
وصفت جامعة "هارفارد" الأميركية مطالب الرئيس دونالد ترمب بشأن استئناف المنح الفيدرالية التي تقدمها الحكومة إلى الجامعة، بأنها تسعى إلى فرض رقابة مباشرة على "البيئة الفكرية" داخل الحرم الجامعي، كما قالت إن وصف الإدارة "يتجاوز الصلاحيات الممنوحة للحكومة الفيدرالية، وينتهك الحقوق التي تكفلها التعديلات الدستورية الأولى (حرية التعبير)".
وقالت الجامعة، في بيان، إنه "على مدار ثلاثة أرباع قرن، قدّمت الحكومة الفيدرالية منحاً وعقوداً لهارفارد وجامعات أخرى، للمساهمة في تمويل أعمال أدّت، بجانب استثمارات الجامعات نفسها، إلى ابتكارات رائدة في المجالات الطبية والهندسية والعلمية، جعلت عدداً لا يُحصى من الأميركيين والبشر حول العالم أكثر صحة وأماناً".
وأضافت "في الأسابيع الأخيرة، هدّدت الحكومة الفيدرالية بشراكاتها مع عدة جامعات، بما في ذلك هارفارد، بسبب اتهامات بمعاداة السامية داخل الحرم الجامعي".
وأشارت في بيانها إلى أن "هذه الشراكات تعد من بين الأكثر إنتاجية وفائدة في تاريخ أميركا، لأنها تحمل وعوداً بتطورات تغيّر مجرى الحياة، من علاجات لأمراض، مثل الزهايمر، والباركنسون، والسكري، إلى اختراقات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والعلوم والهندسة الكمومية، وغيرها"، مشددةً على أن "تراجع الحكومة عن هذه الشراكات يُهدد ليس فقط صحة وسلامة ملايين الأفراد، بل وأيضاً الأمن الاقتصادي وحيوية الأمة الأميركية".
رقابة مباشرة على "البيئة الفكرية"
وذكر البيان أن "الحكومة أصدرت، في وقت متأخر الجمعة، قائمة محدثة وموسعة من المطالب، محذّرة من أنه يجب على هارفارد الامتثال لها إذا رغبت في الحفاظ على العلاقة المالية مع الحكومة الفيدرالية".
ووصفت "هارفارد" هذه المطالب بأن "الهدف ليس التعاون مع الجامعة لمعالجة معاداة السامية بطريقة بنّاءة، بل السعي لفرض رقابة مباشرة على البيئة الفكرية في هارفارد".
وتشمل هذه المطالب إجراء "تدقيق" لوجهات نظر الطلاب، وأعضاء الهيئة التدريسية، والموظفين، وتقليص "قوة" بعض الطلاب، والأساتذة، والإداريين الذين تم استهدافهم بسبب آرائهم "الأيديولوجية"، وفق بيان الجامعة.
وذكرت الجامعة أنها أخطرت إدارة ترمب، من خلال المستشارين القانونيين، بأن "هارفارد" لن تقبل بالاتفاق المقترح، ولن تتنازل عن استقلالها، ولن تتخلى عن حقوقها الدستورية.
وأشارت الجامعة إلى وصف إدارة ترمب للجامعة يتجاوز الصلاحيات الممنوحة للحكومة الفيدرالية، فهو ينتهك الحقوق التي تكفلها التعديلات الدستورية الأولى (حرية التعبير)، ويتعدى الحدود القانونية لسلطة الحكومة بموجب الباب السادس من قانون الحقوق المدنية.
كما أنه يُهدد القيم التي تتمسك بها "هارفارد" كمؤسسة خاصة مكرّسة للسعي نحو المعرفة وإنتاجها ونشرها. ولا يحق لأي حكومة، بغض النظر عن الحزب الذي يقودها، أن تُملِي على الجامعات الخاصة ما يمكنها تدريسه، ومن يمكنها قبوله أو توظيفه، وما هي مجالات البحث التي يمكنها استكشافها.
وأشارت الجامعة، في بيانها، إلى أن شعارها Veritas أو "الحقيقة"، هو ما يوجّهها في هذا الطريق الصعب. فالسعي وراء الحقيقة هو رحلة لا نهاية لها، تتطلب الانفتاح على معلومات جديدة ووجهات نظر مختلفة، ومراجعة المعتقدات باستمرار، والاستعداد لتغيير القناعات.
وأوضحت "هارفارد" أنها "لا تستخف بمسؤوليتها الأخلاقية في محاربة معاداة السامية، وخلال 15 شهراً الماضية، اتخذت خطوات عدة لمعالجة هذه الظاهرة في الحرم الجامعي، وستواصل بذل المزيد من الجهود، وبينما ندافع عن جامعة "هارفارد"، سنواصل:
"هارفارد" تتعهد بمعالجة:
- تعزيز ثقافة نابضة بالحياة تقوم على الانفتاح الفكري في الحرم الجامعي
- تطوير المهارات والأدوات التي تتيح لنا التفاعل البنّاء
- توسيع نطاق التنوع الفكري ووجهات النظر داخل مجتمعنا
- تأكيد الحقوق والمسؤوليات التي نشاركها جميعاً
- احترام حرية التعبير والاعتراض، مع ضمان أن تتم الاحتجاجات في الزمان والمكان والطريقة التي لا تعيق التدريس أو التعلم أو البحث العلمي
- تعزيز الإنصاف والاتساق في الإجراءات التأديبية
- العمل معاً لإيجاد وسائل – متوافقة مع القانون – لرعاية مجتمع جامعي نابض بالحياة، يعكس التعددية ويحترمها ويتبنّاها
وأكدت الجامعة أن "هذه الأهداف لن تتحقق من خلال فرض السلطة بعيداً عن إطار القانون، ولا عبر التدخل في مسار التعليم والتعلم في هارفارد، بل العمل على معالجة أوجه القصور".
وشددت على أن "حرية التفكير والبحث، إلى جانب التزام الحكومة الطويل الأمد باحترامها وحمايتها، مكّنت الجامعات من الإسهام بطرق حيوية في بناء مجتمع حر، وتحسين حياة الناس في كل مكان.. كلنا شركاء في مسؤولية حماية هذه الحرية".
البيت الأبيض: هارفارد لم تلتزم
وفي السياق، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، الثلاثاء، إن "موقف ترمب بشأن هارفارد ثابت، ويستند إلى المنطق السليم، الذي ينص على أن الطلاب الأميركيين اليهود أو من أي خلفية، لا ينبغي أن يتعرضوا للمضايقة والاستهداف بشكل غير قانوني في حرم الجامعات الأميركية"، مؤكدةً أن "هناك حالات تعرضت إلى هذا التمييز غير القانوني في هارفارد"، وفق تعبيرها.
وأضافت ليفيت، خلال مؤتمر صحافي أن "هناك العديد من الأمثلة التي تثبت ذلك (تعرض طلاب أميركيين)، لا سيما الاعتراف الصادم من رئيسة جامعة هارفارد آنذاك، كلودين جاي، والتي قالت إن التنمر والمضايقة يعتمدان على السياق".
وأشارت إلى أن "ترمب شدد حينها أنه لن يتسامح مع المضايقات غير القانونية ومعاداة السامية التي تُرتكب في انتهاك للقانون الفيدرالي.. وقد وجّه رسالة واضحة إلى هارفارد: التزموا بالقانون الفيدرالي، وتوقفوا عن انتهاك الباب السادس من قانون الحقوق المدنية، الذي أقرّه الكونجرس لضمان عدم تعرّض أي طالب للتمييز على أساس العِرق مقابل تلقي الجامعة تمويلاً فدرالياً.. وللأسف، لم تلتزم هارفارد بذلك".