استعرضت صحيفة "نيويورك تايمز"، الاثنين، أبرز الأسماء المرشحة لخلافة البابا فرنسيس على رأس الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن التكهنات حول هذا المنصب غالباً ما تخطئ، مستشهدة بأن اسم البابا فرنسيس لم يضعه الكثيرون بين قائمة الأوفر حظاً لهذا المنصب عام 2013.
وأضافت الصحيفة أن التنبؤ يزداد صعوبة هذه المرة، مرجعة السبب إلى أن البابا فرنسيس عيَّن كثيرين خلال فترة قصيرة نسبياً، ما أدى إلى تنويع تركيبة مجمع الكرادلة (الهيئة الاستشارية العليا في الكنيسة الكاثوليكية) مما زاد من صعوبة تمييز التحركات والتيارات داخل هذا التجمع.
ومع ذلك، بدأت مناقشة الأسماء المحتملة منذ وقت طويل خلف أسوار الفاتيكان، وبدأ مراقبون يطرحون عدة أسماء مرشحة.
ويرى خبراء أن المرشحين لخلافة البابا أسماء تشير إلى اتجاهات محتملة قد تسلكها الكنيسة، إذ أن بعض الأسماء المطروحة تمثل امتداداً لأجندة فرنسيس التقدمية، بينما يمثل آخرون اتجاهاً نحو العودة إلى الأسلوب التقليدي.
وبين هذا وذاك، يشير آخرون إلى أن المجمع قد يميل لاختيار شخصية تتمتع بخبرة واسعة في تعقيدات العلاقات الدولية. وفيما يلي أبرز الأسماء المرشحة لخلافة البابا فرنسيس.
بييرباتيستا بيتسابالا
يُعد الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا (60 عاماً)، الإيطالي والمسؤول الأول عن شؤون الشرق الأوسط في الفاتيكان، من الأسماء الأوفر حظاً. فعلى الرغم من أنه أصبح كاردينالاً حديثاً، عام 2023، فإن خبرته الطويلة في واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة ساعدت على صعوده إلى الواجهة.
وإذا تم اختياره، فسيكون الكاردينال بيتسابالا أول بابا إيطالي منذ يوحنا بولس الأول عام 1978. ومع ذلك، يرى الخبراء أن بيتسابالا يُعد أيضاً شخصية دولية بعيدة عن السياسة الفاتيكانية، نظراً لقضائه معظم مسيرته في القدس.
كما تجنب الكاردينال بيتسابالا الانخراط في الجدل حول قضايا العقيدة، وهو ما يعتبره خبراء عاملاً قد يساعده في حصد أغلبية الثلثين اللازمة في مجمع الكرادلة، على الرغم من أن البعض يعتبره لا يزال صغير السن نسبياً لتولي هذا المنصب.
جان مارك أفلين
بحسب الصحافة الفرنسية، يُعرف في بعض الأوساط الكاثوليكية المحلية باسم "يوحنا الرابع والعشرون"، في إشارة إلى وجه الشبه بينه وبين البابا يوحنا الثالث والعشرين، البابا الإصلاحي المستدير الوجه في أوائل الستينيات، بحسب "رويترز".
كما أن فرنسيس قال مازحاً ذات مرة إن خليفته قد يحمل اسم يوحنا الرابع والعشرون.
ويشتهر أفلين بطبعه الشعبي والسهل، واستعداده للسخرية والدعابة، وقربه الأيديولوجي من فرنسيس خصوصاً في الهجرة والعلاقات مع العالم الإسلامي.
وهو أيضاً مثقف جاد بدرجة دكتوراه في اللاهوت وشهادة في الفلسفة. وُلد في الجزائر لعائلة من المهاجرين الإسبان الذين انتقلوا إلى فرنسا بعد الاستقلال الجزائري، وعاش معظم حياته في مرسيليا، المرفأ الذي كان ملتقى للثقافات والأديان لقرون.
تحت حكم فرنسيس، حقّق أفلين قفزات مهنية كبرى، فصار أسقفاً عام 2013، ورئيس أساقفة عام 2019، وكاردينالاً بعد ثلاث سنوات. وتعزّزت مكانته في سبتمبر 2023 عندما نظّم مؤتمراً كنسياً دولياً حول قضايا البحر المتوسط حضره فرنسيس كضيف شرف.
إذا تولّى المنصب، سيكون أول بابا فرنسي منذ القرن الرابع عشر، فترة انتقال البابوية إلى أفينيون، وسيكون أيضاً أصغر بابا منذ يوحنا بولس الثاني. يفهم الإيطالية لكنه لا يتكلّمها بطلاقة، وهو عائق كبير لمنصب يحمل أيضاً لقب أسقف روما ويتطلب دراية بالنزاعات الداخلية في المدينة.
بيترو بارولين
الكاردينال بيترو بارولين (70 عاماً)، يتولى منذ عام 2013 منصب أمين سر دولة الفاتيكان، ليكون بمثابة الرجل الثاني بعد البابا فرنسيس، والمسؤول عن إدارة شؤون الكنيسة الداخلية وتوجيه سياستها الخارجية.
ويُعرف بارولين، وهو إيطالي هادئ الطباع ومعتدل التوجهات، بمعرفته العميقة بدوائر "الكوريا" (الإدارة المركزية للفاتيكان)، وبشبكة الفاتيكان الدولية، حيث عمل لأكثر من 20 عاماً دبلوماسياً ونائب أمين سر العلاقات الخارجية.
ويجيد بارولين عدة لغات، بينها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية، وقد شارك في مؤتمرات دولية حول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والتغير المناخي، والاتجار بالبشر.
ويُعد بارولين أيضاً خبيراً في شؤون آسيا، ويُنظر إليه كمخطط بارع للإنجازات التي حققها الفاتيكان في السنوات الأخيرة في علاقاته مع الصين وفيتنام.
فريدولين أمبونجو
يُطرح اسم الكاردينال فريدولين أمبونجو (65 عاماً)، رئيس أساقفة كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، كأحد الأسماء المحتملة منذ أن رقّاه البابا فرنسيس إلى رتبة كاردينال عام 2019.
ولطالما دعا البابا فرنسيس الكنيسة الكاثوليكية إلى "الذهاب إلى الأطراف"، أي إلى المجتمعات في إفريقيا وآسيا، حيث تتمتع الكنيسة بالحيوية الأكبر. ومن هنا، ظل السؤال مطروحاً حول متى ستجسد الكنيسة هذا التوجه بانتخاب بابا من إفريقيا.
وتشكل نسبة الكاثوليك في إفريقيا نحو 18% من سكان القارة، كما تنتج أكبر عدد من الإكليريكيين (رجال الدين المتدربين) في العالم.
وعلى الرغم من أن البابا فرنسيس كان أول بابا غير أوروبي يتولى القيادة منذ عام 741، فإنه ينتمي إلى عائلة ذات أصول إيطالية.
وتكمن مفارقة في اختيار بابا من إفريقيا؛ فمن جهة سيكون ذلك خرقاً للتقاليد، لكن في الوقت ذاته تُعد المؤسسة الكنسية في إفريقيا من بين الأكثر محافظة.
ويُعتبر الكاردينال أمبونجو قريباً من البابا فرنسيس، وهو واحد من 9 أعضاء ضمن مجلس الكرادلة الاستشاري، غير أن أمبونجو قاد معارضة قرار البابا فرنسيس عام 2023 بالسماح بمباركة الأزواج المثليين.
لويس أنطونيو تاجلي
يُعد الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي (67 عاماً)، من الفلبين، واحداً من أبرز الأسماء الليبرالية المرشحة، حيث أطلق عليه البعض لقب "فرنسيس الآسيوي". وقد اعتبره المراقبون على مدار سنوات مرشحاً بارزاً للبابوية.
ورُقي تاجلي إلى رتبة كاردينال على يد البابا بنديكتوس الـ16 عام 2012، وسيكون أول بابا آسيوي في حال انتخابه.
ويُعرف الكاردينال تاجلي، الذي يحمل لقب "تشيتو"، بابتسامته الدائمة وأسلوبه الإنساني، المتناغم مع توجه البابا فرنسيس نحو الفقراء والمحتاجين في دول العالم النامي، وهي البيئة التي نشأ وعمل فيها.
ورافق تاجلي البابا فرنسيس في رحلات عدة إلى آسيا، وساهم في الإعداد لجولته المرهقة التي استمرت 11 يوماً إلى جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ في صيف عام 2024.
وينتمي تاجلي إلى منطقة ما زالت الكاثوليكية تلعب فيها دوراً بارزاً، وهي منطقة لطالما حرص فرنسيس على الاهتمام بها سعياً لكنيسة عالمية أقل تمركزاً في أوروبا.
وكان تاجلي من الأسماء المرشحة بقوة خلال اجتماع انتخاب البابا (الكونكلاف) عام 2013، غير أنه بدا آنذاك صغير السن لتولي هذا الدور.
وتعامل الكاردينال تاجلي مع بعض من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الكنيسة، مثل مسألة إدماج المثليين جنسياً، ومنح القربان للمطلقين المتزوجين من جديد.
وتولى عام 2014 رئاسة التجمع العالمي للعائلة في الكنيسة، ثم رئاسة الجمعية العامة حول الموضوع ذاته العام التالي، والتي أقر فيها الأساقفة باتجاه أكثر انفتاحاً، مع استمرار رفضهم لزواج المثليين.
ماتيو زوبي
يبرز اسم الكاردينال ماتيو ماريا زوبي (69 عاماً)، من إيطاليا، بين الأسماء التي تعكس رؤية البابا فرنسيس بأن تكون الكنيسة حاضنة للفقراء.
ورُقي زوبي إلى رتبة كاردينال عام 2019، وأسندت إليه عدة مهام مهمة. ويعتقد بعض الخبراء أن فرنسيس كان سيرشح زوبي لخلافته، لكن البابا لم يُدل برأيه علناً في هذا الشأن.
ويُعد زوبي قريباً من جماعة "سانت إيجيديو" الكاثوليكية، المعروفة بخدماتها للفقراء وجهودها في الوساطة لحل النزاعات.
ويؤكد مراقبون أن هذه الجماعة أصبحت واحدة من أقوى المجموعات نفوذاً في عهد فرنسيس، وأن قرب الكاردينال زوبي منها قد يعزز حظوظه في نيل الأصوات اللازمة، غير أن هذا الارتباط يثير مخاوف من احتمال تأثره المفرط بالجماعة حال انتخابه.
وفي عام 2015، عينه البابا فرنسيس رئيساً لأساقفة بولونيا، إحدى أرفع المناصب الكنسية في إيطاليا. وهناك، واصل دون ماتيو، كما يُعرف، عمله بين الفقراء والمهاجرين، قائلاً: "استقبال المهاجرين تحد تاريخي لأوروبا… والمسيح يدعونا إلى عدم إدارة ظهورنا".
وفي السنوات الأخيرة، كلفه البابا فرنسيس بمهمة مبعوث خاص للشأن الأوكراني. كما أبدى زوبي مواقف إيجابية تجاه الكاثوليك من "مجتمع الميم"، إذ كتب مقدمة النسخة الإيطالية من كتاب الأب جيمس مارتن "بناء جسر" (2017)، الذي دعا إلى إيجاد مقاربات رعوية جديدة تجاه المثليين.
بيتر إردو
الكاردينال بيتر إردو (72 عاماً)، من المجر، هو خبير في القانون الكنسي، ويُتوقع أن يكون مرشحاً قوياً بين الكرادلة الذين يتطلعون للعودة إلى محافظة البابوين يوحنا بولس الثاني وبندكتوس الـ16.
وعينه يوحنا بولس الثاني رئيساً لأساقفة إستيرجوم - بودابست عام 2002، ثم منحه القبعة الكاردينالية في العام التالي، ليصبح أصغر كاردينال في العالم آنذاك (50 عاماً).
ويُعد إردو دبلوماسياً محنكاً، قادراً على بناء جسور مع كاثوليك أميركا اللاتينية وإفريقيا، ومتقناً للتواصل مع أتباع الديانات الأخرى. وشارك بانتظام في إحياء ذكرى الهولوكوست، حيث أشار قادة الجالية اليهودية إلى أن دعمه كان حاسماً في ظل صعود اليمين المتطرف وتزايد معاداة السامية في المجر.
وإردو معروف بين نظرائه الغربيين، إذ شغل من 2006 إلى 2016 منصب رئيس مجلس مؤتمرات أساقفة أوروبا. وألّف عدة كتب، ويتقن أو يفهم لغات عدة منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية والإسبانية، وهو ما يمنحه قدرة لغوية للتواصل مع جمهور عالمي.
وقد أعلن موقفه الرافض لمنح القربان للمطلقين المتزوجين من جديد، ومعارضته استقبال المهاجرين.
وفي مقابلة مطولة مع الصحافي روبرت موينيهان عام 2019، قال إردو: "علينا أن نحرس شعلة الإيمان المسيحي التقليدي في عالم يزداد علمانية".
أندش أربوريلوس
يُعد أندش أربوريلوس (75 عاماً)، أسقف ستوكهولم، أول كاردينال كاثوليكي في تاريخ السويد، وقد اعتنق الكاثوليكية في العشرين من عمره.
وعلى الرغم من أن السويد كانت ذات يوم دولة لوثرية (أحد المذاهب المسيحية البروتستانتية) وأصبحت اليوم علمانية إلى حد بعيد، فإنها من بين الدول الأوروبية القليلة التي شهدت نمواً في أعداد الكاثوليك في السنوات الأخيرة.
وقد اعتُبرت ترقية أربوريلوس إلى رتبة كاردينال عام 2017 محاولة أخرى من البابا فرنسيس للوصول إلى الدول ذات الأقليات الكاثوليكية.
وفي مقابلة حديثة، قال أربوريلوس إن أبرز التحديات التي تواجه الكنيسة اليوم تتمثل في بناء الجسور وسط عالم منقسم، ومنح المرأة دوراً أكبر في الكنيسة، ومساعدة العائلات على نقل الإيمان للأجيال.
كما حذر من تيارات سياسية قد تُقسم الكنيسة، قائلاً: "يمكن أن يشكل الانقسام في بعض أجزاء الكنيسة خطراً حقيقياً… يجب ألا نسمح بتشكيل أحزاب داخل الكنيسة الكاثوليكية".
ويُعرف الكاردينال أربوريلوس بمواقفه الداعمة للمهاجرين، على غرار البابا فرنسيس، غير أنه عارض مباركة الأزواج المثليين. ففي عام 2006، قال إن قرار الكنيسة اللوثرية السويدية بالسماح بهذه المباركات سيجعل الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية أكثر تعقيداً.