
يتوقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى اتفاق مع بكين بشأن الرسوم الجمركية المتصاعدة "خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة"، لكن توقعه يبدو بعيد المنال في ظل جمود التواصل، إذ يُصرّ على إجراء محادثات مباشرة مع الرئيس الصيني شي جين بينج، فيما فضل شي مواجهة الرسوم بتعزيز علاقات بلاده مع الدول الآسيوية المتضررة، وسط مخاوف بكين من تحويل ترمب لأي اجتماع ثنائي إلى "استعراض علني" تفقد فيه الصين اليد العليا.
وعقب إعلان ترمب رسومه الواسعة في 2 أبريل، تلقى البيت الأبيض عشرات المكالمات من دول العالم للتفاوض على الرسوم، إلا أن الصين لم تتواصل مع واشنطن، وقال مسؤولون إن واشنطن أبلغت بكين بأن الرئيس شي جين بينج يجب أن يطلب مكالمة مع ترمب، لكن الصين ردت برسوم انتقامية.
وقال مسؤولون سابقون في الخارجية الأميركية إن ترمب رفض السماح لمبعوثي البيت الأبيض بالتفاوض مع المسؤولين الصينيين في بكين بشأن تهدئة التوتر، وهو ما أعاق جهوداً دبلوماسية أخرى لوقف تصاعد الحرب التجارية بين القوتين العالميتين.
ولم يصادق مجلس الشيوخ بعد على تعيين سفير للولايات المتحدة لدى الصين، كما لم يعين ترمب أي شخص آخر لقيادة المحادثات مع بكين، في حين لم يتواصل البيت الأبيض مع السفارة الصينية لبدء مناقشات.
وأدى غياب أي جهود تواصل ملموسة إلى تجميد التواصل الجاد بين البلدين، كما هدد بإضعاف فرص التوصل إلى حل في المدى القريب.
ودعا سفير الصين لدى الولايات المتحدة، شيه فنج، واشنطن إلى السعي للتوصل إلى توافق مع بكين، والتعايش السلمي، لكنه شدد أيضاً على أن الصين جاهزة للرد في ظل تصاعد الحرب التجارية.
وقال إن"الأرض واسعة بما يكفي لاستيعاب كل من الصين والولايات المتحدة. علينا أن نسعى إلى التعايش السلمي بدلاً من التصادم وجهاً لوجه، وأن نساعد بعضنا بعضاً على النجاح بدلاً من الوقوع في فخ الخسارة المتبادلة".
وقالت "بلومبرغ" الأربعاء، إن الصين أبدت استعدادها للانخراط في محادثات تجارية مع إدارة ترمب، لكنها اشترطت اتخاذ عدة خطوات مسبقة، من بينها ضبط التصريحات المسيئة الصادرة عن بعض أعضاء الإدارة، وفقاً لشخص مطلع على موقف الحكومة الصينية.
وذكر المصدر الذي رفض الكشف عن هويته نظراً لحساسية النقاشات، إن بكين تتوقع من واشنطن أيضاً اتخاذ موقف أكثر اتساقاً، وإظهار استعداد لمعالجة مخاوف الصين بشأن العقوبات الأميركية وتايوان.
"القنوات الخلفية لا تعمل"
وقال رايان هاس، المدير السابق لشؤون الصين وتايوان ومنغوليا في مجلس الأمن القومي إبان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما (2009 - 2017): "القنوات الخلفية لا تعمل لأن الرئيس ترمب لا يريدها أن تعمل. فهو يريد التعامل مباشرة مع الرئيس شي بالطريقة ذاتها التي اعتمدها مع الرئيس بوتين. لا أظنه مهتماً بنقل وجهات نظره عبر وسطاء"، وفق ما ذكرته مجلة "بوليتيكو".
وعبّر ترمب مراراً عن رغبته في التحدث مع شي أو لقائه لتهدئة التوترات التجارية، إلا أن الزعيم الصيني بدا وكأنه يتجاهل هذه المحاولات.
وبدلاً من ذلك، ركّز شي هذا الأسبوع على حشد دول جنوب شرق آسيا لتعزيز علاقاتها مع الصين في مواجهة الرسوم الأميركية، وأدى هذا الجمود الظاهري إلى إزعاج البيت الأبيض.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت: "الرئيس ترمب أوضح أن الكرة في ملعب الصين".
واعتبرت "بوليتيكو"، أن المحادثة المباشرة بين الزعيمين ليست السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق، إذ أن المبعوثين غير الرسميين من البيت الأبيض، الذين يحظون بثقة واشنطن وبكين، يمكنهم وضع الأسس، كما يمنحهم وضعهم غير الرسمي درجة أكبر من المرونة والصراحة في التفاوض مع السلطات الصينية، ما قد يسرّع المفاوضات عند انعقاد الاجتماعات على مستوى أعلى.
مخاوف بكين من لقاء مع ترمب
وقالت ويندي كاتلر، المفاوضة التجارية الأميركية السابقة: "هناك العديد من القنوات الخلفية، بما في ذلك من مجتمع الأعمال الأميركي ومسؤولين سابقين من الجانبين الأميركي والصيني".
وقال البيت الأبيض إن مسؤوليه على تواصل وثيق مع السلطات في بكين، لكنه لم يوضح ما إذا كانت الدبلوماسية الخلفية جزءاً من استراتيجيته.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي برايان هيوز: "إذا كانت النظرية تقول إن البيت الأبيض يعيق المحادثات، فهذا غير دقيق. هناك تواصل على مستويات مختلفة بين الموظفين، وكما قال الرئيس، نحن نرحب بالمحادثات مع السلطات الصينية".
ومن المرجح أن تكون بكين حذرة إزاء الاستجابة لمطالب ترمب بإجراء محادثة مع شي، لأن الزعيم الصيني قد يفقد اليد العليا، خاصة إذا حوّل ترمب اللقاء إلى استعراض علني.
وقال هاس: "البيروقراطية الصينية لن تسمح أبداً لرئيسها بأن يوضع في موقف يفاجأ فيه أو يُهان. بعد حادثة (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، أصبحوا على درجة عالية من اليقظة من احتمال أن يتعرض شي للإهانة، أو يتم تقويضه، أو يُجبر على اتفاق ينهار أمام العالم".
"نقطة اتصال"
وأفادت "بلومبرغ" أن الحكومة الصينية تفضل أن تعين إدارة ترمب شخصاً يكون بمثابة "نقطة اتصال"، ويمكنه بدء المحادثات لإنهاء حرب الرسوم.
وعينت الصين الأربعاء، لي تشينج جانج، وهو مساعد سابق لوزير التجارة، كممثلها الجديد للتجارة الدولية.
وقد يُشير هذا التعيين إلى أن بكين تنتظر من ترمب تعيين مبعوث خاص من جانبه. وقال دانييل راسيل، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ: "غياب قناة رسمية ذات مصداقية هو السبب الرئيسي في أن المكالمة التي يسعى إليها ترمب (مع شي) لم تحدث".
وقال شخص مطلع على الأمر إن جون ثورنتون، الرئيس السابق لشركة جولدمان ساكس والرئيس التنفيذي الحالي لشركة التعدين Barrick Gold Corp، تطوع للتواصل مع بكين.
ولدى ثورنتون سجل من العلاقات مع كبار المسؤولين الصينيين، بمن فيهم وزير الخارجية وانج يي. لكن البيت الأبيض لم يُبد أي اهتمام، حسبما أفاد الشخص ذاته. وامتنع ثورنتون عن التعليق.
والتقى ستيفن أورلينز، رئيس اللجنة الوطنية للعلاقات الأميركية-الصينية، وهي منظمة غير ربحية تربطها علاقات جيدة ببكين، وعضو في وفد تجاري أميركي شي الشهر الماضي، وأعرب عن استعداده للمساعدة إذا تواصل البيت الأبيض معه. وقال: "سأكون سعيدا ًبالمساعدة".
كما التقى السيناتور الجمهوري ستيف داينز رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج في بكين الشهر الماضي، لكن من غير الواضح ما إذا كان فعل ذلك بطلب من ترمب.
وتركز الاجتماع الذي تم قبل إعلان ترمب عن رسومه الجمركية الواسعة تحت مسمى "يوم التحرير"، على دور الصين في أزمة تعاطي المواد الأفيونية في الولايات المتحدة، وليس على النزاع التجاري. ولم يرد داينز على طلب للتعليق.
وتجاهل البيت الأبيض مبادرة أطلقها السفير الصيني السابق لدى الولايات المتحدة، تسوي تيانكاي، في فبراير، حيث كان جزءاً من وفد صيني غير رسمي يسعى إلى فتح قنوات تواصل مع إدارة ترمب.
وقال المصدر المطلع على مبادرة ثورنتون: "حاول تسوي إيجاد طرف للتحدث معه، لكن لم يكن هناك من هو مستعد للتواصل سواءً في نيويورك أو واشنطن".
وقالت "بوليتيكو"، إن ترمب يقيد أيضاً الوصول إلى المشرعين الراغبين في مناقشة الحرب التجارية مع بكين. فقد طلب العديد من المتشددين تجاه الصين في الكونجرس لقاء ترمب دون جدوى، وفقاً لما قاله مساعدان في الكونجرس مطلعان على تلك المحاولات.
وذكرت "بوليتيكو"، أنه لكي تنجح المحادثات، يحتاج القادة الصينيون إلى أن يكون لديهم ثقة بأن نظراءهم الأميركيين يتحدثون باسم الإدارة.
وقال المسؤول الصناعي إن محاولات عدد من رجال الأعمال الأميركيين التواصل مع المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الماضية قوبلت بشكوك في بكين.
وقال راسل: "كنت في بكين مؤخراً، ومن الواضح أن الصينيين يريدون قناة رسمية، لا قناة خلفية. فهم يتشككون عن حق في الأشخاص الذين يدّعون التحدث باسم ترمب أو تفسير نواياه".
لكن الأثر الاقتصادي المتصاعد للرسوم المتبادلة قد يكون الشرارة التي تعيد إشعال النقاش.
وقالت كاتلر: "يُذكرني ذلك بالمواعدة – تنهار الأمور، ثم يتساءل كل طرف: من سيتصل بالآخر؟". وأضافت: "لكن هذه عملية، علينا أن نمنحها بعض الوقت".