
يقيم نحو 6.5 مليون فلسطيني في بقعة جغرافية واحدة، هي وطنهم الأم، فلسطين، بحدودها المعروفة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، لكنهم يعيشون تحت ظل أربعة أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية مختلفة.
شتات ديموغرافي
يعيش 1.5 مليون فلسطيني داخل "الخط الأخضر"، في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث أقيمت دولة إسرائيل، وفرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية. ويقيم 300 ألف منهم في مدينة القدس الشرقية المحتلة في عام 1967، ويحملون صفة "مقيم"، وهي صفة شبيهة بصفة الـ "بدون"، إذ لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، وإن كانوا يحملون وثيقة سفر إسرائيلية، ويحق لهم العمل والتحرك في إسرائيل.
أما في الضفة الغربية المحتلة، فيقطن 2.8 مليون فلسطيني، يحملون جواز سفر صادر عن السلطة الفلسطينية التي تأسست في عام 1994، لكن يحظر عليهم دخول القدس أو إسرائيل، أو الوصول إلى قطاع غزة، من دون الحصول على تصريح مسبق.
ويعيش مليونا فلسطيني في قطاع غزة، تحت حكم حركة "حماس"، تحظر السلطات الإسرائيلية عليهم دخول الضفة الغربية والقدس المحتلتين، سوى في حالات نادرة مثل المرض والتجارة.
وبحسب تقرير صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء، بمناسبة اليوم العالمي للسكان في 11 يوليو، فإن عدد الفلسطينيين يبلغ نحو 13.5 مليون نصفهم في الوطن، والنصف الآخر في الشتات.
تحدي الهوية
وبحسب الإحصاءات الفلسطينية والإسرائيلية، فإن عدد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، يبلغ 1.5 مليون مواطن، يمثلون نحو 20 % من سكان دولة إسرائيل. ويتركز الفلسطينيون في مناطق الجليل ومدن الساحل والنقب والمثلث.
وعملت السلطات الإسرائيلية على "اختراق" التوزيع السكاني الفلسطيني، من خلال إقامة عدد كبير من المستوطنات والمدن والقرى في هذه التجمعات. ما فجّر مظاهرات يوم الأرض في عام 1976، وهو يوم دخل الأجندة السنوية الفلسطينية تحت هذا الاسم وتقام فيه المظاهرات، والمسيرات، والمهرجانات، والمحاضرات، والمعارض في مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني.
وحوّلت إسرائيل مدن الساحل، مثل حيفا ويافا وعكا واللد والرملة، من مدن فلسطينية إلى مدن مختلطة ذات أغلبية يهودية.
وقال الكاتب وديع عواودة، من قرية كفر كنا في الجليل لـ "الشرق"، إن السلطات الإسرائيلية اتبعت سياسة تقوم على تفتيت المجتمع الفلسطيني. وأضاف: "من ناحية السكان، قامت السلطات بزرع تجمعات يهودية في قلب مدن الساحل وفي أراضي القرى والبلدات المختلفة، ووضعت نظاماً تعليمياً يهدف إلى تغير الهوية العربية إلى هوية إسرائيلية".
واعتبر عواودة أن السلطات "فشلت في خطتها الرامية إلى تغيير الهوية العربية، لأن الناس تستدل على هويتها من خلال الثقافة الشعبية والأدب والصحافة والإعلام".
وعلى الرغم من القيود المفروضة من طرف إسرائيل، استطاع الفلسطينيون داخل أراضي الخط الأخضر انتزاع مكانة لهم في مجالات التعليم والاقتصاد.
وأوضح عواودة أن الإحصاءات الإسرائيلية تشير إلى أن مكانة الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية تزيد على نسبتهم من السكان. وأضاف: "في جامعة حيفا تصل نسبة الطلاب الفلسطينيين إلى الثلث، ويطلقون على الساحة الرئيسة في الجامعة اسم (ساحة فلسطين)".
وفي معهد التخنيون المتخصص في التعليم العالي التكنولوجي، تبلغ نسبة الطلبة الفلسطينيين نحو الربع، كما يشكل الفلسطينيون نحو ثلث الطواقم الطبية في المستشفيات الإسرائيلية، من أطباء وممرضين، وفقاً للكاتب.
وأضاف: "يعمل الفلسطينيون هنا بجد كبير من أجل البقاء، ومن أجل احتلال مكانة في مجتمع يواجهون فيه تحديات وجودية كبيرة".
وشكل قانون القومية الذي أقره "الكنيست" الإسرائيلي العام الماضي، ضربة كبيرة لجهود الفلسطينيين الرامية لتحقيق المساواة في إسرائيل، رغم أنهم يمثلون في البرلمان (الكنيست) بـ 15 نائباً من أصل 120 نائباً. إذ تضمن القانون المذكور نصوصاً صريحة للتمييز بين اليهود والفلسطينيين، منها بند ينص على أن إسرائيل "هي الوطن القومي للشعب اليهودي"، وأن حق تقرير المصير هو "حق خاص" للشعب اليهودي. كما نص أيضاً على اعتبار "تطوير الاستيطان اليهودي قيمة وطنية" وأن الدولة "ستعمل على تشجيع وتعزيز إقامته وتثبيته".
فلسطينيون بصفة "مقيم"
احتلت إسرائيل القدس الشرقية في عام 1967، وضمتها إلى القدس الغربية التي سبق أن احتلتها في عام 48، وأعلنتها عاصمة موحدة لها.
وقال باحثون ومختصون في شؤون القدس، إن سلطات الاحتلال اتبعت سياسة خاصة في المدينة منذ احتلالها، هدفت إلى تغيير معالمها الفلسطينية إلى إسرائيلية، بتقليص عدد الفلسطينيين، وزيادة عدد اليهود.
وقال رئيس قسم الخرائط في "جمعية الدراسات العربية" في القدس، خليل التوفكجي لـ "الشرق"، إن "الخطوة الأولى، التي قامت بها السلطات بعد الاحتلال هي توسيع حدود القدس من ستة كيلومترات مربعة إلى 72 كيلومتراً مربعاً، بعد أن صادرت أراضٍ من المدن المجاورة مثل بيت لحم ورام الله".
وقال إن السلطات الإسرائيلية استولت على 57 % من أرض القدس الشرقية، وخصّصتها لبناء المستوطنات والمرافق العامة والمناطق الخضراء، فيما حصرت البناء الفلسطيني في الأحياء القائمة والمكتظة، التي لا تتجاوز مساحتها 13 في المئة من مساحة المدينة بحدودها الجديدة.
وكانت الخطوة التالية بعد مصادرة الأرض وتضيق مساحة البناء، طرد أكبر عدد ممكن من السكان تحت ذرائع مختلفة. ولتحقيق هذا الهدف، وضعت السلطات قانوناً خاصاً لأهل القدس نص على مصادرة أملاك كل من كان خارج المدينة عند احتلالها، بصفتها "أملاك غائب". ونص القانون على اعتبار ابن القدس "مقيماً" لا مواطناً، وهو ما أتاح لها تجريد الكثير من أهلها من الإقامة في المدينة في حالات مختلفة، مثل تغيير مكان الإقامة.
وقال مدير مركز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في القدس، زياد الحموري، لـ "الشرق"، إن السلطات الإسرائيلية أبعدت نحو 15 ألف مواطن من القدس منذ احتلال المدينة في عام 67 بذريعة تغيير مكان الإقامة. وأضاف: "كل مواطن كان يخرج لأغراض الدراسة أو العمل، كان يخسر حق الإقامة في القدس".
ويضطر كثير من المقدسيين للسكن خارج المدينة، في المناطق المجاورة مثل رام الله وبيت لحم، وذلك بسبب ندرة وارتفاع أسعار الأراضي ورسوم الترخيص وتكلفة البناء، ما جعلهم يفقدون حق الإقامة فيها.
وتضع السلطات قيوداً شديدة على تراخيص البناء في القدس، ما اضطر كثيرين للبناء من دون ترخيص، وهو ما يعرّض بيوتهم للهدم.
وقال الحموري إن 120 ألف مواطن مقدسي يعيشون اليوم في بيوت غير مرخصة، معرضة للهدم في أي وقت.
وأقامت السلطات الإسرائيلية 15 مستوطنة حول القدس، واستولت على عشرات البيوت في قلب البلدة القديمة داخل الأسوار، ومنحتها للمستوطنين الذين يبلغ عددهم اليوم نحو أربعة آلاف مستوطن.
ولجأ الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد إلى فرض الضرائب والرسوم الباهظة على العمل والتجارة والبناء وغيرها، بهدف تقليص عدد الفلسطينيين في القدس.
وقال زياد الحموري إن "فرض الضرائب المختلفة على المواطنين المقدسيين إحدى وسائل الطرد من المدينة". وأضاف: "هذه السياسة جعلت نحو 80 % من سكان المدينة يعيشون تحت خط الفقر، وأخذ بعضهم يبحث عن فرص عمل في مناطق خارج المدينة".
وتعمل العديد من الجمعيات الاستيطانية اليهودية على الاستيلاء على بيوت في القدس الشرقية، ومنحها للمستوطنين بهدف تغيير معالم المدينة. وأقامت هذه الجمعيات، باستخدام تبرعات يهود أثرياء حول العالم، بؤراً استيطانية في معظم أحياء المدينة، خاصة في البلدة القديمة ومحيطها مثل سلوان والشيخ جراح وجبل المكبر وغيرها.
تحت الحصار
وفي الضفة الغربية المحتلة، نهجت إسرائيل سياسة تقوم على مصادرة الأراضي العامة والخاصة وإقامة المستوطنات فيها.
وتشير أرقام إسرائيلية إلى أن السلطات أقامت في الضفة الغربية 130 مستوطنة و100 بؤرة استيطانية صغيرة، جارٍ توسيعها وتحويلها إلى مستوطنات كبيرة. ويقيم في هذه المستوطنات اليوم أكثر من 750 ألف إسرائيلي، نحو 300 ألف منهم في مستوطنات تحيط بالقدس.
وتحصر السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين في تجمعات سكانية مكتظة مقامة على 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وتحظر عليهم التوسع في الجزء الأكبر الذي يشكل 60 في المئة من مساحتها.
وقررت الحكومة الإسرائيلية، أخيراً، ضم أكثر من 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية تقع في الأغوار وفي الجزء الغربي من الضفة، بجوار "الخط الأخضر"، بالإضافة إلى القدس الشرقية بحدودها الموسعة.
وقال عضو الوفد الفلسطيني المفاوض، الخبير في خرائط الضفة الغربية الدكتور سميح العبد لـ "الشرق"، إن "خطة الضم صممت على نحو يضيّق الخناق على الفلسطينيين، ويدفعهم إلى الهجرة التدريجية".
وأضاف: "عندما تصادر إسرائيل الأراضي الزراعية والمياه، والمصادر الطبيعية في البحر، وحقول الغاز في البر والبحر، وتحصر الفلسطينيين داخل تجمعات مكتظة، بلا أية موارد ولا أية مصادر حياة، فإنها تدفعهم إلى مصير واحد، هو الهجرة".
وأظهر تقرير الجهاز المركزي للإحصاء، أن خطة الضم الإسرائيلية تعزل 112 ألف فلسطيني في تجمعات تقع في المنطقة التي تعتزم إسرائيل ضمها، يعيشون في 43 تجمعٍ سكاني.
وقال الدكتور سميح إن "دراسات أولية تظهر أن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية سيصل إلى عشرة ملايين نسمة في العام 2050، يعيشون في بقعة واحدة مكتظة بالفعل، وهو ما يعني أنه لن يكون هناك أرض كافية للإقامة عليها".
وتفرض السلطات الإسرائيلية قيوداً على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولا تسمح لهم بدخول القدس، أو الوصول إلى قطاع غزة، دون الحصول على تصريح مسبق. لكنها تسمح لهم، بالمقابل، بالسفر إلى خارج البلاد، عبر الأردن.
غزة.. بؤرة البطالة والاكتظاظ
وربما كانت المجموعة الفلسطينية الأقل حظاً هي تلك التي تعيش في قطاع غزة، الذي يعد البقعة الأشد اكتظاظاً في العالم، حيث يعيش مليونا فلسطيني على مساحة 365 كيلومتراً مربعاً.
وفرضت السلطات الإسرائيلية الحصار على قطاع غزة منذ عام 2007، ما خلف آثاراً مدمرة على مختلف أوجه الحياة والعمل فيه.
وجاء في تقرير للجهاز المركزي للإحصاء، صدر أخيراً، أن نسبة البطالة في قطاع غزة تبلغ 46 %، وأن 53 % من أهالي القطاع يعيشون تحت خط الفقر.
ويعاني قطاع غزة انعدام الموارد الطبيعية. وبحسب دراسة للأمم المتحدة، فإن 98 % من مياهه لا تصلح للشرب. ودفعت الظروف القاسية التي يعيشها أهالي القطاع بالعديد من سكانه، خاصة من الشباب إلى الهجرة. وشهدت حركة الهجرة والنزوح من غزة إلى مصر، ومنها إلى أوروبا حوادث غرق مأساوية.
وسيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة بالقوة المسلحة منذ عام 2007، ما أدى إلى انفصاله إدارياً وجغرافياً عن الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية.