تعليق تراخيص البناء يُربك سوق العقارات في مصر

time reading iconدقائق القراءة - 6
عمال مصريون خلال تشطيب أحد المباني من الخارج قبل تطبيق قرار وقف تراخيص البناء - خاص الشرق
عمال مصريون خلال تشطيب أحد المباني من الخارج قبل تطبيق قرار وقف تراخيص البناء - خاص الشرق
القاهرة -محمد الخولي

تسبب قرار مفاجئ أصدرته الحكومة المصرية بوقف تراخيص البناء لمدة 6 أشهر في ارتباك كبير في السوق العقارية، وأثار مخاوف من زيادة البطالة، لا سيما في قطاع المقاولات. ولكن الخبراء يُجمعون على ضرورة هذا القرار، من أجل التصدي لفوضى مخالفات البناء التي صارت ظاهرة تحتاج تدخلاً حاسماً.

القضاء على العشوائيات

وتأتي خطط الحكومة، في مجال الإسكان والبناء، ضمن محاور عدة على رأسها القضاء على العشوائيات التي تنتشر في محافظات عدة، والتي قطعت الدولة شوطاً كبيراً في إزالة عدد كبير منها، بالتوازي مع وضع سكانها في مساكن بديلة وفرتها لهم.

وتقدر المناطق العشوائية في مصر بنحو 351 منطقة، بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وكانت منطقة الدويقة، في القاهرة ومثلث ماسبيرو وغيرها من المناطق العشوائية، أحد أهم الأسباب في تغيير منظومة العمل في مشاريع الإسكان التي تنفذها الدولة.

ويأتي إنشاء مشاريع حي الأسمرات وبشاير الخير 1، 2 و 3 بهدف التقليل من أعداد تلك العشوائيات، وإيجاد مساكن بديلة للأسر التي تقطنها منذ سنوات طويلة .

وأنفقت مصر في ملف تطوير العشوائيات 22 مليار جنيه (ما يعادل 1.39 مليار دولار أميركي) حتى الآن، بحسب تصريحات المهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير المناطق العشوائية.

وقال صديق إن القاهرة وحدها تضم 60 منطقة عشوائية، وتتمثل مشكلات تلك المناطق في 64 ألف وحدة، بينها 40 ألف وحدة للبناء، و24 ألف وحدة لإزالة الخطورة عن الأهالي، مثل مناطق مجرى السيول أو والمناطق الملوثة صناعياً.

وقف البناء المخالف

وقال وزير التنمية المحلية، محمود شعراوي، إن الوزارة وضعت خطة عمل خلال المرحلة المقبلة لتنفيذ قرار وقف إصدار التراخيص الخاصة بإقامة أعمال البناء أو توسعتها أو تعليتها أو تعديلها أو للمساكن الخاصة، مع إيقاف استكمال أعمال البناء للمباني الجاري تنفيذها، لمدة 6 أشهر، إلى حين التأكد من توافر الشروط البنائية وبناء مرائب السيارات، في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية وعواصم المحافظات والمدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية.

وقضى القرار بتكليف المحافظين ومديريات الأمن اتخاذ الإجراءات التنفيذية لمنع مخالفات البناء في مهدها، وتنفيذ الإزالات الفورية للمباني المخالفة، وتحويل المخالفين للنيابة العسكرية.

وأشار شعرواي إلى أن الخطة تتضمن التنسيق والتعاون بين وزارتي التنمية المحلية والداخلية لدعم جهود المحافظات وتنفيذ القرار بكل حزم. وكشف عن تكليف الأجهزة التنفيذية من رؤساء الوحدات المحلية والأحياء والمدن والمراكز والإدارات الهندسية التابعة لها بمراجعة التراخيص الصادرة السابقة كافة، وإلزام أصحابها بتنفيذها طبقاً للرخصة الصادرة، وتنفيذ مرائب السيارات في تلك العقارات التي يتم بناؤها حتى تستوعب السيارات الخاصة بكل مبنى، مع الحفاظ على المرافق العامة والنسق الحضاري، ولا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية.

3.5 مليون مخالفة

عضو لجنة الإسكان في البرلمان المصري النائب إيهاب منصور قال لـ"الشرق" إن أزمة البناء المخالف والعشوائي ممتدة منذ سنوات ولها جذور عميقة، لافتاً إلى أن الدولة "تحاول التخلص منها عن طريق القانون والتشريعات".

وأشار إلى إصدار الدولة في عام 2019 قانون التصالح في البناء المخالف، لتنهي قصة المخالفين الذين بلغ عدد مخالفاتهم على مستوى الجمهورية 3.5 مليون مخالفة بناء عشوائي، تقدم منهم للتصالح (من أصحاب المخالفات) نحو 100 ألف فقط، وهو عدد ضعيف مقارنة بعدد المخالفين. ولعبت نقابة المهندسين دوراً مهماً في مراجعة المخالفات المذكورة وإحالتها إلى الأحياء التي تقاعست عن دورها ولم تنفذ منها إلا قرابة 1000 حالة.

ورأى منصور أن قرار وقف البناء مدة 6 أشهر له مميزات وعيوب، لافتاً إلى "تأثر طبقة العمالة في هذا المجال نتيجة التوقف عن العمل خلال هذه الفترة". وكشف أن "البرلمان يستعد لتغيير قوانين البناء، لتتناسب مع الدور الذي تقوم به الدولة في القضاء على المخالفات في الإنشاءات". وقال إن "أول نقاط التعديل تأتي من خلال تخصيص شركات استشارية تشرف على كل التصميمات المقدمة، والهادفة للحصول على تصريح للبناء ثم إدخال نقابة المهندسين في هذه المنظومة".

ويأمل منصور أن يستطيع البرلمان الانتهاء من تلك التشريعات قبل نهاية دورته في شهر يناير المقبل.

ارتفاع أسعار العقارات

وقال رئيس تحرير موقع "إسكان مصر"، محمود الجندي، إن قرار وقف تراخيص البناء لمدة 6 أشهر "لن يؤثر على البناء في المدن الجديدة لأنها تتبع هيئة المجتمعات العمرانية التي لا يسري عليها هذا القرار، ولكنه يخص المحليات التي من شأنها متابعة وإعطاء التراخيص داخل المدن القديمة والمحافظات".

وربط التشديد على توفر أماكن ركن للسيارات داخل كل تخطيط بناء بالتكدُّس بالسيارات الذي تشهده المدن القديمة.

وتوقع الجندي أن يزيد سعر العقارات المعروضة في المدن الجديدة لأن الوحدات السكنية فيها جاهزة، في ظل ندرة المعروض في المدن القديمة التي ستشهد هي الأخرى زيادة في أسعار الوحدات.

تأثر العمالة اليومية

وتوقّع شريف منير (مقاول) أن يؤثر القرار على سوق المقاولات، ولا سيما العمالة اليومية التي ليس لديها أي مجالات عمل أخرى. وقال لـ"الشرق" إن "فترة 6 أشهر طويلة، وقد تضر بشريحة واسعة من العمال وشركات المقاولات التي تعمل باتفاقات مسبقة على أعمال قد تستغرق شهوراً عدة لإنجازها".

وكشف شريف أن مئات العمال الذين يعملون لديه "سيضطرون للتوقف عن العمل لحين مراجعة الدولة التراخيص كافة التي ستُعطى للمقاولين، وتمكنّهم من استئناف عملهم، ضمن شروط وقف البناء العشوائي".