
أصاب نهج الإدارة الأميركية في التفاوض مع حلفاء مختارين بشأن الرسوم الجمركية، غالبية البلدان الأخرى المتضررة بحالة من عدم اليقين، إذ ترى أكثر من 15 دولة أن هناك ارتباكاً في إدارة دونالد ترمب التي تستعد لبدء مفاوضات مع 70 دولة.
ونقلت مجلة "بوليتيكو"، عن مسؤولين في البيت الأبيض، قولهم إن ترمب فتح الباب أمام عدد قليل من الدول الحليفة بينها، فيتنام، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان، لإجراء مفاوضات جادة مع إعطاء الأولوية لشركاء التجارة الحاليين الذين يشكلون أهمية استراتيجية، لمواجهة الصين.
واعتبر المسؤولون أن هذا التوجه يعني أن أغلب البلدان عالقة، وتنتظر اهتمام أكبر اقتصاد في العالم، في حين تدفع أعلى معدل على الصادرات إلى الولايات المتحدة منذ ما يقرب من قرن.
وأوقف ترمب بعض أعلى التعريفات الجمركية التي فرضها في وقت سابق من هذا الأسبوع، لكنه ترك رسوماً بنسبة 10% فرضها على جميع البلدان في 2 أبريل، وترك تلميحات إلى أنه مهتم بإزالة الحواجز الأخرى أمام التجارة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "بوليتيكو" في أكثر من 15 دولة، بينها 5 شركاء تجاريين رئيسيين في آسيا، وجود ارتباك بشأن نهج الإدارة.
وقال دبلوماسي من دولة آسيوية قريبة من المفاوضات: "نحن لا نعرف حقاً ما تريده إدارة ترمب"، فيما قال مسؤول آخر يمثل دولة آسيوية أخرى: "لم يخبرنا أحد بأي شيء إطلاقاً".
ولفت المسؤولان إلى أن الافتقار إلى الوضوح من جانب الإدارة يشير إلى "عملية صنع صفقة تفاعلية دون اتجاه واضح".
الصين مستهدفة
ويعكس التركيز المبكر على الدول الآسيوية التي تربطها علاقات بالصين هدف الإدارة المتمثل في الحد؛ مما تقول إنه "شحنات غير قانونية واسعة النطاق وغسل البضائع الصينية بشكل فعال من خلال دول ثالثة"، بما في ذلك فيتنام وكمبوديا.
وقال دبلوماسيون في سفارتيْ دولتين تعدان شريكين تجاريين آسيويين رئيسيين، إن موظفيهم "كانوا يساعدون في التوسط في الاتصالات بين البيت الأبيض ومسؤولي التجارة في بلديهما الأصليين".
ويُثير نهج الإدارة الأميركية حالة من عدم اليقين بشأن قدرتها على إبرام اتفاق مع جميع الدول بحلول الموعد النهائي الذي فرضه ترمب على نفسه، والذي يُحدد موعد عودة ما يُسمى بالرسوم الجمركية المتبادلة حيز التنفيذ بعد 90 يوماً.
وترك ترمب مجموعة واسعة من الدول تتحمل رسوماً جمركية بنسبة 10%، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى بطء الاقتصاد العالمي، ويرهق الدول التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة، حتى لو كانت حريصة على إبرام صفقة.
وأعرب دبلوماسيون آسيويون عن شعورهم بالارتباك إزاء سياسة الإدارة التجارية وصعوبة إجراء مناقشات مثمرة في ظل التراجع المفاجئ الذي أعلنه ترمب، الأربعاء، عن حجم ما يُسمى الرسوم الجمركية الأصلية المفروضة بمناسبة "يوم التحرير".
وقال كين وينشتاين، رئيس قسم اليابان في معهد "هدسون" والسفير الأميركي السابق المعين لدى اليابان خلال إدارة ترمب الأولى: "يتطلب الأمر أكثر من مجرد إلغاء الرسوم الجمركية، يتطلب إزالة الحواجز غير الجمركية، وهي بالغة الأهمية، والاستثمار. لكن السؤال هو: إلى أي مدى يمكن للناس أن يذهبوا لإرضاء الإدارة؟".
وأشارت الولايات المتحدة إلى أن قرار إسرائيل بإلغاء رسومها الجمركية على السلع الأميركية "لم يكن كافياً" للتوصل إلى اتفاق مبكر، حتى بعد أن التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ترمب وجهاً لوجه.
ورُفض العرض العلني الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، بإلغاء جميع الرسوم الجمركية على السيارات والسلع الصناعية بين الولايات المتحدة والاتحاد.
تهميش الشركاء
وتُهمّش استراتيجية الإدارة الأميركية فعلياً كبار شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وتضع الاتحاد الأوروبي إلى جانب الصين وكندا والمكسيك، في انتظار التوصل إلى اتفاق، إذ يشكل الاتحاد الأوروبي والصين وكندا والمكسيك مجتمعةً أكثر من 3.1 تريليون دولار من إجمالي التجارة مع الولايات المتحدة.
وقال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي: "جميع الدول تُطرق أبواب البيت الأبيض في آنٍ واحد، لذا فلا عجب أنهم لا يستجيبون للجميع، ولكن ماذا كانوا يتوقعون من الرسوم الجمركية العالمية؟ إنها فوضى عارمة".
وأضاف أن قادة الاتحاد الأوروبي يتساءلون الآن عما إذا كان "هذا تكتيكاً لعقد الصفقات أم بدايةً لتحول جذري في نظرة الولايات المتحدة للتجارة العالمية. وهذا يُقلقنا بشدة".
واستعرضت "بوليتيكو" تجربة المبعوث التجاري لكوريا الجنوبية، تشيونج إن كيو، الذي التقى الممثل التجاري الأميركي، جيميسون جرير، الثلاثاء، لمناقشة الرسوم الجمركية البالغة 25% على واردات سول.
وفي اليوم التالي، خفض ترمب هذه الرسوم إلى 10% لمدة 90 يوماً على كوريا الجنوبية ودول أخرى مستهدفة، باستثناء الصين. وقال تشيونج إنه على الرغم من هذا الالتباس، فقد عاد إلى بلاده "بإطار عمل للمفاوضات على أساس كل بند على حدة، لا سيما في ما يتعلق بالصلب والسيارات".
وقال دبلوماسي آسيوي آخر إن بلاده ترغب في التحدث مع فريق ترمب بشأن صفقة، لكنها لا تتوقع أن تكون على رأس القائمة؛ لأنها ليست شريكاً تجارياً كبيراً، ومع ذلك، لا تزال العديد من الدول تشيد بتقدم محدود نحو إلغاء الرسوم الجمركية بشكل دائم.
وأقر دبلوماسي هندي بوجود خلافات في المحادثات شبه اليومية بين مسؤولين من المستوى الأدنى من كلا البلدين، وقال إنهم ما زالوا "واثقين من إمكانية سد الفجوات قبل إعادة فرض الرسوم الجمركية".
أما فيتنام، فقد احتفلت بانطلاق المحادثات الرسمية لمعالجة الرسوم الجمركية المتبادلة في منشور للحكومة عبر موقع "إكس"، ولكن على الرغم من أن الدولتين تعملان ضمن فترة التوقف البالغة 90 يوماً، إلا أن المنشور ذكر أن "البلدين بحاجة إلى التفاوض قريباً على اتفاقية تجارية ثنائية لوضع إطار عمل طويل الأجل".
وأعلنت اليابان استعدادها للتفاوض بشأن الحواجز غير الجمركية، إذ أفادت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (NHK)، الجمعة، بأن طوكيو سترسل وزير الاقتصاد أكازاوا ريوسي إلى واشنطن لإجراء محادثات ومناقشة "الحواجز غير الجمركية وأسعار الصرف".
تنازلات محفوفة بالمخاطر
ولكن أي جهد لإزالة الحواجز غير الجمركية سيجعل المفاوضات أكثر صعوبة، بحسب "بوليتيكو".
ويرى خبراء تجاريون أنه إذا سعت الإدارة الأميركية إلى إزالة الحواجز المزعومة، مثل ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة مبيعات تطبقها 175 دولة، أو ضرائب الخدمات الرقمية، فإنها ستطلب من الدول إعادة هيكلة قاعدتها الضريبية لتلبية مطالب ترمب.
وأشارت الإدارة إلى أنها تأمل في إزالة الحواجز التي تمنع الصادرات الزراعية الأميركية إلى دول مثل أستراليا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، إذ يمكن أن تُشكّل هذه الحواجز تحدياً كبيراً، نظراً للديناميكيات السياسية المحيطة بالمزارعين المحليين واللوائح البيئية.
وقال ويليام راينش، المسؤول التجاري الأميركي السابق والمستشار الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "إن تقديم هذا النوع من التنازلات محفوف بالمخاطر".
وتتمتع الدول الأصغر ذات الاقتصادات الأقل نمواً بمساحة أقل للمناورة، عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات لإزالة كل من الرسوم الجمركية المتبادلة ورسوم ترمب الثابتة البالغة 10% على جميع الواردات، وليس من الواقعي بالنسبة لها على المدى القصير معالجة المشكلات المتعلقة بالعجز التجاري بشكل هادف.