
دعا الرئيس الصيني شي جين بينج خلال جولته الآسيوية دول المنطقة للوقوف ضد "الهيمنة السياسية، وسياسات فرض النفوذ، ومواجهة التكتلات"، في وسط حرب تجارية مع الولايات المتحدة، عارضاً الشراكة مع بلاده كـ"بديل أفضل"، وحض على التضامن بين أعضاء "الأسرة الآسيوية".
وسيحل شي في كمبوديا الخميس، آخر محطات جولته الآسيوية التي شملت فيتنام وماليزيا، في مسعى لتقوية علاقات بلاده وشراكاتها الاقتصادية مع الدول الثلاث المتضررة من الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وعد مراقبون جولة شي "استثمار محسوب" في الغياب الأميركي بمنطقة الإندو-باسيفيك، فيما تسعى بكين إلى خلق نظام آسيوي أقل اعتماداً على الولايات المتحدة، وأصبحت الحرب التجارية التي يقودها ترمب بمثابة "عامل مسرّع" لإقامته، في وقت بات النفوذ الأميركي في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية مهدداً.
وشدّد شي على أهمية التضامن في خطاب ألقاه خلال مأدبة عشاء رسمية في ماليزيا الأربعاء، في وقت تستعد فيه إدارة ترمب لحشد شركائها التجاريين ضمن جهود تهدف إلى عزل بكين اقتصادياً، وفق "بلومبرغ".
وأضاف الرئيس الصيني في العاصمة الإدارية الماليزية بوتراجايا: "ستقف الصين وماليزيا إلى جانب دول المنطقة لمواجهة التيارات الخفية للمواجهة الجيوسياسية ولسياسات التكتلات". وأضاف: "معاً، سنحمي الآفاق المشرقة لأسرتنا الآسيوية".
ووافقت الصين وماليزيا على تعزيز التعاون في مجالات الصناعة، وسلاسل الإمداد، والبيانات، والموارد البشرية. كما التزمت الدولتان بتنفيذ برنامج التعاون الاقتصادي والتجاري الخماسي، والعمل على بناء "مجتمع ماليزي – صيني استراتيجي رفيع المستوى".
"مواجهة الهيمنة وسياسات القوة"
ودعا شي كمبوديا في مقال نشرته وسائل إعلام كمبودية إلى الوقوف ضد الهيمنة السياسية، وسياسات القوة وفرض النفوذ، من أجل الدفاع عن المصالح المشتركة للبلدين وللدول النامية الأخرى، بحسب ما نقلته وكالة أنباء "شينخوا" الصينية الرسمية.
وحض شي كمبوديا على مقاومة سياسات الحمائية التجارية بشكل مشترك، والحفاظ على بيئة دولية "منفتحة وتعاونية".
وفي ماليزيا، دعا شي الدول الآسيوية إلى التوحد في مواجهة النزاعات الجيوسياسية، والنزعة الأحادية، وحماية الأسواق، وقال شي، عقب حضوره مراسم تبادل 31 اتفاقية مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، إن الصين وماليزيا توصلتا إلى توافق بشأن تعميق التعاون في مجالات متعددة، تشمل التجارة والسياحة والنقل عبر السكك الحديدية والزراعة.
وأضاف شي: "في مواجهة الصدمات التي يتعرض لها النظام الدولي الحالي والعولمة الاقتصادية، ستقف الصين وماليزيا، جنباً إلى جنب مع دول أخرى في المنطقة، متحدتين لمواجهة تيارات المواجهات الجيوسياسية والتكتلات، والتغلب على النزعات الأحادية وسياسات الحمائية، والدفاع عن الآفاق الواعدة للتنمية في وطننا الآسيوي المشترك".
التفاوض مع واشنطن بشرط الاحترام
وقالت "بلومبرغ"، إن الصين أبدت استعدادها للانخراط في محادثات تجارية مع إدارة ترمب، لكنها اشترطت اتخاذ عدة خطوات مسبقة، من بينها ضبط التصريحات المسيئة الصادرة عن بعض أعضاء الإدارة، وفقاً لشخص مطلع على موقف الحكومة الصينية.
وذكر المصدر الذي رفض الكشف عن هويته نظراً لحساسية النقاشات، إن بكين تتوقع من واشنطن أيضاً اتخاذ موقف أكثر اتساقاً، وإظهار استعداد لمعالجة مخاوف الصين بشأن العقوبات الأميركية وتايوان.
كما تطالب الصين بأن تعين الولايات المتحدة مسؤولاً مباشراً عن ملف المحادثات يحظى بدعم الرئيس ترمب، وأن يتولى الترتيب لاتفاق يمكن للرئيسين ترمب وشي جين بينغ التوقيع عليه عند لقائهما المرتقب، بحسب الشخص نفسه.
ولفت المصدر أن الشرط الأهم لأي حوار هو ضمان أن يتم التعامل مع المسؤولين الصينيين باحترام. وبينما يتحدث ترمب بلهجة تصالحية عند الإشارة إلى الرئيس شي، فإن أعضاء إدارته يتبنون لهجة أكثر عدائية، مما يثير شكوك بكين بشأن موقف واشنطن الحقيقي.
ورغم أن المصدر لم يحدد أسماءً بعينها، فقد أعربت بكين مؤخراً عن استيائها من تصريحات أدلى بها نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بشأن "فلاحين صينيين"، حيث وصفت وزارة الخارجية الصينية تلك التصريحات بأنها "جاهلة ومهينة" في رد علني نادر على مسؤول أميركي رفيع.
سنتجاهل لعبة الرسوم
وقالت وزارة الخارجية الصينية الخميس، إنها لن تولي اهتماماً إذا ما استمرت الولايات المتحدة في "لعبة أرقام الرسوم الجمركية"، وذلك بعد أن قدم البيت الأبيض توضيحاً يظهر كيف أن الصين تواجه رسوماً جمركية تصل إلى 245 بالمئة بسبب قيامها بإجراءات مضادة.
وذكر البيت الأبيض الثلاثاء، أن إجمالي الرسوم الجمركية على الصين يشمل أحدث الرسوم المضادة والبالغة 125 بالمئة، ورسوماً تبلغ 20 بالمئة على صلة بأزمة الفنتانيل، ورسوماً تتراوح بين 7.5 و100 بالمئة على سلع محددة لمعالجة الممارسات التجارية غير العادلة.
وأعلن ترمب رسوماً إضافية على جميع الدول قبل أسبوعين، قبل أن يلغي الرسوم المرتفعة فجأة عن عشرات الدول مع الإبقاء على الرسوم المضادة المفروضة على الصين.
ورفعت بكين هي الأخرى رسومها الجمركية على السلع الأميركية. وتقول إنه لا يمكن إجراء مشاورات إلا على أساس من الاحترام المتبادل والمساواة.
تحذيرات الاحتياطي الفيدرالي
وفي واشنطن، حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من أن التوترات التجارية قد تُقوّض أهداف البنك المتعلقة بالتوظيف واستقرار الأسعار.
وأدت تحذيرات باول إلى موجة جديدة من التقلبات في "وول ستريت"، حيث عادت مؤشرات الأسهم الأميركية إلى الهبوط الحاد، بينما ارتفعت الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة والذهب.
وبعد يومين من الهدوء النسبي، عادت الضغوط إلى الأسواق مع إشارة باول إلى تبنّي سياسة "الترقب وانتظار البيانات" تجاه حملة الرسوم التي يشنّها ترمب، ما بدد الآمال بتدخل سريع من الفيدرالي لطمأنة المستثمرين.
وتعمقت الخسائر التي بدأت في وقت سابق من الجلسة، عقب إعلان شركتين كبيرتين في قطاع أشباه الموصلات عن نتائج مخيبة ترتبط بالحرب التجارية العالمية.
وعندما سُئل باول خلال مشاركته في "النادي الاقتصادي في شيكاغو" إن كان يرى سيناريو يتدخل من خلاله الفيدرالي لتهدئة الأسواق، أجاب: "لا"، مضيفاً أن هناك الكثير من الأسئلة التي لم تُحسم بعد بشأن تداعيات سياسات ترمب. وتابع: "لا نعلم ذلك بعد، وحتى نعلم، لا يمكننا اتخاذ قرارات مدروسة".
تراجع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 2.2%، في حين تكبّد قطاع التكنولوجيا أكبر الخسائر مع هبوط مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 3% بعد فرض البيت الأبيض قيوداً جديدة على صادرات شركة "إنفيديا" من الرقائق إلى الصين. وتراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 5 نقاط أساس إلى 4.28%.