أثار تصاعد النشاط العسكري الصيني في تايوان على مدى السنوات الماضية، قلقاً عالمياً واسع النطاق، إذ تدعي بكين أن تايبيه جزء من أراضيها، فيما تلقى الأخيرة دعماً أميركياً كبيراً، وسط مخاوف من غزو عسكري صيني محتمل.
ويعود سبب التوتر القائم منذ عقود بين البلدين، إلى أن الحكومة الصينية ترى تايوان مقاطعة منشقة "ستصبح في النهاية جزءاً من البلاد مرة أخرى"، كما ذكر العديد من المسؤولين الصينيين في تصريحات سابقة.
لكن، كيف بدأ هذا التوتر؟ وهل تسعى بكين إلى استعادة الجزيرة التايوانية عسكرياً؟
بالعودة إلى البداية، فإن جزيرة تايوان ظهرت للمرة الأولى في السجلات الصينية في عام 239 بعد الميلاد، حين أرسل إمبراطور صيني قوة استكشافية لاستكشاف المنطقة، وهو ما تستخدمه بكين كورقة لدعم مطالبتها الإقليمية بضم تايبيه.
وبعد فترة وجيزة نسبياً من الاستعمار الهولندي للجزيرة (1624-1661)، كانت تايوان تُدار من قبل أسرة تشينغ الصينية من 1683 إلى 1895، كما ذكر تقرير سابق لشبكة "بي بي سي" البريطانية.
الشعوب الأولى
منذ القرن الـ17، بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين الصينيين في النزوح هرباً من الاضطرابات وظروف الحياة القاسية، وكان معظمهم ينحدر من شعوب "هوكلو" و"هاكا" من مقاطعتي فوجيان وغوانغدونغ، والمجموعتان من أكبر الشعوب الديموغرافية التي شكلت التعداد السكاني في تايوان لاحقاً.
بعد الحرب العالمية الثانية، تخلت اليابان عن الأراضي التي احتلتها من الصين، وكانت تايوان جزءاً من تلك الأراضي، ومنذ ذلك الوقت، بدأت بكين في حكم تايوان بموافقة حلفائها آنذاك، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ولكن في السنوات القليلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات ماو تسي تونغ الشيوعية، قوات الزعيم آنذاك تشيانغ كاي تشيك عن الحزب القومي الصيني (الكومينتانغ)، فما كان منه إلا أن فر هو وحكومته إلى تايوان في عام 1949 ليفرض سيطرته السياسية هناك.
وبعد أن واجهت حكومة تشيانغ مقاومة من قبل السكان المحليين المستائين من الحكم الاستبدادي، وتحت ضغط من حركة ديمقراطية متنامية، بدأت عملية التحول الديمقراطي في البزوغ.
قاد الرئيس لي تنغ هوي، المعروف بـ"أبو الديمقراطية" في تايوان، تغييرات دستورية نحو تخطيط سياسي أكثر ديمقراطية، ما أدى في النهاية إلى انتخاب تشن شوي بيان، كأول رئيس من خارج مجموعة "تشيانغ" في الجزيرة عام 2000.
"بدايات جيدة"
خلال فترة الثمانينات، بدأت العلاقات بين الصين وتايوان بالتحسن، حتى طرحت الصين صيغة تعرف باسم "دولة واحدة ونظامان" تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين. وتم إنشاء هذا النظام في هونغ كونغ الخاضعة للحكم الذاتي، لاستخدامه كعرض لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البر الرئيسي.
إلا أن تايوان رفضت العرض، لكنها خففت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين. وفي عام 1991، أعلنت أيضاً انتهاء الحرب مع بكين.
وبقيت 3 جزر كبيرة خارج سيادة جمهورية الصين الشعبية، قبل استعادتها وهي: هونغ كونغ التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني حتى عام 1997، وماكاو التي كانت خاضعة للاستعمال البرتغالي، وفورموزا المستقلة (التي اتخذت لاحقاً اسم تايوان).
شغلت تايوان مقعداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واعترفت بها العديد من الدول الغربية باعتبارها الحكومة الصينية الوحيدة.
ولكن في عام 1971، حولت الأمم المتحدة الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين، وتم إجبار حكومة جمهورية الصين (تايوان) على الانسحاب. ومنذ ذلك الحين، انخفض عدد الدول التي تعترف بتايوان دبلوماسياً بشكل كبير إلى نحو 15 دولة.
في عام 2000، حين انتخبت تايوان تشين شوي بيان رئيساً، شعرت بكين بالقلق، بعد أن أيد تشين صراحةً "الاستقلال التام".
النقطة الفاصلة
وبعد عام من إعادة انتخاب تشين في عام 2004، أصدرت الصين ما يسمى بقانون مناهضة الانفصال، والذي ينص على حق الصين في استخدام "الوسائل غير السلمية" ضد تايوان، التي تمتلك دستوراً خاصاً بها ونحو 300 ألف جندي في قواتها المسلحة، إذا حاولت "الانفصال" عنها.
وفي عام 2016، تم انتخاب رئيسة تايوان الحالية تساي إنغ ون، التي تقود الحزب الديمقراطي التقدمي المائل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.
وبعد فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016، جرت مكالمة هاتفية بينه وبين تساي، هي الأولى لرئيس أميركي مع الإدارة التايوانية، بعد انقطاع العلاقات الأميركية التايوانية رسمياً في عام 1979.
وعلى الرغم من عدم وجود علاقات رسمية، فإن الولايات المتحدة تعهدت بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من قبل الصين من شأنه أن يسبب "قلقاً شديداً" قد يستدعي تدخلات.
وطوال عام 2018، صعّدت الصين ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من أراضيها عبر مواقعها على الإنترنت، وهددت بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا فشلت في الامتثال لقواعدها بهذا الشأن.
وبعد أن فازت تساي بولاية ثانية في عام 2020، كانت هونغ كونغ تشهد شهوراً من الاضطرابات والتظاهرات ضد النفوذ المتزايد للبر الرئيسي الصيني، وهو تطور كان المسؤولون في تايوان يراقبونه عن كثب.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، بدأت الصين بتنفيذ قانون الأمن القومي في هونغ كونغ، والذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع أنه علامة أخرى على أن بكين أصبحت أكثر حزماً في المنطقة.
في المقابل، كثفت الولايات المتحدة تواصلها مع تايوان وطمأنة تايبيه بدعمها المستمر. وفي سبتمبر الماضي، أرسلت واشنطن مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الخارجية لزيارة الجزيرة.
وانتقدت بكين بشدة الاجتماع، وحذرت الولايات المتحدة من "إرسال أي إشارات خاطئة" بشأن استقلال تايوان "لتجنب إلحاق ضرر شديد بالعلاقات الصينية الأميركية".
وخلال الزيارة المثيرة للجدل، أجرت بكين تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في الممر المائي الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي. وهذا العام، قالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إن التزامها تجاه تايوان "صلب للغاية".
وفي الأيام القليلة الأولى من رئاسة بايدن، أبلغت تايوان عن "توغل كبير" من قبل الطائرات الحربية الصينية على مدى يومين. وفي 12 أبريل الماضي، قالت الحكومة التايوانية إن مقاتلات صينية عسكرية كانت تحلق فوق منطقة الدفاع الجوي الخاصة بها لمدة عام.
ورداً على ذلك، حذر الأدميرال جون أكويلينو، قائد قيادة وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) في المحيطين الهندي والهادئ، من أن "الغزو الصيني لتايوان أقرب إلينا مما يعتقد".
من جانبه، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي، الجنرال مارك ميلي، إن "الصين لن تخاطر بمحاولة غزو تايوان عسكرياً، على الأقل خلال العامين المقبلين".
وفي أحدث حرب كلامية بين البلدين، قال الجيش الصيني إن على تايوان أن تدرك أن مستقبلها يكمن في "إعادة توحيدها" مع الصين، منبّهاً إلى أنها لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة.
من جهته، قال وزير الخارجية في تايوان، جوزيف وو في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، الخميس: "نحن بحاجة إلى الاستعداد للصراع العسكري مع الصين"، مشدداً على أن "التصعيد الصيني يظهر أننا بحاجة إلى الاستعداد لنزاع عسكري محتمل"، في إشارة إلى دخول مقاتلات صينية الأجواء التايوانية.
ودخلت 28 طائرة حربية صينية، بما في ذلك مقاتلات وقاذفات قادرة على حمل أسلحة نووية، منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، الثلاثاء الماضي، في عملية هي الأضخم حتى الآن، بين التي أعلنتها تايبيه.
جاء ذلك، بعد وقت وجيز على إصدار قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بياناً مشتركاً يوبّخ بكين في ملفات عدة، مؤكداً أهمية السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وهو ما اعتبرته الصين "افتراءً" عليها، كما أفادت وكالة "رويترز".