
أعلن المغرب وفرنسا، الاثنين، عن فصل جديد من التعاون الأمني في مجال الهجرة ومكافحة الإرهاب، في أعقاب مباحثات أجريت في الرباط بين وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، ونظيره الفرنسي برونو روتايو.
وشهدت العلاقات بين باريس والرباط تحسناً كبيراً منذ اعتراف فرنسا في صيف 2024 بسيادة المغرب على الصحراء، لتنتهي بذلك سنوات من التوتر، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الهجرة.
"خارطة طريق" لإدارة الهجرة
الموقف الفرنسي الجديد من قضية الصحراء، فتح الباب أمام تعاون أوثق بين البلدين خاصة في مجال الهجرة، إذ اقترح الجانب المغربي اتفاقات جديدة للشراكة والتعاون، ضمن "خارطة طريق للتعاون" بين وزارتي الداخلية بالبلدين "تكون لبنة أساسية"، بحسب بيان لوزارة الداخلية المغربية.
وتشمل الخطة تشكيل مجموعة عمل مشتركة مع المغرب للتحقق من جنسية المهاجرين غير النظاميين المعنيين بقرارات الإبعاد من التراب الفرنسي، بهدف تسهيل هذا الأمر.
وأشاد وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، في إحاطة صحافية عقب المباحثات، بـ"التحسن الهام جداً" في التعاون بين فرنسا والمغرب في مجال الهجرة.
وأضاف روتايو: "لاحظت خلال الأشهر القليلة الماضية، تغييراً مع تحسن هام جداً في مجال إعادة القبول ومحاربة الهجرة غير الشرعية"، مشيراً إلى أنه "على مستوى الآجال، انتقلنا من 26 إلى 18 يوماً، في حين أن عدد عمليات الإعادة القسرية يتزايد بشكل واضح، وتضاعفت نسبة إصدار التصاريح القنصلية".
وتشير إحصاءات وزارة الداخلية الفرنسية، إلى زيادة عدد المرحلين إلى المغرب بنسبة 50.2% سنة 2024 مقارنة مع 2023، ليصل عددهم إلى 1658 مقابل 1104 في 2023.
وفي حديثه عن الهجرة غير النظامية أشار وزير الداخلية الفرنسي، إلى أن الطلاب المغاربة يشكلون اليوم أكبر جالية طلابية في فرنسا، مؤكداً التزام بلاده بتعزيز التعاون في هذا الصدد.
كانت فرنسا خفضت عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة في عامي 2021 و2022 إلى النصف، للضغط على المملكة لاستعادة مزيد من مواطنيها الذين صدرت قرارات بترحيلهم، وهو ما أدى إلى توتر دبلوماسي بين البلدين.
في هذا السياق قال المحلل السياسي عبد الفتاح الفاتحي، إن المغرب بالنظر إلى موقعه الجغرافي كأحد المعابر الرئيسية للهجرة، يسعى إلى تجاوز فكرة أنه حارس حدود أوروبا، نحو خطة أشمل ترفع فرص الهجرة النظامية، في أفق استراتيجية أوروبية - مغربية لمكافحة الهجرة غير النظامية.
وأضاف الفاتحي لـ"الشرق"، أن المغرب يدافع عن "رؤية استراتيجية تؤسس للتعاطي وفق نهج براغماتي مع مسألة الهجرة الآمنة، بما يشمل بلدان المصدر والعبور وبلدان الاستقبال".
"تحالف أمني"
يبرز التعاون الأمني بين البلدين، كأحد الملفات التي تأخذ زخماً في الآونة الأخيرة، خاصة بعد اعتراف باريس بالسيادة المغربية على الصحراء.
ومكن التعاون بين الأجهزة المعنية بالبلدين "من الاحتواء الفعال للتهديد الأمني، وتحقيق مجموعة من النجاحات الملموسة، خاصة من خلال تفكيك شبكات إرهابية وإجرامية"، حسبما ورد في بيان لوزارة الداخلية المغربية.
وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، أكد في هذا السياق أن المغرب، البلد الصديق لفرنسا، يعد "شريكاً ثميناً" في التعاون الأمني.
وقال روتايو إن فرنسا تعول كثيراً على المغرب من أجل تكثيف الجهود المشتركة في المجال الأمني، سواء على جبهة الإرهاب أو على جبهات أخرى. مشيراً إلى اعتقال العديد من كبار تجار المخدرات الذين كانت تبحث عنهم باريس، نتيجة التعاون مع السلطات المغربية.
وفي مارس الماضي، شكر وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانين، المغرب على تعاونه في مكافحة تجار المخدرات، بعد اعتقال اثنين من المشتبه بهم في مراكش، في قضية محمد عمرة الملقب بـ"الذبابة" المعتقل في فرنسا.
وقال وزير الداخلية الفرنسي إن الأمر يتعلق بـ"دينامية غير مسبوقة" في علاقة الصداقة التي تجمع البلدين.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي عبد الفتاح الفاتحي، إن التعاون بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي "بات أمراً حتمياً لا غنى عنه" في مكافحة الجريمة العابرة للحدود. مشيراً إلى أن المغرب أضحى "شريكاً موثوقاً"، وأثبت "فاعلية أجهزته الأمنية" في تحييد الكثير من المخاطر الإرهابية والجريمة العابرة للحدود.
كأس العالم 2030
في سياق متصل اتفق الجانبان على توسيع حق التعاون الثنائي ليشمل مجالي الوقاية المدنية وإدارة الأحداث الكبرى، خاصة المناسبات الرياضية القادمة مثل بطولة كأس العالم 2030.
وقال وزير الداخلية الفرنسي إن فرنسا ستكون رهن إشارة المغرب لتقاسم تجربتها بعد التنظيم الناجح للألعاب الأولمبية.
وأضاف: "سنضع، بكل إرادة وفي إطار الصداقة، هذه الخبرة التي اكتسبناها في خدمة المغرب، حتى يشكل كأس أمم إفريقيا، وكأس العالم لكرة القدم 2030 نجاحين رياضيين مغربيين كبيرين للغاية".
وأشار روتايو إلى أن "التحديات كثيرة، وأنا أعلم أن العلاقة بين بلدينا تمككنا من مواجهتها بأقصى قدر من النجاح، في إطار ثنائي".