بعد الرسوم الجمركية.. حرب ترمب التجارية تزيد مخاطر الركود الاقتصادي

time reading iconدقائق القراءة - 10
أوراق نقدية من الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني واليورو والين واليوان بالإضافة إلى ملصق يحمل كلمة "ركود". 19 مارس 2025 - Reuters
أوراق نقدية من الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني واليورو والين واليوان بالإضافة إلى ملصق يحمل كلمة "ركود". 19 مارس 2025 - Reuters
دبي -الشرق

أشعلت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، موجة بيع حادة في سوق الأسهم، وأعادت إحياء المخاوف من تعثر الاقتصاد، حسبما أوردت "بلومبرغ".

ويقول الاقتصاديون إن احتمال حدوث انكماش اقتصادي، قد ازداد بعدما أعلن ترمب فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق، كانت أعلى مما توقعه العديد من المحللين. ومن المخاوف المتزايدة الأخرى، من وجهة نظر الاقتصاديين ومراقبي السوق، خطر حدوث تباطؤ في النمو بالتزامن مع تسارع التضخم، وهو سيناريو مخيف يُعرف باسم الركود التضخمي.

وخلال فعالية أقيمت في حديقة الورود بالبيت الأبيض، الأربعاء الماضي، كشف ترمب عن تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% على شركاء التجارة العالميين، حيث تواجه العديد من الدول، بما في ذلك الصين وفيتنام ودول الاتحاد الأوروبي، رسوماً أعلى بكثير. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار جميع أنواع السلع الاستهلاكية، بما في ذلك السيارات والإلكترونيات والملابس، إذا ظلت التعريفات سارية.

وقد تميل الشركات، غير المتأكدة من خطوة ترمب التالية وتأثير الرسوم الجمركية، إلى تجميد قرارات الاستثمار، مما قد يؤثر سلباً على النمو. بالإضافة إلى ذلك، تدهورت ثقة المستهلك في الأشهر الأخيرة، ويحذر الاقتصاديون من أن هذا المزاج السلبي قد ينذر بتراجع في إنفاق المستهلك، المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. 

ما هو الركود؟

غالباً ما يُفهم الركود على أنه فترة انكماش في الناتج الاقتصادي لفصلين متتاليين. لكن لجنة تأريخ دورة الأعمال التابعة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو هيئة رسمية، تُعرّف الركود بأنه: "انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي ينتشر في جميع أجزاء الاقتصاد، ويستمر لأكثر من بضعة أشهر".

ولتحديد ما إذا كان الاقتصاد قد دخل مرحلة الركود، أو  أنه بصدد الحدوث، تنظر اللجنة في ثلاثة معايير: العمق والانتشار والمدة، وتأخذ في الاعتبار عوامل مثل التوظيف والإنفاق المعدل حسب التضخم والإنتاج الصناعي والدخل. ويقول المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، إن البيانات القوية التي تظهر في أحد المقاييس تعوض أحياناً البيانات الأضعف من مقياس آخر. على سبيل المثال، كان الركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة في عام 2020 واسع النطاق، وتميز بانخفاض حاد في النشاط الاقتصادي، ولكنه كان قصيراً للغاية، إذ استمر شهرين فقط.

وقدَّر الاقتصاديون الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم في أواخر مارس، قبل الإعلان عن الرسوم الجمركية الأخيرة، احتمال حدوث ركود في العام المقبل بنسبة 30%، بزيادة عن 25% في استطلاع فبراير.

لماذا يشعر الناس بالقلق؟

انخفض إنفاق المستهلكين بشكل حاد في يناير (ويرجع ذلك جزئياً إلى سوء الأحوال الجوية خلال الشهر)، ولكن بدلاً من الانتعاش في فبراير، لم ترتفع النفقات إلا قليلاً، وفقاً للبيانات الصادرة في 28 مارس. وتسارع معدل التضخم الأساسي، وهو مقياس رئيسي.

وحسب "بلومبرغ"، فقد أثارت هذه الأرقام، إلى جانب رسوم ترمب الجمركية وعدم اليقين الذي تجلبه، مخاوف بشأن آفاق النمو الاقتصادي. وقد زادت تصريحات ترمب نفسه من مخاوف الناس. فعندما سُئل في مقابلة أجريت معه في 9 مارس الماضي بشأن ما إذا كان يتوقع ركوداً هذا العام، قال ترمب إن الاقتصاد الأميركي يواجه "فترة انتقالية". في غضون ذلك، انخفضت أسعار الأسهم. واعتباراً من 3 أبريل، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 12% عن أعلى مستوى له على الإطلاق الذي بلغه في منتصف فبراير.

والرسوم الجمركية، كتلك التي فرضها ترمب على الصلب والألومنيوم، تزيد من تكلفة إنتاج المنتجات على المصنّعين. لكن هذه الرسوم تؤثر أيضاً بشكل مباشر على السلع الاستهلاكية المستوردة، مثل السيارات. وغالباً ما تنتقل هذه التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى. وقد يتراجع المستهلكون، في مواجهة ارتفاع الأسعار أو المخاوف بشأن الأمن الوظيفي، عن الإنفاق، مما يُبطئ النمو. وعندما تختار الشركات تحمُّل التكاليف، يمكن أن يؤثر ذلك على الأرباح، ويُعيق خطط التوسع.

ما الذي يحاول ترمب فعله؟

لكن الرسوم الجمركية نفسها ليست وحدها التي قد تطرح إشكالية للاقتصاد، إذ يمكن أن يدفع تزايد حالة عدم اليقين الشركات إلى تأجيل عمليات التوظيف والاستثمار. ومن المحتمل أن يُؤدي التراجع الحاد والمستمر في سوق الأسهم إلى كبح الإنفاق بين الأميركيين ذوي الدخل المرتفع، الذين كانوا محركاً رئيسياً للاستهلاك في السنوات الأخيرة. ويتوقع بعض الاقتصاديين أن جهود إدارة ترمب لتقليص القوى العاملة الفيدرالية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان أكثر من نصف مليون وظيفة بحلول نهاية عام 2025.

لا يشعر الجميع بالقلق بشأن الرسوم الجمركية. فقد صرّح ستيفن ميران، كبير المستشارين الاقتصاديين لترمب، بأن الأميركيين سيتكيفون. وقد جادل ترمب نفسه بأن البلاد ستكون في وضع أفضل على المدى الطويل، حيث تدفع الرسوم الجمركية الشركات إلى نقل وظائفها وقطاع التصنيع إلى الولايات المتحدة.

ماذا عن الركود التضخمي؟

ترى "بلومبرغ" أن حرب ترمب التجارية تشكل خطرين يتمثلان في تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار. ومن النادر نسبياً أن تتزامن هاتان الحالتان، ولكن إذا حدث، فسيؤدي ذلك إلى ما يُطلق عليه الاقتصاديون اسم "الركود التضخمي".

صاغ السياسي البريطاني، إيان ماكلويد، هذا المصطلح في عام 1965. وشكك العديد من الاقتصاديين في السابق في إمكانية حدوث الركود التضخمي، وهو مزيج من "الركود" و"التضخم". ذلك لأن تباطؤ الطلب عادةً ما يحدّ من أسعار السلع والخدمات التي يمكن للشركات فرضها، مما يؤدي إلى تباطؤ نمو الأسعار.

 وفي الولايات المتحدة، يرتبط الركود التضخمي عموماً بالأزمة الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي، وهي فترة شهدت ارتفاعاً حاداً في معدلات البطالة، وأدى ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء الاقتصاد.

خفّض الاقتصاديون تقديراتهم للنمو في عام 2025، ورفعوا توقعاتهم للتضخم، لكنهم يستبعدون حدوث أزمة بحجم تلك التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي. وصرحت سوزان كولينز، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، في 27 مارس، بأن التعريفات الجمركية ستؤدي "حتماً" إلى زيادة التضخم على المدى القريب. ويتوقع بعض المسؤولين، مثل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أن تكون أي زيادة من هذا القبيل مؤقتة، بينما يحذر آخرون من خطر استمرار التضخم.

وإذا ظل نمو الأسعار مرتفعاً بالتزامن مع تباطؤ الاقتصاد، فسيتعين على الاحتياطي الفيدرالي الاختيار بين دعم سوق العمل أو مواجهة التضخم.

ما الذي يُحفز الركود؟

تشير "بلومبرغ" إلى أن حالات الركود لا تتشابه أبداً، ولكن غالباً ما يكون سبب الانكماش الاقتصادي صدمة من نوع ما، مثل ارتفاع أسعار النفط، أو في حالة الانكماش الاقتصادي لعام 2020، جائحة فيروس كورونا. كما يمكن أن يكون الركود أيضاً انعكاساً لاختلالات متراكمة في الاقتصاد، مثل فقاعة "الدوت كوم" التي تطورت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وانفجرت قبل ركود عام 2001.

وخلال ما يسمى بـ"الركود الكبير" في الفترة ما بين 2007 و2009، كان السبب هو تراكم في الرهن العقاري عالي المخاطر لفترة طويلة، قبل أن يتسبب تراجع سوق الإسكان في انهيار النظام المالي.

ما الذي يحدد حجم الركود؟

هناك بعض الطرق لقياس شدة الركود، بما في ذلك المدة والانتشار ومدى انكماش الاقتصاد وعدد الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم. عادة ما تكون أسوأ حالات الركود هي تلك المقترنة بنوع من الانهيار في النظام المالي، كما حدث في الولايات المتحدة في عامي 2007 و1929.

استمر الركود في الفترة 2007-2009 لمدة 18 شهراً، مما يجعله الأطول منذ "الكساد الكبير". وكان الركود الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا قصير الأمد، لكن معدل البطالة ارتفع إلى 14.8%، وهو أعلى معدل منذ بدء تسجيل البيانات في أربعينيات القرن الماضي، أما ركود عام 2001، فقد كان قصيراً ومعتدلاً نسبياً.

هل سيكون الركود حاداً؟

تؤكد "بلومبرغ" أنه من المستحيل توقع حدة الركود. من الناحية الإيجابية، كانت السمة المميزة لاقتصاد ما بعد الجائحة هي مرونته. فقد تجنبت الولايات المتحدة ركوداً اقتصادياً في عام 2022 عندما كان الاقتصاديون يعتقدون أنه أمر مؤكد تقريباً. وأنهى الاقتصاد عام 2024 على أسس متينة، وحتى الآن، لا تزال معدلات تسريح العمال منخفضة بشكل عام (على الأقل خارج الحكومة الفيدرالية).

تأثير الركود على البطالة

ومع ذلك، هناك علامات متزايدة على التوتر، تشير الوكالة، خاصة بين الأميركيين ذوي الدخل المنخفض. فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع رأي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في فبراير أن تصورات الأسر الأميركية حول احتمال تخلفها عن سداد ديونها في الأشهر الثلاثة المقبلة ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ أبريل 2020.

علاوة على ذلك، قد لا يميل ترمب والجمهوريون في الكونجرس إلى دعم الاقتصاد المتذبذب. ويُنظر إلى الدعم المالي الهائل لعامي 2020-2021 على أنه ساهم في مشكلة التضخم في أميركا، بالإضافة إلى وجود مخاوف متزايدة بشأن العجز المالي.

كيف سيتأثر الاقتصاد العالمي؟

وتخلص "بلومبرغ" إلى أن الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية، تتشابك مع الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، وهي حقيقة أصبحت أكثر وضوحاً بعد موجة ترمب من الرسوم الجمركية. وتتمتع هذه الرسوم بإمكانية التأثير ليس فقط على الأميركيين، ولكن أيضاً على أقرب شركاء أميركا التجاريين. ولكن حتى لو سقطت الولايات المتحدة في حالة ركود، فهذا لا يعني أن بقية العالم سيفعل ذلك. 

وفي حين شهدت الولايات المتحدة 11 حالة ركود منذ عام 1950، وفقاً للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، فإن البنك الدولي يتحدث عن خمس حالات ركود عالمية فقط في نفس الإطار الزمني: 1975، 1982، 1991، 2009 و2020.

تصنيفات

قصص قد تهمك