أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، الاثنين، أنها قررت اعتبار 12 موظفاً في السفارة الفرنسية وممثلياتها القنصلية في الجزائر "أشخاصاً غير مرغوبين فيهم"، مع إلزامهم بمغادرة الأراضي الجزائرية خلال 48 ساعة، معتبرة أن هذا الإجراء جاء رداً على وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الذي اتهمته بالسعي لـ"إهانة الجزائر".
وذكر بيان الخارجية الجزائرية أن الموظفين الـ12 "يعملون جميعاً تحت وصاية وزارة الداخلية الفرنسية"، مشيراً إلى أن هذا الأجراء يأتي رداً على ما وصفته بـ"الاعتقال الاستعراضي والتشهيري في الطريق العام" من قبل هيئات تابعة لوزارة الداخلية الفرنسية في حق "موظف قنصلي جزائري" في باريس.
وأوقفت السلطات الفرنسية موظفاً قنصلياً جزائرياً ووضعته رهن الحبس في 8 أبريل الجاري، بعد اتهامه في قضية تتعلق بـ"اختطاف" تعود لسنة 2024، لناشط جزائري مقيم في فرنسا، يدعى أمير بوخرص ويلقب بـ"أمير ديزاد"، والذي ينشط على وسائل التواصل الاجتماعي ويعرّف نفسه كـ"معارض للنظام الجزائري".
واعتبر بيان الخارجية الجزائرية أن "هذا الإجراء المشين والذي يصبو من خلاله وزير الداخلية الفرنسي لإهانة الجزائر، تم القيام به في تجاهل صريح للصفة التي يتمتع بها هذا الموظف القنصلي، ودونما أدنى مراعاة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية، وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة".
"تطاول على السيادة الجزائرية"
ووصفت الخارجية الجزائرية توقيف موظفها القنصلي بـ"التصرف المتطاول على السيادة الجزائرية"، معتبرة أنه "لا يمثل إلا نتيجة للموقف السلبي والمخزي المستمر لوزير الداخلية الفرنسي تجاه الجزائر".
وأضافت: "إن هذا الوزير الذي يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة، يفتقد بشكل فاضح لأدنى حس سياسي، إن القيام باعتقال مهين لموظف قنصلي محمي بالحصانات والامتيازات المرتبطة بصفته ومعاملته بطريقة مشينة ومخزية على شاكلة سارق، يتحمل بموجبه الوزير المذكور المسؤولية الكاملة للمنحى الذي ستأخذه العلاقات بين الجزائر وفرنسا في الوقت الذي بدأت فيه هذه العلاقات دخول مرحلة من التهدئة، إثر الاتصال الهاتفي بين قائدي البلدين والذي أعقبته زيارة وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر".
وبرزت هذه القضية بعد أقل من أسبوع من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، يوم 6 أبريل، والتي شهدت إعادة إطلاق التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وبعد أقل من أسبوعين من المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون، التي أنهت أزمة دامت ثمانية أشهر بين البلدين.
"المعاملة بالمثل"
وحذر بيان الخارجية الجزائرية من أن "أي تصرف آخر يتطاول على سيادتها من طرف وزير الداخلية الفرنسي، سيقابل برد حازم ومناسب على أساس مبدأ المعاملة بالمثل".
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية ذكرت في بيان، مساء السبت، أن الجهة المشرفة على التحقيق في قضية توقيف الموظف القنصلي الجزائري هي مديرية الأمن الداخلي الفرنسي (DGSI) التابعة لوزارة الداخلية، التي يقودها برونو روتايو.
ويعتبر وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو من أبرز المنتقدين للحكومة الجزائرية في فرنسا، كما أنه قاد حملة خلال الأشهر الأخيرة من أجل إلغاء اتفاق 1968 للهجرة، واتخاذ إجراءات تصعيدية ضد الجزائر.
كما سبق للرئيس الجزائري أن صرح لصحيفة "لوبينيون" الفرنسية، أن الجزائر قررت وقف التعاون مع DGSI لأن "كل شيء يأتي من روتايو مشكوك فيه".
ويسعى روتايو إلى رئاسة حزب "الجمهوريين" (اليميني)، المتحالف مع حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وهي كتلة سياسية معروفة بسياستها المناوئة للجزائر، وسبق للخارجية الجزائرية أن اتهمت هذه الكتلة بالوقوف خلف التوترات الأخيرة بين البلدين.
ويسعى روتايو إلى رئاسة "الجمهوريين" استعداداً للترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 2027، كما يقول اليسار الفرنسي إنه يستخدم ملف الهجرة لكسب مزيد من النقاط استعداداً لهذه الاستحقاقات.
وزير الخارجية الفرنسي يهدد بالرد فوراً
ودعا وزير الخارجية الفرنسي بارو السلطات الجزائرية إلى التراجع عن قرارها بطرد الموظفين في السفارة الفرنسية، وهدد بالرد على هذا الإجراء "فوراً".
وقال بارو في تصريحات أوردتها "لوموند"، "أدعو السلطات الجزائري إلى التخلي عن هذه التدابير لطرد الموظفين، والتي ليس دليها أي علاقة بالإجراءات القضائية الحالية"
وأضاف بارو أنه في حال "تم الإبقاء على قرار طرد دبلوماسيينا، فلن يكون أمامنا خيار سوى الرد الفوري".
وكانت الخارجية الجزائرية اعتبرت أن توقيف موظفها القنصلي هو "تطور جديد وغير مقبول من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، ولن يسهم في التهدئة".