
مع تأكيد الصين انفتاحها على "التشاور مع الجانب الأميركي" بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية، بشرط "الاحترام المتبادل"، تستمر ضغوط الرسوم الجمركية الأميركية على التجارة العالمية، رغم تعليقها، ما يدفع حكومات الصين والاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إلى خلق بدائل وتعزيز مرونة سلاسل التوريد الإقليمية.
ودفعت "الحرب الجمركية" الأميركية إلى محادثات رفيعة المستوى بين الصين وأوروبا، ومؤخراً مع بلدان من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث أجرى الرئيس الصيني شي جين بينج، في الفترة ما بين 14 إلى 18 أبريل الجاري، أولى جولاته هذا العام، والتي شملت فيتنام، ماليزيا وكمبوديا.
وتُظهر بيانات وزارة التجارة الصينية أن الصين ظلت أكبر شريك تجاري لـ"آسيان" طوال 15 عاماً متتالية.
وتُمثل الصين ورابطة "آسيان" معاً أكثر من خُمس الاقتصاد العالمي، وهما بمثابة محرك حيوي للتنمية الاقتصادية العالمية والإقليمية، خصوصاً بعدما تسببت التعريفات الجمركية الأميركية في اضطرابات عالمية.
وفي ماليزيا، وجّه رئيس الوزراء أنور إبراهيم انتقادات مبطنة للولايات المتحدة، حيث تضررت بلاده بشدة من التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وقال إبراهيم: "ما نشهده اليوم ليس مراجعة صادقة لعيوب العولمة، بل تراجع نحو النزعة القبلية الاقتصادية.. يُستغل الوصول إلى الأسواق كسلاح".
وأضاف أنه "في هذه الأوقات العصيبة، يتوق العالم إلى الاستقرار والثقة والهدف المشترك.. نرى هذا في سلوك الصين".
الصين والاتحاد الأوروبي
خلال الفترة نفسها، شهدت الصين والاتحاد الأوروبي، ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم، اتصالات مكثفة على مستوى رفيع، بهدف تعميق الشراكة الاقتصادية، والاستفادة من ناتجهما المحلي الإجمالي المشترك، الذي يُمثل أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي.
ولفت كوي هونج جيان، مدير مركز دراسات الاتحاد الأوروبي والتنمية الإقليمية في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، في تصريح لـ"الشرق" إلى أن أوروبا تشهد حالياً فترة من الاضطرابات لم تشهدها منذ نهاية الحرب الباردة.
وأضاف أن الولايات المتحدة لا تُمثل سوى 13% من السوق العالمية، داعياً الصين والاتحاد الأوروبي إلى التركيز على المصالح المشتركة في قطاعات التصنيع والطاقة المتجددة والخدمات.
واعتبر كوي أنه "على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال شريكاً تجارياً مهماً لكل من الصين وأوروبا، إلا أنها ليست الخيار الوحيد. فمن خلال تنسيق السياسات التجارية وفتح القطاعات الرئيسية، يُمكن لكليهما تحقيق الازدهار وتخفيف الضغط الأميركي".
وكان حساب Yuyuantantian على مواقع التواصل الاجتماعي التابع لمجموعة الإعلام الصينية (CMG)، أشار في 13 أبريل إلى تقدم في المحادثات الاقتصادية رفيعة المستوى بين الصين والاتحاد الأوروبي. وأشار إلى أن وزير التجارة الصيني وانج ون تاو والمفوض الاقتصادي الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، اتفقا في 8 أبريل على بدء مفاوضات حول التزامات أسعار السيارات الكهربائية.
نمو الاقتصاد الصيني 5.4% في الربع الأول
وشهد الاقتصاد الصيني نمواً بنسبة 5.4% في الربع الأول من العام، متجاوزاً التوقعات، مدعوماً بقوة الاستهلاك والإنتاج الصناعي والصادرات، وفقاً للبيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء في 16 أبريل.
وأعلن شينج لاي يون، نائب رئيس المكتب، بأن الصين أعدت سياسات شاملة لمواجهة التغيرات الخارجية في ظل الارتفاع السريع في الحمائية التجارية العالمية، وتزايد الضغوط على النظام الاقتصادي الدولي.
وأضاف شينج، رداً على سؤال لـ"الشرق"، أنه "على المدى القصير، قد تُسبب زيادة الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة بعض الضغوط على الاقتصاد الصيني والتجارة الخارجية، لكنها لن تُغير المسار الإيجابي للنمو الاقتصادي الصيني على المدى الطويل".
وأظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية، الاثنين الماضي، أن التجارة الخارجية للصين في السلع توسعت بنسبة 1.3% على أساس سنوي، لتصل إلى 10.3 تريليون يوان (1.41 تريليون دولار أميركي) في الربع الأول من هذا العام.
وظلت رابطة "آسيان" أكبر شريك تجاري للصين، حيث شكلت 16.6% من إجمالي حجم التجارة الخارجية للصين، متجاوزة الولايات المتحدة التي شكلت 14.7%، كما جاء في تقرير رسمي بعنوان "موقف الصين من بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة" صدر في 9 أبريل.
الصين تنوّع أسواقها
وفي ما يتعلق بالنزاع الحالي بشأن التعريفات الجمركية الذي أثارته الولايات المتحدة، أكد ليو داليانج، مدير إدارة الإحصاء والتحليل الجمركي في الإدارة العامة للجمارك الصينية، لـ"الشرق" أن التركيز الاستراتيجي للصين ينصب على بناء أسواق متنوعة وتعميق التعاون الصناعي وسلسلة التوريد مع الشركاء العالميين.
ورداً على جولة جديدة من زيادات التعريفات الجمركية الأميركية، أصدرت الحكومة الصينية سلسلة من التدابير الجديدة التي تهدف إلى توسيع وتحسين الاستهلاك في قطاع الخدمات المحلية، كجزء من جهود أوسع نطاقاً لتحفيز الطلب المحلي.
وأعلنت ست غرف وطنية رئيسية للاستيراد والتصدير، إلى جانب خمس جمعيات رائدة للصناعة والتوزيع، وجمعية التجارة الصينية للبضائع العامة، عن مبادرة مشتركة لمساعدة الشركات على توسيع قنواتها، والتواصل مع العلامات التجارية، وتقديم سياسات وخدمات مواتية.
وأعلن عملاق التجارة الإلكترونية الصيني JD.com عن شراء سلع بقيمة 200 مليار يوان (نحو 27 مليار دولار أميركي) من المصدرين الصينيين من العام المقبل، لمساعدتهم على التوسع في بيع منتجاتهم على الصعيد المحلي.
كما انضمت شركات عملاقة في منصات التجارة الإلكترونية، مثل علي بابا، إلى خطط توفير مناطق مخصصة للتجارة الخارجية وقنوات صديقة للبيئة، لدعم الشركات الموجهة نحو التصدير، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
الصين منفتحة على المحادثات "شرط الاحترام"
وزارة التجارة الصينية أعلنت في 16 أبريل أن الولايات المتحدة "تمارس لعبة تعريفات جمركية عبثية"، وأن الصين "ستتجاهلها".
وهددت الوزارة بأنه "إذا استمرت الولايات المتحدة في انتهاك الحقوق والمصالح المشروعة للصين بشكل كبير"، فإنها "ستتخذ إجراءات مضادة حازمة وستستمر حتى النهاية".
كما انتقدت وزارة التجارة الصينية، الجمعة، بشدة الإجراء الأميركي بموجب المادة 301 الصادر عن مكتب الممثل التجاري الأميركي (USTR) بشأن قطاعات النقل البحري واللوجستيات وبناء السفن في الصين، مؤكدةً أن الصين تدين بشدة هذا الإجراء وتعارضه.
وأوضحت الوزارة أن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة تكشف تماماً طبيعة سياساتها الأحادية والحمائية، وهي سلوكيات نموذجية غير سوقية ذات دلالات تمييزية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة التجارة الصينية، هي يونج تشيان، في مؤتمر صحافي، إن موقف الصين واضح وثابت، وأنها لا تزال منفتحة على التشاور مع الجانب الأميركي بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية، لكن الاحترام المتبادل أمر أساسي".
وأضافت أن وزارة التجارة الصينية والأميركية حافظتا، حتى الآن على تواصل على مستوى العمل" بين الطرفين.
وأبدى ترمب رغبته أيضاً في إبرام اتفاق مع الصين، لكنه أشار إلى أنه "ليس في عجلة من أمره".
رغم القيود.. Nvidia مهتمة بالسوق الصيني
وعلى الرغم من الضغوط السياسية الأميركية، فإن "الزيارة المفاجئة" لجينسن هوانج، الرئيس التنفيذي لشركة Nvidia العملاقة للرقائق الإلكترونية، إلى بكين في 17 أبريل، واجتماعاته مع كبار المسؤولين الصينيين وشركة DeepSeek الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، جذبت اهتماما كبيراً، خاصة عندما أعلنت الحكومة الأميركية عن ضوابط تصدير غير محددة لرقائق H2O من Nvidia إلى الصين.
وقال هوانج إن "تشديد الحكومة الأميركية لضوابط تصدير الرقائق كان له بالفعل تأثير كبير على أعمال Nvidia في الصين".
وفي اليوم نفسه، التقى نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ومسؤول الشؤون الاقتصادية والتجارية الصينية الأميركية، هي ليفنج، بهوانج في قاعة الشعب ببكين. ونقلت "وكالة أنباء الأنباء الصينية الرسمية" (شينخوا)، عن نائب رئيس مجلس الدولة قوله، إن بكين ترحب بمزيد من الشركات الأميركية، بما في ذلك Nvidia، للاستثمار في السوق الصينية.
وخلال الاجتماع، أعرب هوانج عن تفاؤله بشأن التنمية الاقتصادية للصين، وأكد أن Nvidia ملتزمة بتعميق حضورها في السوق الصينية، بهدف المساهمة بشكل إيجابي في التعاون الاقتصادي والتجاري بين الولايات المتحدة والصين.
كما تعهد هوانج ببذل "كل جهد" لخدمة السوق الصينية في اجتماع مبكر مع رين هونج بين، رئيس المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية (CCPIT).