
اتخذت إسرائيل، مؤخراً، سلسلة خطوات غير مسبوقة ضد السلطة الفلسطينية وقياداتها، اعٌتبرت بداية تغيير جوهري في قواعد العلاقة التي قامت بين الجانبين منذ تأسيس السلطة قبل أكثر من ثلاثة عقود.
ويخشى مسؤولون فلسطينيون من أن تكون هذه الخطوات مقدمة لخطوات أكثر خطورة منها العمل على تقويض أو تقسيم السلطة لما تمثله من كيان سياسي قد يشكل نواة لدولة فلسطينية مستقبلية.
اقتطاعات مالية باهظة
دأبت إسرائيل على اقتطاع نسبة كبيرة من الإيرادات الجمركية للسلطة الفلسطينية، لكنها في الشهر الأخير اقتطعت أكثر من الثلثين.
وقال الباحث في الشؤون المالية مؤيد عفانة لـ"الشرق": "تعمل الحكومة الإسرائيلية على التفنن في اقتطاع إيرادات السلطة الفلسطينية على نحو جعلها غير قادرة على تغطية نصف نفقاتها التشغيلية".
وأضاف: "عملت إسرائيل، منذ بدء الحرب على غزة، في أكتوبر عام 2023، على اختلاق مجالات جديدة للاقتطاعات المالية، فصارت تقتطع من خلال أربع طرق، وهي اقتطاع كامل قيمة المبلغ الشهري الذي تحوله الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة، واقتطاع قيمة ما تدفعه الحكومة من رواتب ومخصصات مالية لأسر الشهداء والأسرى، واقتطاع ديون الشركات الإسرائيلية على الهيئات المحلية الفلسطينية من كهرباء وماء، واقتطاع قيمة تعويضات تقررها المحاكم الإسرائيلية لمن يطلق عليهم ضحايا الهجمات الفلسطينية".
ومضى يقول: "وفي الشهر الأخير أضافت اقتطاعاً آخر هو ضريبة على السلع التي يشتريها فلسطينيون من حملة الهوية الإسرائيلية أثناء زيارتهم وتسوقهم في الضفة الغربية ما رفع قيمة الاقتطاعات إلى 550 مليون شيكل، فيما لم يتبق من قيمة الإيرادات الجمركية سوى 250 مليون شيكل".
وفي السابق، كانت إسرائيل تقتطع من الإيرادات ما يبقي السلطة الفلسطينية قادرة على الوفاء بالحد الأدنى من التزاماتها، لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية اتبعت منذ السابع من أكتوبر سياسة خاصة، أخذت بموجبها في تغيير قواعد العلاقة القائمة مع السلطة الفلسطينية.
قيود على حركة الرئيس وكبار المسؤولين
وترافقت الإجراءات المالية مع إجراءات أخرى غير مسبوقة في التعامل مع كبار المسؤولين الفلسطينيين.
ومن هذه الإجراءات منع المروحيات الأردنية، نهاية الأسبوع الأخيرة، من الهبوط في رام الله لنقل الرئيس محمود عباس إلى عمان تمهيداً للقيام بزيارة رسمية لسوريا.
ومنها أيضاً منع رئيس الحكومة الدكتور محمد مصطفى من القيام بجولة على أربع قرى تعرضت في الآونة الأخيرة لاعتداءات متكررة من المستوطنين، ومحاولة تفتيش موكب سيارات للرئيس محمود عباس أثناء عودة الموكب من عمان دون وجود الرئيس فيه.
إجراءات ضم للضفة الغربية
ترافقت كل هذه الاجراءات مع تغييرات على الأرض وصفتها بعض وسائل الاعلام الإسرائيلية بأنها "إجراءات ضم للضفة الغربية".
ورصدت صحيفة "هآرتس"، في تقرير الأحد الماضي، العديد من أوجه الضم الجارية للضفة الغربية مثل نقل المسؤولية عن المستوطنات من الجيش إلى إدارة خاصة في وزارة الدفاع يشرف عليها وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموترتش المعروف بدعواته لضم الضفة الغربية لإسرائيل، وطرد وتهجير الفلسطينيين الذين لا يقبلون بالسيادة الإسرائيلية على ما يسميها "أرض إسرائيل".
وكذلك، زيادة التوسع الاستيطاني مشيرة إلى أن عدد خطط التوسع الجديدة في الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري بلغ أكثر من 15 ألف خطة.
وسن قوانين جديدة، وإقامة مشاريع بنى تحتية جديدة مثل محطات الطاقة الشمسية الضخمة وشق الطرق التي تربط شمال إسرائيل بجنوبها عبر الضفة الغربية.
"رسائل إسرائيلية غير مشفرة"
وقال مسؤول فلسطيني مطلع على الملف لـ"الشرق"، إن "الرسائل التي تصلنا من الجانب الإسرائيلي الرسمي تفيد بأن قواعد العلاقة تغيرت بعد السابع من أكتوبر".
وأضاف: "باتوا يرون في السلطة الفلسطينية خطراً وجودياً على الاحتلال بسبب انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وحصولها على مكانة عضو مراقب في الأمم المتحدة، وسعيها للحصول على مكانة عضو كامل العضوية والحصول على المزيد من الاعترافات العالمية بدولة فلسطين على حدود العام 1967 بما فيها القدس الشرقية".
ولطالما اعترف مسؤولون إسرائيليون بأنهم مهتمون بالحفاظ على هذه السلطة التي تقيم علاقات تنسيق أمني عالية مع إسرائيل، بسبب قلقهم من البديل وهو الفوضى.
لكن في الآونة الأخيرة بدأت تظهر أصوات وسياسات مخالفة لهذا الرأي، ومنها رأي مركزي في أحزاب الائتلاف الحاكم مثل "الليكود" و"الصهيونية الدينية" و"عظمة يهودية" يدعو إلى التخلص من السلطة الفلسطينية لما تشكله من "خطر سياسي وقانوني" على الخطط الإسرائيلية.
ولا يستبعد مسؤولون فلسطينيون قيام إسرائيل بإجراءات أخرى مستقبلية ضد السلطة الفلسطينية بهدف تفكيكها وتحويلها إلى سلطات محلية، وفق ما تدعو إليه هذه الأحزاب علانية مستغلة تغيرات جوهرية في السياسة الأميركية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب.