
كشف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن خطة لإعادة هيكلة وزارة الخارجية بشكل جذري، مؤكداً أن هذه الخطوة ستنهي "عقوداً من التضخم والبيروقراطية"، وستسعى إلى القضاء على ما وصفه بـ"أيديولوجيا سياسية متطرفة" متجذرة داخل المؤسسة، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".
وتتزامن خطة إعادة الهيكلة المقترحة لأهم مؤسسة معنية بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة مع جهود إدارة الرئيس دونالد ترمب لإعادة توجيه دور الولايات المتحدة على الساحة الدولية بما يتماشى مع أجندة "أميركا أولاً"، مع السعي في الوقت ذاته إلى خفْض التكاليف وتقليص عدد الموظفين في مختلف مؤسسات الحكومة الفيدرالية.
وتستهدف الخطة بعض برامج حقوق الإنسان وأخرى تُعنى بجرائم الحرب والديمقراطية، وفقاً لوثائق داخلية اطلعت عليها صحيفة "واشنطن بوست".
وبحسب الوثائق، تتضمن الخطة مطالبة كبار المسؤولين بتقديم خطة إلى قيادة الوزارة لتقليص عدد الموظفين العاملين داخل الولايات المتحدة بنسبة 15%، وهو ما قد يؤثر على مئات الوظائف، وإن كانت الخطة لا تنص على عمليات تسريح فورية.
خطة تغيير شاملة
وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية، طلب عدم كشف هويته تماشياً مع قواعد الإدارة، إن خطة روبيو تُعد أول محاولة "منذ عقود" لإعادة تنظيم الهيكل الداخلي لأقدم جهاز تنفيذي في البلاد.
ولم يستبعد مسؤولون آخرون احتمال تنفيذ عملية تقليص أوسع نطاقاً، قد تطال عشرات الآلاف من موظفي الوزارة البالغ عددهم 80 ألفاً حول العالم، إضافة إلى عدد كبير من القنصليات والمرافق الأميركية في الخارج.
وأرسلت وزارة الخارجية خططها لإعادة الهيكلة إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، المعنيتين بمراقبة أداء الوزارة، وفقاً لـ"واشنطن بوست".
وأعرب مشرّعون من الحزبين عن قلقهم إزاء التغييرات الجذرية التي قد تطال برامج ووكالات أنشأها الكونجرس، والتي ألمحت إدارة ترمب إلى نيتها إعادة هيكلتها أو إلغائها بالكامل.
وقال مساعد في الكونجرس اطلع على الوثائق، إن الخطة تشمل إلغاء 132 مكتباً و700 وظيفة، بينما سيتم نقل أو "إعادة هيكلة" العديد من المكاتب الأخرى، دون تقديم توضيحات كافية بشأن طبيعة تلك التغييرات، ما أثار تساؤلات بشأن تأثيرها الفعلي.
وقال روبيو عبر منصات التواصل الاجتماعي: "سيجري دمج المهام المرتبطة بمناطق جغرافية محددة لتعزيز الكفاءة، كما ستُلغى المكاتب المتكررة، وستتوقف البرامج غير القانونية، التي لا تتماشى مع المصالح الوطنية الأساسية لأميركا، عن العمل"، لكنه لم يحدد ماهية هذه البرامج.
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى موظفي الوزارة، قال نائب وزير الخارجية كريس لانداو، إن تنفيذ الخطة ستقوده مجموعة عمل داخلية ستضع "خططاً مدروسة" لتطبيق التغييرات بحلول 1 يوليو المقبل.
خطة "أقل تطرفاً"
يُذكر أن ترمب ينتقد وزارة الخارجية منذ فترة طويلة، تعود على أقل تقدير إلى ولايته الأولى، حين اصطدم مبكراً وبشكل متكرر مع وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون، ثم لاحقاً حين لعب دبلوماسيون أميركيون أدواراً محورية في أول محاكمة لعزله، وفق الصحيفة.
ومنذ فوزه في الانتخابات الأخيرة في نوفمبر الماضي، بات من الواضح أن الإدارة الثانية لترمب ستستهدف الوزارة، وكان التساؤل فقط بشأن مدى حجم تلك التخفيضات لا إن كانت ستحدث.
وتدعو خطة إعادة الهيكلة إلى تغييرات جذرية، لكنها جاءت "أقل تطرفاً" من بعض المقترحات التي تم تداولها، والتكهنات الواسعة التي سادت في صفوف مسؤولي وزارة الخارجية الحاليين والسابقين خلال الأسابيع الأخيرة، وفق "واشنطن بوست".
وقال تيبور ناجي، الدبلوماسي السابق الذي شغل منصب وكيل الوزارة لشؤون الإدارة حتى مطلع أبريل، وكان مشاركاً في جهود إعادة الهيكلة، إنه سعيد بأن الخطة النهائية لم تتضمن بعض الخطوات "الجذرية" التي طُرحت سابقاً.
وأضاف ناجي: "الخطة مدروسة ومنطقية وعقلانية، وليست فوضوية". ومنذ مغادرته المنصب، وجّه ناجي انتقادات لما وصفه بـ"نهج المنشار الكهربائي" الذي تتبعه إدارة الكفاءة الحكومية بقيادة إيلون ماسك، على خلفية جهودها لخفْض أعداد الموظفين الفيدراليين.
وكانت هناك آراء أكثر حدة، إذ قال بريت بروين، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إن روبيو حاول على ما يبدو "انتزاع السيطرة على كيفية تنفيذ التخفيضات" من إدارة الكفاءة الحكومية.
وأضاف بروين أن الخطة "مصممة لتلبية مطالب إدارة الكفاءة الحكومية المتعلقة بالتخفيضات، بغض النظر عن الأضرار التي قد تلحق بالمصالح الأميركية".
انتقادات ديمقراطية
ووجَّه مشرعون ديمقراطيون انتقادات حادة لخطة إعادة الهيكلة، إذ قال النائب جريجوري ميكس (من نيويورك)، كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إن "إعادة الهيكلة المقترحة لوزارة الخارجية، التي وُضعت دون أي مشاورات مع الكونجرس، تثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الدبلوماسية الأميركية والسياسة الخارجية والقيادة العالمية".
وقال ميكس في بيان: "العمل الحيوي الذي أُهمل في خطة الوزير روبيو يُمثّل ركائز أساسية في سياستنا الخارجية، لطالما حظيت بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بما في ذلك السيناتور روبيو سابقاً، وليست أيديولوجيات متطرفة كما يزعم الآن".
من جانبه، أشار السيناتور براين شاتز (من هاواي)، كبير الديمقراطيين في اللجنة الفرعية للاعتمادات المالية المعنية بوزارة الخارجية والعمليات الخارجية، وهي الجهة المسؤولة عن إعداد ميزانية وزارة الخارجية، إلى تاريخ روبيو في دعم السياسة الخارجية متعددة الأطراف.
وقال شاتز: "سبق للسيناتور روبيو أن تساءل: إذا تخلت أميركا عن دورها القيادي، فمن سيملأ الفراغ الذي تتركه؟" وتابع بالقول: "ما لا يزال غير واضح هو ما إذا كان الوزير روبيو، زميلي السابق في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لا يزال يؤمن بهذا الرأي. فتصرفاته الحالية توحي بأن الأمر لم يعد كذلك".
"ترحيب جمهوري"
أما الجمهوريون، فكان موقفهم أكثر ترحيباً، إذ قال النائب براين ماست (من فلوريدا)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب والمقرب من ترمب، والذي لعب دوراً بارزاً في الترويج لمزاعم فساد داخل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن إعادة الهيكلة كانت متأخرة.
وأضاف ماست: "الحروب والدبلوماسية في القرن الـ21 تتغير يومياً، لكن التضخم والبيروقراطية يمنعان وزارة الخارجية من الاستجابة لتلك التغيرات. هذه الخطة ستجعل الوزارة أكثر مرونة وفاعلية، وتضمن أن كل دولار وكل دبلوماسي يخدم مبدأ أميركا أولاً".
وفي عطلة نهاية الأسبوع، تداول موظفون حاليون وسابقون وثيقة يُزعم أنها مسودة أمر تنفيذي تتضمن تغييرات جذرية، من بينها إغلاق مكتب الشؤون الإفريقية وعدد من المنشآت في القارة، لكن روبيو نفى صلته بها، واصفاً إياها بأنها "خدعة" و"أخبار زائفة".
ولم تشمل الخطة التي كُشف عنها الثلاثاء، إلغاء مكتب الشؤون الإفريقية، ما خفف القلق لدى العديد من الدبلوماسيين، لكنها نصَّت على إلغاء عدة مكاتب أخرى.
وعلى سبيل المثال، تُظهر الوثائق أن منصب وكيل الوزارة لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان سيتم إلغاؤه، وستُدمج بعض المكاتب التابعة له ضمن مكتب جديد "معاد تصوره" للشؤون الخارجية والإنسانية.
كما سيتم إغلاق مكتب العدالة الجنائية العالمية، المعني بالتحقيق في جرائم الحرب، ومكتب عمليات الصراع وتحقيق الاستقرار، المكلف بمنع اندلاع الحروب.