
أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزمها تجميد مبلغ 2.2 مليار دولار من المنح المخصصة لجامعة هارفارد، إلى جانب عقد بقيمة 60 مليون دولار، وذلك بعد رفض الجامعة الامتثال لقائمة من الطلبات التي اعتبرتها "غير قانونية"، وتتعلق بتقليص سلطة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على شؤون الجامعة، بين خطوات أخرى، حسبما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز".
وجاء في بيان الجامعة عبر منشور في منصة "إكس"، حمل اسم رئيسها آلان جاربر: "لا ينبغي لأي حكومة، بغض النظر عن الحزب الحاكم، أن تملي ما يمكن للجامعات الخاصة أن تدرسه، ومن يمكنها قبوله وتوظيفه، وما هي مجالات الدراسة والاستقصاء التي يمكنها متابعتها".
وطلبت إدارة ترمب، الجمعة، في رسالة وجهتها إلى جامعة هارفارد "تقليص سلطة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على شؤون الجامعة، والإبلاغ عن الطلاب الأجانب الذين يرتكبون انتهاكات سلوكية على الفور إلى السلطات الفيدرالية، وإشراك طرف خارجي للتأكد من أن كل قسم أكاديمي يتمتع بتنوع وجهات النظر".
وطالبت رسالة الحكومة بمجموعة استثنائية من التغييرات التي كان من شأنها إعادة تشكيل الجامعة والتنازل عن درجة غير مسبوقة من السيطرة على عمليات هارفارد للحكومة الفيدرالية.
وكان من شأن هذه التغييرات أن تنتهك المبادئ التي تحظى باحترام كبير في الحرم الجامعي، بما في ذلك الحرية الأكاديمية.
وجاء في رسالة إدارة ترمب: "لقد فشلت جامعة هارفارد في السنوات الأخيرة في الوفاء بشروط حقوق الملكية الفكرية، والحقوق المدنية التي تبرر الاستثمار الفيدرالي".
ما هي مطالب إدارة ترمب من جامعة هارفارد؟
- إجراء عمليات التحقق من الانتحال على جميع أعضاء هيئة التدريس الحاليين والمحتملين.
- مشاركة جميع بيانات التوظيف الخاصة بالجامعة مع إدارة ترمب، وإخضاع نفسها لعمليات تدقيق التوظيف الخاصة بها بينما يتم تنفيذ الإصلاحات، على الأقل حتى عام 2028.
- توفير جميع بيانات القبول للحكومة الفيدرالية، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالمتقدمين المرفوضين والمقبولين، مرتبة حسب العرق والجنسية، ومتوسط الدرجات والأداء في الاختبارات الموحدة.
- إغلاق أي برنامج مرتبط بالتنوع والمساواة والشمول على الفور.
- إعادة هيكلة البرامج الأكاديمية التي تحتوي على سجلات في "معاداة السامية"، بما في ذلك وضع أقسام وبرامج معينة تحت التدقيق الخارجي، وتشمل القائمة كلية اللاهوت والدراسات العليا للتربية، والصحة العامة، وكلية الطب، إلى جانب العديد من الكليات الأخرى.
واتهمت رسالة الإدارة الجامعة بأنها "لم تبذل جهوداً كافية للحد من معاداة السامية، في الحرم الجامعي".
والشهر الماضي، وقع أكثر من 800 عضو من أعضاء هيئة التدريس في جامعة هارفارد على رسالة تحث الجامعة على "معارضة منسقة لهذه الهجمات المناهضة للديمقراطية".
وقالت إدارة ترمب مارس الماضي، إنها تدرس تجميد عقود فيدرالية بقيمة 256 مليون دولار لصالح جامعة هارفارد، بالإضافة إلى 8.7 مليار دولار في ما وصفته بـ"التزامات المنح متعددة السنوات".
ومنذ توليها السلطة في يناير، استهدفت إدارة ترمب الجامعات "بشكل عدواني"، قائلة إنها تحقق في عشرات الجامعات في إطار تحركها للقضاء على جهود التنوع وما تزعم أنه "معاداة السامية المتفشية في الحرم الجامعي".
وأوقف المسؤولون مئات الملايين من الدولارات من الأموال الفيدرالية المخصصة للأبحاث في الجامعات في جميع أنحاء البلاد.
وقاومت جامعات أخرى تدخل الإدارة في التعليم العالي، لكن رد هارفارد، شكل تحولاً كبيراً في نبرة الصرح التعليمي الأكثر نفوذاً في البلاد، والذي تعرض لانتقادات في الأسابيع الأخيرة، بسبب استسلامه لضغوط إدارة ترمب.
أوباما يدعم قرار هارفارد
وفي ردها، قالت جامعة هارفارد إنها أجرت بالفعل تغييرات كبيرة على مدى الأشهر الـ15 الماضية لتحسين مناخ الحرم الجامعي ومكافحة "معاداة السامية"، بما في ذلك تأديب الطلاب الذين ينتهكون سياسات الجامعة، وتخصيص الموارد للبرامج التي تعزز التنوع الأيديولوجي، وتحسين الأمن.
وقالت الجامعة إنها "تشعر بالأسف لأن الإدارة تجاهلت جهود الجامعة وانتقلت بدلاً من ذلك إلى انتهاك الحريات الأكاديمية بطرق غير قانونية".
ولاقى الموقف القوي الذي اتخذته جامعة هارفارد، استحساناً في مختلف مؤسسات التعليم العالي، بعد أن تعرضت الجامعات لانتقادات واسعة النطاق لفشلها في مقاومة هجمات ترمب بشكل "أكثر عدوانية".
وقال الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو خريج جامعة هارفارد، معلقاً على خطوة الجامعة المتخذة: "لقد قدمت جامعة هارفارد مثالاً يحتذى به لمؤسسات التعليم العالي الأخرى، حيث رفضت محاولة غير قانونية وغير مدروسة لقمع الحرية الأكاديمية، في حين اتخذت خطوات ملموسة لضمان قدرة جميع الطلاب في هارفارد على الاستفادة من بيئة من الاستقصاء الفكري والنقاش الدقيق والاحترام المتبادل. نأمل أن تحذو المؤسسات الأخرى حذونا".
وكانت جامعة هارفارد نفسها قد تعرضت لانتقادات شديدة بسبب سلسلة من التحركات في الأشهر الأخيرة، والتي قال أعضاء هيئة التدريس إنها "اتخذت لمعالجة مخاوف ترمب"، بما في ذلك توظيف شركة ضغط ذات علاقات وثيقة مع الرئيس وطرد قادة هيئة التدريس في مركز دراسات الشرق الأوسط.
ورفعت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة هارفارد دعوى قضائية الأسبوع الماضي، سعياً لمنع الإدارة من تنفيذ تهديدها بسحب التمويل الفيدرالي من الجامعة.
وأشاد نيكولاس باوي، أستاذ القانون وأمين صندوق هارفارد في الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات، وهي المجموعة التي رفعت الدعوى، برفض هارفارد لمطالب الإدارة، قائلاً : "أنا ممتن لشجاعة الرئيس جاربر وقيادته. رده يدل على أنه لا يمكن التفاوض بالابتزاز".
بدوره، قال تيد ميتشل، رئيس المجلس الأميركي للتعليم، الذي يمثل العديد من الكليات والجامعات في واشنطن، إن "نهج هارفارد قد يشجع قادة الحرم الجامعي الآخرين لتنفس الصعداء".
وأضاف ميتشل: "هذا يمنح مساحة أكبر للآخرين للتصدي للإدارة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه إذا لم تفعل هارفارد ذلك، فإنها كانت ستقول للجميع: ليس لديكم فرصة، وهذا يعطي الناس إحساساً بالممكن".
ووصف رد هارفارد بأنه "خريطة طريق لكيفية تمكن المؤسسات من معارضة الإدارة في هذه المحاولة للدخول في عملية صنع القرار المؤسسي".
وأضاف ميتشل: "سواءً كان الأمر يتعلق بمعاداة السامية أو التوظيف أو القبول على أساس الجدارة، فإن البنية الأساسية للمشروع الأكاديمي يجب أن تقررها الجامعة، وليس الحكومة".
دعوى ضد إدارة ترمب
وفي تطور ذي صلة، رفعت 9 جامعات بحثية كبرى وثلاث جمعيات جامعية دعوى قضائية ضد إدارة ترمب، الاثنين، لاستعادة 400 مليون دولار من التمويل الذي قالت وزارة الطاقة إنها خفضته الأسبوع الماضي.
وفي بيان، قال مايكل آي كوتليكوف، رئيس جامعة كورنيل، إحدى الجامعات التي انضمت إلى الدعوى القضائية، إن الأبحاث المعنية "حيوية للأمن القومي، والصناعة الأميركية، والقدرة التنافسية الاقتصادية، والتقدم نحو الاستقلال في مجال الطاقة".
ومن بين الجامعات والمؤسسات التعليمية المشاركة في الدعوى، جامعة براون، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وجامعة إلينوي، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة ميشيجان، وجامعة برينستون، وجامعة روتشستر، إذ قالت وزارة الطاقة إنها ستعمل على خفض النفقات العامة أو التكاليف "غير المباشرة" المرتبطة بالمنح بشكل كبير.
وأولت الإدارة اهتماماً خاصاً بقائمة قصيرة من أبرز الجامعات في البلاد، إذ استُهدفت جامعة كولومبيا، وجامعات أخرى في رابطة "آيفي ليج"، بما في ذلك جامعة هارفارد.
والشهر الماضي، وبعد أن قامت إدارة ترمب بسحب 400 مليون دولار من الأموال الفيدرالية من جامعة كولومبيا، وافقت كولومبيا على تنازلات كبرى طالبت بها الحكومة الفيدرالية.
ووافقت الجامعة على وضع قسم دراسات الشرق الأوسط تحت إشراف مختلف وإنشاء قوة أمنية جديدة مكونة من 36 ضابطاً خاصاً مخولين باعتقال الأشخاص وإخراجهم من الحرم الجامعي، لكن المطالب المفروضة على هارفارد مختلفة وأكثر توسعاً، وتطال العديد من جوانب العمليات الأساسية للجامعة.
كما تعرضت جامعة هارفارد لضغوط شديدة من جانب طلابها وأعضاء هيئة التدريس فيها، لكي تكون أكثر حزماً في مقاومة تعدي إدارة ترمب على الجامعة وعلى التعليم العالي بشكل عام