
تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أعقاب رفض حركة "حماس" لمقترح التهدئة وتبادل الأسرى الذي قدمته إسرائيل عبر وسطاء إقليميين ودوليين، ما تسبب بموجة غضب جديدة في الشارع الإسرائيلي، لا سيما بين عائلات المحتجزين في قطاع غزة.
في قلب هذه الأزمة، يبرز اتهام يتردد بقوة في أوساط المعارضة الإسرائيلية وعائلات المحتجزين، وهو أن نتنياهو يرفض التوصل إلى صفقة شاملة تؤدي إلى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين دفعة واحدة، في حال كان ذلك يتطلب وقف الحرب.
كما أن خصوم نتنياهو يتهمونه بتفضيل استمرار الحرب لضمان بقاء ائتلافه الحاكم، حتى على حساب حياة المدنيين المحتجزين في غزة.
هجوم اليمين المتطرف
وفي أعقاب رفض المقترح الإسرائيلي، سارع وزراء من اليمين المتطرف إلى تصعيد الموقف، والمطالبة بتوسيع الحرب على قطاع غزة.
وكتب وزير المالية المتشدد بتسلئيل سموتريتش عبر منصة "إكس": "لن تستسلم إسرائيل أبداً لحماس، ولن تنهي الحرب بدون نصر كامل. حان الوقت لفتح أبواب الجحيم، وتعميق القتال حتى السيطرة الكاملة على غزة، وتنفيذ خطة ترحيل السكان الطوعية".
أما وزير الأمن الداخلي إيتمار بن جفير فذهب أبعد، قائلاً: "لا صفقة، لا وقف لإطلاق النار، فقط استمرار القتال حتى تركع حماس".
انقسام في التصريحات الرسمية
وفي الوقت الذي التزمت فيه الحكومة الإسرائيلية الصمت الرسمي تجاه تصريحات القيادي في "حماس" خليل الحية، التي رفض فيها المقترح الإسرائيلي، أطلقت مصادر سياسية وعسكرية تصريحات متباينة عبر وسائل إعلام إسرائيلية.
ونقلت قناة i24NEWS عن مسؤول إسرائيلي قوله، إن "المفاوضات لا تزال قائمة"، وإن "الضغط العسكري سيتصاعد"، لكنه شدّد على أن أي اتفاق يجب أن يضمن إنهاء وجود حماس العسكري والسياسي في غزة.
كما ذكر مصدر أمني لـ"القناة 12" أن "الرفض من جانب حماس سيقابله تصعيد جوي وبري وبحري، وخطط الجيش جاهزة مسبقاً". أما صحيفة "هآرتس" فنسبت لمصدر رسمي قوله، إن إسرائيل "لن تقبل بوقف الحرب دون تدمير حماس".
تفاصيل المقترح الإسرائيلي
ووفقاً لتسريبات إعلامية، تضمن المقترح الإسرائيلي وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لمدة 45 يوماً، وإطلاقاً تدريجياً للمحتجزين الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، مع إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في غزة، وإدخال مساعدات إنسانية.
كما تضمّن المقترح بدء مفاوضات حول اليوم التالي للحرب، وتفكيك سلاح "حماس"، مع بند يتيح إمكانية تمديد الهدنة المؤقتة باتفاق الطرفين.
غير أن الشق الثاني من المقترح، والمتعلق بتخلي "حماس" عن سلاحها، وخروج قياداتها من القطاع مقابل وقف الحرب، فأثار موجة استياء داخلي في إسرائيل، خصوصاً في أوساط المعارضة وعائلات المحتجزين.
سخط عائلات المحتجزين
ووجّه منتدى "الحياة – عائلات لإنقاذ الأسرى" انتقادات لاذعة لطاقم المفاوضات الإسرائيلي وعلى رأسه وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، داعياً إياه للاستقالة ما لم يُحرز تقدماً في الملف.
وعبّرت عائلات كثيرة عن فقدانها الثقة في المسار التفاوضي، معتبرة أن التلكؤ السياسي يرقى إلى "حكم بالإعدام" على من تبقى من المحتجزين الذين لن تشملهم المرحلة الأولى من الصفقة.
وقالت والدة أحد المحتجزين، أفيناتان أور، إن ما طُرح عليهم في الاجتماع مع ديرمر "كان خطة جزئية، لا تتضمن ضماناً لإعادة أبنائنا"، مشيرة إلى أنهم خرجوا من الاجتماع "مرهقين ويائسين".
أزمة قيادة أم مأزق تفاوضي؟
وتركز الانتقادات الموجهة لنتنياهو على ما يعتبره خصومه "تسييساً مفرطاً" للملف الإنساني المرتبط بالمحتجزين. وتشير تحليلات أمنية إسرائيلية إلى تآكل الزخم العسكري في غزة، في ظل صعوبات في تجنيد الاحتياط وارتفاع الكلفة السياسية والدبلوماسية للحرب.
ويقف الشارع الإسرائيلي الآن أمام معضلة تتأرجح بين التمسك بأهداف الحرب القصوى، وضغوط الرأي العام الذي ينادي بـ"صفقة الآن". ومع رفض "حماس" للمقترح الأخير، يبدو أن إسرائيل مقبلة على تصعيد ميداني، لكن مع تصاعد أزمة ثقة داخلية تهدد بتغيير قواعد اللعبة السياسية.