعمق بالغ، لدرجة أنها تمكنت من الوصول إلى نظام وزارة العدل الخاص بالتنصت القانوني على المكالمات والرسائل النصية، ما أتاح لها الاستماع إلى بعض المحادثات، بما في ذلك تلك التي أجراها ترمب خلال حملته الانتخابية العام الماضي.

ولم يعلن مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، الذي يواجه ضغوطاً متزايدة، عن استراتيجية سيبرانية جديدة حتى الآن، لكنه شدد على أن البلاد بحاجة إلى اعتماد نهج هجومي بشكل أكبر، وفق "نيويورك تايمز".

وقال والتز لموقع Breitbart الأميركي قبيل حفل التنصيب: "لقد لعبنا دور الدفاع طويلاً، ونحاول باستمرار تحسين قدراتنا الدفاعية". وأضاف: "إذا كنتم تزرعون قنابل سيبرانية موقوتة في موانئنا وشبكات الطاقة لدينا"، فعلى الولايات المتحدة أن تُظهر "أن بمقدورها فعل الشيء نفسه بكم أيضاً".

مع ذلك، يخشى العديد من خبراء الأمن السيبراني من أن التركيز المكثف على العمليات الهجومية، التي كانت جزءاً من الاستراتيجية الأميركية منذ الهجوم السيبراني الأميركي-الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني قبل 15 عاماً، يشكل خطراً.

وتُظهر الثغرات الكبيرة في النظام الأميركي، التي تجلت في السنوات الأخيرة عندما قامت الصين بزرع برمجيات خبيثة في شبكات المرافق ونظام الاتصالات لدى منافسيها، مدى سهولة استهداف الولايات المتحدة للانتقام.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى تصريح كان يقوله أحد كبار المسؤولين السيبرانيين في وزارة الدفاع خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن: "نحن نعيش في البيت الأكثر هشاشة".

"كأن أحدهم أنزل الجسر"

وخلال ولايته الأولى، عزز ترمب وكبار مساعديه الدفاعات السيبرانية، حيث وقّع على قانون بإنشاء وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (CISA)، وبدأ البيت الأبيض بتسمية الدول التي تهاجم الولايات المتحدة علناً.

ومع اقتراب انتخابات 2018، شنت قيادة العمليات السيبرانية الأميركية هجمات مضادة على القراصنة الروس وأجهزة الاستخبارات الروسية، وكان هو مشاركاً أساسياً في هذه العمليات، باعتباره قائداً لـ"مجموعة روسيا الصغيرة"، وهي عملية مشتركة بين وكالة الأمن القومي، التي تُعد أبرز وكالات الاستخبارات السيبرانية الأميركية وتضم 32 ألف موظف أي أكبر من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بنحو 50%، وقيادة العمليات السيبرانية.

لكن ترمب غيّر مساره في ولايته الثانية. فعلى مدار أربع سنوات، زاد استياؤه من وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، التي أعلنت أن انتخابات 2020 كانت من الأكثر نزاهة في التاريخ، ما قوض مزاعمه التي لا تستند إلى أدلة بأنه خسر الانتخابات بسبب "التزوير". وبعد أسابيع من عودته إلى المنصب هذا العام، بدأ حملة تفكيك الوكالة، بحسب "نيويورك تايمز".

وأشارت الصحيفة إلى إلغاء برامج فيدرالية كانت تراقب التأثير الأجنبي والمعلومات المضللة، وإضعاف عناصر رئيسية من أنظمة الإنذار التي ترصد التسللات إلى برمجيات التصويت، وربما تكون لذلك تداعيات تظل مجهولة حتى إجراء الانتخابات المقبلة.

كما ألغت الإدارة التعاون مع المتعاقدين الذين كانوا يعملون مع مسؤولي الانتخابات المحليين على اختبار أمان أنظمة التصويت، وهو تعاون كان يُمول في العادة من الحكومة الفيدرالية.

ومطلع مارس الماضي، قامت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، التابعة لوزارة الأمن الداخلي، بخفض تمويل يتجاوز 10 ملايين دولار لبرنامجين حيويين لمشاركة المعلومات السيبرانية، كانا يساعدان في اكتشاف ومنع الهجمات، وإبلاغ السلطات المحلية والفيدرالية بها. وكان أحد البرنامجين مخصصاً لأمن الانتخابات، وكان الآخر لحماية البنى التحتية الحكومية، مثل شبكات الكهرباء.

وفي بعض المقاطعات، كانت هذه البرامج الوسيلة الوحيدة أمام الحكومات المحلية لمتابعة الهجمات المتزايدة.

وقال أدريان فونتس، سكرتير عام ولاية أريزونا الديمقراطي، في رسالة احتجاج وجهها إلى البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي وأعضاء الكونجرس عن ولايته: "الأمر يشبه أن أحدهم أنزل الجسر، ولم يترك حراساً. هذا خطير للغاية".

أمن الانتخابات

وساعد برنامج أمن الانتخابات التابع لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية في اكتشاف الهجمات السيبرانية، وكذلك في تحديد المخاطر التي تهدد بنى تحتية حساسة مثل قواعد بيانات الناخبين، إذ كان يتيح تبادل المعلومات بين مسؤولي الانتخابات والوكالات الفدرالية لمنع وقوع أي هجمات.

وفي أريزونا، ساعد البرنامج فونتس ومسؤولين آخرين في اكتشاف أن 15 تهديداً بوجود قنابل وصلت إليهم في ليلة الانتخابات في نوفمبر كانت خدعة مصدرها روسيا، ما سمح باستمرار التصويت بشكل شبه طبيعي في الولاية الحاسمة.

وفي كولورادو، مكّن البرنامج وزيرة الخارجية الديمقراطية جينا جريزولد من تنبيه نظرائها في الولايات الأخرى، إضافة إلى وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، بشأن اختراق مدبر قام به أحد مسؤولي الانتخابات المحليين عام 2021.

من جهتها، تؤكد وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أن مسؤولي الانتخابات ما زالوا "يحصلون على الدعم ذاته من الوكالة"، بما يشمل "خدمات الأمن السيبراني والأمن المادي والاستجابة للحوادث".

وفي مختلف أنحاء الولايات المتحدة، يشعر مسؤولو الانتخابات في الحزبين بالقلق، بحسب "نيويورك تايمز". ففي الشهر الماضي، أرسل آل شميدت، سكرتير عام ولاية بنسلفانيا الجمهوري، رسالة إلى وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، التي تشرف على وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، سرد فيها أربع حالات خلال العام الماضي ساعدت فيها برامج الأمن السيبراني الفيدرالية، التي تُستهدف حالياً، في تأمين نزاهة الانتخابات في ولايته.

وأشار شميدت إلى أن الوكالة ساعدت في أغسطس على صد محاولة هجوم إلكتروني استهدفت الناخبين في الولاية، عبر رسائل نصية مزيفة تحضهم على التسجيل. كما حذرت الوكالة في سبتمبر من مغلفات تحوي مسحوقاً أبيض أُرسلت إلى مكاتب انتخابية.

وكتب شميدت: "ببساطة، سحب دعم وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية من مسؤولي الانتخابات المحليين سيجعل الانتخابات أقل أماناً".

تصنيفات

قصص قد تهمك