
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الثلاثاء، أن تقديم الرئيس الصيني شي جين بينج تنازلاً من جانبه في أزمة الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة "أمر غير ممكن سياسياً أو اقتصادياً"، معتبرة أنه يريد إيصال رسالة للجميع بأنه "غير قابل للترهيب".
وتناول تقرير "نيويورك تايمز" 3 مؤشرات رئيسية على عزم بكين عدم التراجع أمام الضغوط الأميركية، مشيرة إلى أن ذلك "قد يقوض شرعية شي الذي رسم لنفسه صورة المنقذ الوطني وقائد نهضة البلاد"، بالإضافة إلى أن قادة الصين يرون أن المواجهة مع ترمب "حتمية"، كما لفت إلى أن "الرسائل الرسمية الصينية تؤكد الإصرار على المواجهة وإن كانت التكاليف باهظة".
وأضافت الصحيفة أن شي أبقى على تحديه في مواجهة التهديد الأخير الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على السلع الصينية ما لم تتراجع بكين عن تعريفاتها الانتقامية على الواردات الأميركية.
وبعد عدم إلغاء بكين رسومها الجمركية المضادة على البضائع الأميركية بحلول الموعد النهائي الذي حدده ترمب ظهر الثلاثاء، أعلن البيت الأبيض دخول رسوم على الصين بنسبة 104%، حيز التنفيذ، بدءاً من منتصف ليل الثلاثاء إلى الأربعاء (بالتوقيت المحلي)، ما أعاد أسواق الأسهم الأميركية إلى المنطقة الحمراء، بعدما سجلت في بداية تداولات الثلاثاء، أقوى ارتفاع لها منذ نوفمبر 2022.
ووصفت وزارة التجارة الصينية، الثلاثاء، التهديد الأميركي بـ"الابتزاز"، وقالت إن بكين "ستقاتل حتى النهاية".
وأشارت الصحيفة إلى أن "تظاهر شي بالشجاعة" يكمن خلفه مجموعة حقائق "أكثر تعقيداً" تجعل تقديمه أي تنازلات لمصلحة الولايات المتحدة شريكها التجاري الأكبر والمنافس الرئيسي لها على النفوذ العالمي "أمراً غير ممكن سياسياً أو اقتصادياً".
حرب تجارية "مدمرة"
ومع تمسك ترمب أيضاً بموقفه، بات من شبه المؤكد اندلاع حرب تجارية "مدمرة" بين أكبر اقتصادين، في مواجهة قد تكون لها تبعات مؤلمة تمتد آثارها إلى مختلف أنحاء العالم، بحسب "نيويورك تايمز".
وترى الصحيفة أن مأزق شي يكمن في أن الظهور بمظهر الضعف "ليس خياراً وارداً"، في حين أن الرد بالمثل ينطوي على مخاطر التصعيد، لافتة إلى أن "الزعيم الصيني كان قد رسم لنفسه صورة المنقذ الوطني، الذي يقود نهضة الصين واستعادة عظمتها".
ونتيجة لذلك، لا تتمتع بكين بقدر كبير من المرونة للتراجع عن الدخول في صراع مع واشنطن، مثلما حاول شركاء تجاريون آخرون للولايات المتحدة مثل فيتنام؛ لأن ذلك قد يُقوّض شرعية شي، كما يقول محللون للصحيفة.
3 ركائز صينية
وأوضح جوليان جويرتز، المسؤول السابق عن شؤون الصين في البيت الأبيض والخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق جو بايدن، والذي يعمل حالياً على تأليف كتاب حول العلاقات الأميركية الصينية، أن "رد بكين حتى الآن ارتكز على ثلاث ركائز: العزم، والمرونة، والرد بالمثل".
وأضاف في تصريحات للصحيفة: "شي بنى صورته كزعيم قوي يتولى قيادة دولة قوية، والرسائل الرسمية الصينية تؤكد إصرارهم على الوقوف في وجه الضغوط الأميركية، حتى وإن كانت التكاليف باهظة".
واستشهد جويرتز بقرار الصين الأسبوع الماضي إلغاء صفقة لبيع جزء من تطبيق "تيك توك" لمستثمرين أميركيين، رداً على موجة الرسوم التي أعلنها ترمب، مشيراً في ذات السياق إلى رفض بكين بيع الموانئ المملوكة لشركة "سي كيه هاتشيسون" في منطقة قناة بنما.
وانتقد ترمب مراراً ما اعتبرها "سيطرة الصين" على قناة بنما التي تتعامل مع حوالي 3% من التجارة البحرية العالمية سنوياً، وسط شعور مسؤولين في واشنطن بقلق متزايد بشأن وجود الشركات الصينية في المنطقة.
إجراءات انتقامية
ويتماشى ذلك أيضاً مع تهديد الصين، الثلاثاء، باتخاذ المزيد من "الإجراءات الانتقامية" إذا مضى ترمب في فرض رسوم إضافية بنسبة 50% على السلع الصينية.
وأعلنت بكين استعدادها للحوار، لكنها ترفض التفاوض تحت الضغط.
ويرى محللون أن القادة الصينيين يعتقدون أن المواجهة مع إدارة ترمب "حتمية".
وشملت الرسوم التي أعلنها ترمب الأسبوع الماضي دولاً مثل فيتنام وتايلندا، حيث أقامت شركات صينية مصانع لتفادي الرسوم السابقة. ومن منظور بكين، يُعد ذلك دليلاً على إصرار واشنطن على كبح صعود الصين.
وقال رايان هاس، مدير مركز "جون إل. ثورنتون" المعني بالشأن الصيني في مؤسسة "بروكينجز"، للصحيفة: "من هذا المنظور، فإن الاستجابة لمطلب ترمب الأخير لا تحقق مكاسب تُذكر، لأنها لن تعالج التحدي الجوهري الذي تمثله الولايات المتحدة. وفي أفضل الأحوال، قد تُسهم فقط في تأجيل نية واشنطن لتدمير الاقتصاد الصيني".
ووفق "نيويورك تايمز"، فإن هذه التوترات المتصاعدة تجعل من اللقاء المحتمل بين شي وترمب أمراً مستبعداً بشكل متزايد.