
قبل عامين، وصفت القائمة المؤقتة بأعمال المندوب الدائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، السفيرة دوروثي شيا، الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه "غير مُبرر" و"غير مشروع"، وحثت المجتمع الدولي على إدانة عدوان موسكو والمطالبة بإنهاء الحرب، أما اليوم، فباتت الدبلوماسية المخضرمة ذاتها في طليعة تمثيل التحول الكبير في السياسة الخارجية الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب، بحسب "أسوشيتد برس".
وأوضحت الوكالة أن شيا، في الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب، كانت هي مَن أعلن عن قرار إدارة ترمب الاستثنائي بالانفصال عن الحلفاء الأوروبيين، ورفض دعم قرار أممي يُحمّل روسيا مسؤولية الغزو.
ورغم أن من المُعتاد أن يبقى الدبلوماسيون في مناصبهم مع تغيُر الرؤساء الأميركيين، فإن بقاء شيا في منصبها المؤقت جعلها، بشكل غير متوقع، وجهاً بارزاً في التحول الأميركي المُذهل على الساحة الدولية، إذ يواصل نهج ترمب "أميركا أولاً" تغيير النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب الوكالة.
ومن المتوقع أن تستمر شيا في منصبها لفترة أطول من المُخطط، خاصةً بعد قرار ترمب، في مارس، سحب ترشيح النائبة إليز ستيفانيك لمنصب سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، في ظل الحاجة للحفاظ على الأغلبية الضئيلة للجمهوريين داخل مجلس النواب الأميركي.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن فيليب ريكر، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون أوروبا، قوله: "وضع (شيا) فريد من نوعه، لأنه يعكس التغيير الاستثنائي، ليس فقط من إدارة إلى أخرى، بل في حقبة من السياسة الخارجية الأميركية". وأضاف: "التغيير في التصويت الذي حدث في الأمم المتحدة بشأن حرب روسيا وأوكرانيا كان بمثابة نقطة تحول حقيقية في سياسة الولايات المتحدة".
تصويت أممي يعكس التغير الأميركي
في 24 فبراير، صوّتت الولايات المتحدة ضد مشروع قرار أوكراني مدعوم من أوروبا يطالب بالانسحاب الفوري للقوات الروسية، وبينما أشار مشروع قرار أميركي بديل إلى "الخسارة المأساوية في الأرواح"، ودعا إلى "إنهاء سريع للصراع"، فإنه لم يذكر عدوان موسكو في الوقت الذي بدأت فيه إدارة ترمب مفاوضات مع الأخيرة لوقف إطلاق النار.
وفي كلمتها في ذلك الوقت، قالت شيا إن "الاستمرار في الانخراط بالمواجهات الكلامية في نيويورك قد يجعل الدبلوماسيين يشعرون بالرضا، لكنه لن ينقذ الأرواح في ساحة المعركة". وأضافت: "دعونا نثبت لأنفسنا ولشعوبنا أننا قادرون على التوحد والاتفاق على المبادئ الأساسية.. دعونا نُظهر لبعضنا البعض أن الرؤية الجريئة للسلام التي أخرجتنا ذات يوم من الجحيم يمكن أن تنتصر".
واعتبرت الوكالة أن هذه الرسالة مثلت "تراجعاً صادماً" للولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي لا تُعتبر قراراتها مُلزِمة قانوناً لكنها تُعتبر مقياساً للرأي العام العالمي، مشيرة إلى أنها عززت مخاوف بعض حلفاء واشنطن بشأن ما قد تعنيه فترة ولاية ترمب الثانية للشراكات طويلة الأمد عبر الأطلسي، وما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تظل حصناً منيعاً ضد المعتدين مثل روسيا.
أما بالنسبة لشيا، فقد كان ذلك مجرد يوم آخر في العمل، حيث أمضت أكثر من 30 عاماً في العمل الدبلوماسي تحت إدارة العديد من الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، من بيل كلينتون إلى ترمب، ملتزمة بتنفيذ سياساتهم حتى لو كانت تُخالف المواقف الأميركية الراسخة.
ونقلت الوكالة عن زميل شيا السابق ونائب السفير الأميركي، روبرت وود، الذي تقاعد مؤخراً، قوله: "لا أعرف ما هي آراؤها الشخصية بشأن الأمور، لكن الإدارات تتغير، والسياسات تتغير، ووظيفتك كدبلوماسي هي الدفاع عن تلك السياسات".
مسيرة دبلوماسية
وقد شملت مسيرة شيا المهنية فترات عمل في جنوب إفريقيا، حيث شهدت انتخاب نيلسون مانديلا كأول رئيس مُنتخب ديمقراطياً، وفي إسرائيل، حيث عملت على عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ونشأت شيا في ضواحي واشنطن، وكان والدها من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية، ووالدتها ناشطة في جمعية الصداقة اليابانية-الأميركية المحلية.
وقد أدت تجربة استضافة طلاب التبادل اليابانيين في منزل عائلتها خلال عدة فصول صيفية، ورغبتها في فهم الأحداث العالمية، إلى دفعها لدراسة العلاقات الدولية في جامعة فيرجينيا، وبعد التخرج، حصلت على عرض عمل في السلك الدبلوماسي الأميركي.
وترقت شيا في المناصب حتى اختارها ترمب في العام 2019 لتكون سفيرته في لبنان، حيث تصدرت الدبلوماسية الهادئة (شيا) عناوين الصحف لانتقادها العلني لحزب الله، ما دفع قاضياً لبنانياً إلى إصدار حكم بمنع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من إجراء مقابلات معها لمدة عام، قائلاً إن انتقادها لحزب الله "مثير للفتنة ويشكّل تهديداً للسلم الاجتماعي".
وفي عام 2023، رشَّح الرئيس الأميركي السابق جو بايدن شيا لتكون نائبة سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة.
وليس من الواضح متى ستسلم شيا منصبها إلى شخص آخر مُعتمد من مجلس الشيوخ، فقد خضعت النائبة ستيفانيك لجلسة استماع لتأكيد ترشيحها، لكن تم سحب الترشيح الشهر الماضي لأن تصويتها لصالح أجندة ترمب يعد حاسماً للجمهوريين في مجلس النواب.
وتعد عضوة الكونجرس الجمهورية (ستيفانيك) رابع مرشحة من قبل الرئيس الأميركي لا تجتاز عملية تأكيد التعيين، ولم يذكر ترمب أي اسم بديل ليحل مَحلها.
ووفقاً للوكالة، ستتولى شيا حتى ذلك الحين زمام الأمور في لحظة حرجة للسياسة الخارجية الأميركية، حيث تقوم بالترويج لتغييرات كبيرة في التعامل مع الحلفاء والخصوم، على حدٍ سواء، والدفاع عن خفض الإدارة للمساعدات الخارجية.
وكان البيت الأبيض قد اقترح مؤخراً المزيد من التخفيضات الكبيرة في ميزانية وزارة الخارجية، بما في ذلك إلغاء التمويل المُخصص لجميع المنظمات الدولية تقريباً، مثل الأمم المتحدة.
وصحيح أن هذا الاقتراح لا يزال في مراحله الأولية، لكنه يعكس التوجه الانعزالي للإدارة، والذي يُشكّل تحدياً كبيراً لتفويض الأمم المتحدة وعملها، إلى جانب عدم اليقين فيما يتعلق بالتمويل، وفقاً لـ "أسوشيتد برس".
من جانبها، رفضت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة الرد على طلب الوكالة الحصول على تعليق، كما لم ترد وزارة الخارجية الأميركية فوراً على طلب مماثل.