ماذا سيحدث إذا رفع ترمب العقوبات عن روسيا؟

تخفيف العقوبات وإنهاء حرب أوكرانيا يدفعان لترقب فرص استثمارية في السوق الروسية

time reading iconدقائق القراءة - 13
صورة غير مؤرخة للساحة الحمراء بالقرب من الكرملين في موسكو، روسيا - بلومبرغ
صورة غير مؤرخة للساحة الحمراء بالقرب من الكرملين في موسكو، روسيا - بلومبرغ
دبي-بلومبرغ

فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها آلاف العقوبات على موسكو بعد الغزو الروسي لأوكرانيا سعياً للجم آلة الحرب الروسية. وفيما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتفاوض على إنهاء النزاع، تلمّح إدارته إلى تخفيف محتمل لتلك القيود من جهة، وتهدد من جهة أخرى باتخاذ إجراءات عقابية جديدة لدفع العملية قُدماً.

واعتبرت "بلومبرغ" أنه يصعب تحديد ما إذا كان ترمب سيُقدم فعلاً على تشديد العقوبات، ففي غضون يوم واحد، قال إنه "غاضب جداً" من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولوّح بفرض رسوم ثانوية على مشتري النفط الروسي في حال أعاقت موسكو التوصّل إلى اتفاق سلام، وما هي إلا ساعات حتى خفف موقفه، قائلاً إنه لا يعتقد أن بوتين "سيتراجع عن كلمته".

إذا قرّر ترمب المضي نحو خيار تخفيف العقوبات، سيتمكن من إلغاء معظمها بموجب صلاحياته التنفيذية. إلا أن يده ليست مطلقة بالكامل، إذ يُشترط الحصول على موافقة الكونجرس لرفع العقوبات الأميركية الأشد، أما على الصعيد الدولي، فسيحتاج إلى إقناع نظرائه في أوروبا وسواها بالتراجع عن عقوبات فرضوها من جانبهم.

ما الذي يدفع ترمب لرفع العقوبات عن روسيا؟

تطرح إدارة ترمب احتمال تخفيف العقوبات كورقة تفاوض في محادثاتها مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإلى جانب السعي لتحقيق السلام، تحضر المصالح التجارية الأميركية أيضاً، إذ ينظر ترمب إلى إعادة رسم العلاقات بين واشنطن وموسكو كفرصة اقتصادية واعدة، في تقارب كان يُعد حتى وقت قريب شبه مستحيل.

كان الرئيس الأميركي أعلن عبر منصته "تروث سوشال" أنه ناقش مع بوتين خلال اتصال هاتفي في فبراير "صفقات كبرى تسهم في النموّ الاقتصادي"، بينما ذكر الكرملين أن الزعيمين تطرقا في اتصال لاحق إلى آفاق التعاون "في مجالي الاقتصاد والطاقة في المستقبل".

ما أهمية رفع العقوبات بالنسبة لروسيا؟

سعى المفاوضون الروس للاستفادة ممّا تتمتع به الولايات المتحدة من تأثير على العقوبات الدولية لينتزعوا تنازلات خلال محادثات السلام، وأكدوا أن تخفيف العقوبات شرط أساسي لأي هدنة مع أوكرانيا في البحر الأسود، وتشمل المطالب السماح بإعادة ربط "البنك الزراعي الروسي" بشبكة "سويفت" العالمية للمدفوعات التي استُبعدت منها كبرى المؤسسات المالية الروسية سعياً لتعطيل تعاملاتها العابرة للحدود.

يُواجه الاقتصاد الروسي معدلات تضخم مرتفعة وضيقاً في سوق العمل، إلا أنه أظهر قدرة على التكيّف مع العقوبات فاقت التوقّعات، بعدما أعاد توجيه جزء كبير من نشاطه نحو التصنيع العسكري. وتمكنت موسكو من التعامل مع سقف الأسعار الذي فرضه الغرب على نفطها والعقوبات على ناقلاتها، عبر التعامل مع مشترين في الصين والهند، واستخدام "أسطول ظلّ" من الناقلات لمواصلة تصدير النفط عالمياً. لكن ما قد يشكل تهديداً أكبر من العقوبات النفطية هو استمرار هبوط الأسعار كما حدث مطلع أبريل، نتيجة تداعيات حرب ترمب التجارية وقرار "أوبك+" لزيادة الإنتاج.

من حيث العقوبات المالية، بدأت روسيا منذ سنوات تقلص اعتمادها على الدولار واليورو، رداً على القيود التي فُرضت بعدما ضمت شبه جزيرة القرم في 2014. وتسارعت وتيرة هذا التحول نحو استخدام عملات بديلة بعد فرض عقوبات واسعة بعد بدء غزو روسيا الشامل لأوكرانيا.

سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تكثيف الضغط على موسكو عبر تجميد أكثر من 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي، معظمها في أوروبا. إلا أن روسيا لديها هامش أمان إن تعذرت استعادة هذه الأصول، إذ يُقدّر أن ارتفاع قيمة احتياطياتها من الذهب ربما يعوّض نحو ثلث تلك الخسائر، وفقاً لحسابات "بلومبرغ".

إلى أي حدّ يستطيع ترمب رفع العقوبات؟

لدى ترمب صلاحية رفع أكثر من 90% من العقوبات الأميركية عبر أوامر تنفيذية، بحسب بيتر بياتيتسكي، الشريك المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة "كاستيليوم إيه آي" (Castellum.AI) التي تبني قاعدة بيانات متخصصة ببرامج العقوبات العالمية.

يستطيع ترمب إنهاء حالات الطوارئ الوطنية التي أُعلنت منذ 2014 رداً على التصعيد التدريجي للعدوان الروسي، وهي تشكل الأساس القانوني لعدد كبير من العقوبات المفروضة عبر أوامر تنفيذية، وبالنسبة للعقوبات الصادرة بموجب صلاحيات رئاسية أخرى، فيمكنه إلغاءها من خلال أوامر تنفيذية ترفع القيود واحداً تلو الآخر أو دفعة واحدة، بما يشمل إلغاء العقوبات المفروضة على شركات وأفراد.

وكبديل عن رفع العقوبات، يمكن لترمب أن يبقيها مع إصدار إعفاءات أو تراخيص تتيح للشركات التعامل مع الكيانات المستهدفة. كما يمكنه تقويض آليات الرقابة المشرفة على تنفيذ العقوبات. في فبراير، حلّت إدارته فريق "كليبتوكابتشر" (KleptoCapture)، وهو قوة عمل دولية شكلها الرئيس جو بايدن للإشراف على تطبيق العقوبات المفروضة على روسيا.

ما العقوبات التي يحتاج ترمب دعم الكونجرس ليرفعها؟

وقّع الرئيس السابق جو بايدن، قبيل مغادرته البيت الأبيض في يناير، أمراً تنفيذياً صعّب على ترمب رفع بعض العقوبات منفرداً، إذ أعاد تصنيف عدد من الكيانات الروسية المستهدفة، وجعل العقوبات المفروضة عليها خاضعة لقانون يوجب إخطار الكونجرس مسبقاً بأي نية لإلغائها، وتشمل هذه الكيانات "غازبروم نفط" و"سورجوتنفتيجاز" (Surgutneftegas) وهما من أكبر شركات النفط الروسية، إلى جانب عدد من الأفراد البارزين والشركات والبورصات.

وإذا قرر ترمب تفتيت هذه الفئة من العقوبات، فسيتطلب ذلك إبلاغ الكونجرس وفترة مراجعة مدتها 30 يوماً، يحق خلالها لمجلسي النواب والشيوخ التصويت على قرار يمنع رفع العقوبات، وتتوجب الموافقة على هذا الإجراء في المجلسين معاً، وأن ينال أغلبية الثلثين ليتجاوز صلاحية الرئيس في استخدام حق النقض (فيتو).

ويمكن لترمب أن يعول على سيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب، وميلهم بشكل عام إلى عدم معارضة خططه، إلا أن كثيراً من النواب الجمهوريين كانوا دعموا أوكرانيا علناً، بل إن بعضهم شارك في جهود تشريعية مع الديمقراطيين لفرض عقوبات إضافية على روسيا في حال رفض بوتين الدخول في مفاوضات جدّية لوقف إطلاق النار أو أخلّ بأي اتفاق مستقبلي، بالتالي، ربما يجد الجمهوريون أنفسهم في موقف حرج إذا طُلب منهم دعم تخفيف العقوبات عن روسيا المعتدية في غياب تسوية موثوقة تفضي إلى السلام.

إلى أي مدى يتطلب تخفيف العقوبات تعاون دول أخرى؟

حين بدأت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، كان اقتصادها في المرتبة 11 عالمياً، ولضمان فعالية العقوبات، عملت عدة حكومات على تنسيق ردودها بشكل مشترك.

وقدّر جريجوري مارينيتشيف، المحامي المتخصص بالأوراق المالية في شركة المحاماة "مورجان لويس وبوكيوس" في نيويورك، أن نحو 80% من العقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية كانت متداخلة حتى أبريل 2025.

وحرصت إدارة بايدن على تنسيق عقوباتها بشكل وثيق مع مجموعة الدول السبع وعدد من الدول الأخرى، ضمن تحرّك منسّق شمل 3 تدابير رئيسية، هي استبعاد البنوك الروسية من نظام "سويفت"، وفرض عقوبات على البنك المركزي الروسي وتجميد أصوله السيادية، وفرض سقف سعري على النفط الخام الروسي عند 60 دولاراً للبرميل.

يمكن لترمب أن يتخذ القرار بأن تنسحب الولايات المتحدة من برنامج العقوبات، ما قد يُضعف فاعليتها، لكنه لا يملك صلاحية إلغائها بمفرده، فنظام "سويفت"، على سبيل المثال، مقرّه في بلجيكا ويخضع لقوانين وعقوبات الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن رفع القيود التي فرضها التكتّل إلا بإجماع 27 دولة يتكون منها الاتحاد.

استبعد تحالف من قادة أوروبيين خلال قمة عُقدت أواخر مارس، أي احتمال لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، حتى أنهم ألمحوا إلى إمكانية تشديدها لزيادة الضغط، وتُعدّ العقوبات ورقة تفاوض محتملة تتيح لأوروبا انتزاع دور في مفاوضات السلام التي تقودها الولايات المتحدة، غير أن المسؤولين الأوروبيين يسيرون على حبل رفيع، فربما يعتبرهم ترمب عقبة أمام التوصل إلى تسوية، ما قد يدفعه إلى الرد بفرض رسوم جمركية إضافية تُلحق الضرر بالاقتصادات الأوروبية.

وسبق لترمب أن أظهر استعداداً للتخلي عن تحالفات تقليدية في سبيل المضيّ قدماً بأجندة "أميركا أولاً"، وإذا انسحبت الولايات المتحدة من منظومة العقوبات متعددة الأطراف على روسيا، فيما تواصل أوروبا التزامها بها، فسيجد المستثمرون والشركات أنفسهم أمام شبكة معقدة من قيود متفاوتة، كما أن تراجع واشنطن سيُفضي إلى واقع تتحمل فيه أوروبا تكلفة العقوبات، بينما تجني الولايات المتحدة الفوائد المحتملة من تطبيع العلاقات مع موسكو.

ما أثر تخفيف العقوبات على الاستثمار الدولي في روسيا؟

إمكانية تخفيف العقوبات وإنهاء الحرب في أوكرانيا دفعت بعض الشركات والمستثمرين الغربيين إلى ترقب الفرص المحتملة في السوق الروسية التي ظلّت شبه مغلقة لأكثر من 3 سنوات.

وقبل الحرب، كان المستثمرون الأجانب يملكون ما مقداره نحو 150 مليار دولار من الأسهم والسندات الحكومية الروسية، وشكّلت تلك الأصول عنصراً رئيسياً في معظم مؤشرات الأسواق الناشئة، لكن غالبية هذه الأموال سُحبت لاحقاً أو بقيت مجمّدة داخل روسيا في حسابات مصرفية تعود لغير المقيمين.

من أولى المسائل التي سينظر فيها المستثمرون هي ما إذا كان اتفاق السلام سيعيد لهم الوصول إلى تلك الأموال المجمّدة، إذ إنّ معظمهم شطب تلك الأصول من حساباته، ما يجعل استعادتها مكسباً غير متوقّع، خصوصاً في ظلّ ارتفاع أسعار الأسهم المحلية وتعافي الروبل منذ انطلاق محادثات السلام.

مع ذلك، ربما يتردد مستثمرون كثيرون بالعودة إلى السوق الروسية، نظراً للسرعة التي تحوّلت بها سابقاً إلى سوق منبوذة، فاستعجال استئناف العلاقات مع دولة مسؤولة عن أكبر نزاع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ينطوي على مخاطر تتعلق بالسمعة، إضافة إلى مخاطر مالية وقانونية إن لم تُرفع العقوبات بالكامل أو أُعيدت لاحقاً.

رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في شركة "جلوبال أكس مانجمنت" (Global X Management) المتخصصة بالصناديق المتداولة، مالكولم دورسون، قال: "أعتقد أن المستثمرين سيكونون حذرين جداً، فقد خسر كثيرون أموالاً طائلة هناك... سيتعين على الشركات الروسية أن تبذل جهداً كبيراً لإثبات جدارتها واستعادة جاذبيتها، وربما يشمل ذلك توزيعات أرباح سخية أو تنفيذ برامج لإعادة شراء الأسهم".

كيف يتعامل المستثمرون مع تباين أنظمة العقوبات؟

حتى تعود الأصول الروسية بشكل كامل إلى الأسواق المالية العالمية، لا بدّ من إعادة إدراجها في المؤشرات الرئيسية للأسهم والسندات، وتُشرف على هذه المؤشرات مؤسسات مالية أميركية كبرى مثل "جيه بي مورجان تشيس" في حين يحرص أصحاب المؤشرات على التشاور مع المستثمرين قبل اتخاذ قرارات جوهرية، وهي عملية تستغرق عادةً عدة سنوات.

وربما تُواجه إعادة إدراج الأصول الروسية في المؤشرات العالمية تعقيدات إذا لم ترفع الحكومات الأوروبية عقوباتها بالتزامن مع الولايات المتحدة. وفي حال حدث هذا التباين، يرى كيران كيرتيس، مدير المحافظ في مجموعة "أبردين"، أن "عودة روسيا إلى المؤشرات العالمية ستكون مستبعدةً حتى وإن كانت تُدار من مزوّدين أميركيين... الحضور الواسع للمؤسسات المالية الأميركية في أوروبا يصعّب عليها تجاهل سياسات العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي".

قبل أن تعود الأصول الروسية إلى التداول ضمن الأسواق المالية التقليدية، لا بد من اتخاذ سلسلة خطوات أساسية. في البداية، يجب رفع العقوبات عن البنوك الروسية لإتاحة المجال أمام المستثمرين الأميركيين لشراء وبيع الروبل.

تلي ذلك خطوة حاسمة هي موافقة شركتي المقاصة الرئيسيتين، يوروكلير (Euroclear) وكليرستريم (Clearstream)، على استئناف تسوية المعاملات المرتبطة بالأوراق المالية الروسية، وهو ما قد يكون معقداً نظراً لوقوع الشركتين ضمن الاتحاد الأوروبي وامتثالهما لعقوباته. للالتفاف على ذلك، ربما يضطر المستثمرون الأميركيون إلى الاعتماد على "المركز الوطني لتسوية الأوراق المالية" في روسيا، رغم خضوعه هو الآخر لعقوبات دولية.

يعتقد مارينيتشيف أن تنفيذ صفقات خارج البورصة ربما يصبح متاحاً بمجرد رفع بعض العقوبات، إلا أن حجم هذه التداولات سيظل على الأرجح محدوداً، ولا يرقى إلى مستويات النشاط التي كانت تسجّلها الأسواق قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

هذا المحتوى من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ

تصنيفات

قصص قد تهمك