سد النهضة.. كيف وصلت سنوات من التفاوض إلى طريق مسدود؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
وفود مصر وإثيوبيا والسودان في مفاوضات بشأن سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم يوم  21 ديسمبر 2019. - AFP
وفود مصر وإثيوبيا والسودان في مفاوضات بشأن سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم يوم 21 ديسمبر 2019. - AFP
دبي - الشرق

على الرغم من تراجع وزير الري والموارد المائية الإثيوبي عن التصريحات الأخيرة المنسوبة إليه حول البدء في ملء بحيرة سد النهضة، إلا أن ذلك لن يغير حقيقة أن المفاوضات مع دولتي المصب مصر والسودان وصلت إلى طريق مسدود.

مصر طلبت في بيان لوزير خارجيتها سامح شكري، الأربعاء، توضيحاً من أديس أبابا حول ما نشر من تقارير حول البدء في ملء بحيرة السد في خطوة أحادية الجانب، بعد سنوات من المفاوضات التي "لم تحقق أي تقدم"، بحسب الحكومة المصرية. 

اختتمت آخر جولات المفاوضات الثلاثية التي استمرت 11 يوماً على التوالي، الاثنين، قبل يومين من الإعلان الإثيوبي الأخير، دون التوصل إلى اتفاق، حول آليات عمل وتشغيل السد بالإضافة إلى قواعد وفترات ملء بحيرة السد التي ما زالت أهم نقاط الخلاف الجوهرية بين البلدان الثلاثة. 

بداية الأزمة

بدأت أولى إرهاصات الأزمة بين الدول الثلاث في في مايو 2010، حين وقعت 6 دول مشتركة في حوض النيل من بينها إثيوبيا، اتفاق "عنتيبي" في أوغندا، والذي رفضته مصر والسودان والكونغو الديمقراطية. 

واستهدفت اتفاقية "عنتيبي" استبدال اتفاقية تقاسم مياه النيل التي أبرمتها الحكومة البريطانية، بصفتها الاستعمارية، نيابة عن عدد من دول الحوض (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، في عام 1929 مع الحكومة المصرية، والتي تحظر إقامة أي أعمال ري أو مشاريع كهرومائية على النيل وفروعه دون اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية، فضلاً عن استبدال  اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، والتي تحدد الحصة السنوية لمصر من مياه النيل بـ48 مليار متر مكعب من المياه، مقابل 8 مليار متر مكعب للسودان.

وضعت إثيوبيا حجر الأساس الخاص ببناء سد النهضة في 2011، لكنها بدأت فعلياً في تشييده بقرار أحادي عام 2013 على النيل الأزرق، تزامناً مع موافقة البرلمان الإثيوبي في العام نفسه على اتفاق "عنتيبي"، وذلك رغم رفض مصر كونها لم تتلق "الإخطار المسبق" ولم تشارك في عمليات الدراسة الهندسية والإنشائية لجسم السد، حسبما تنص الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين.

وشكلت مصر لجنة وطنية لدراسة وتقييم آثار السد على البلاد، وخرجت جميع نتائجها لتشير إلى خطورة السد على الأمن المائي المصري، ما دفع إثيوبيا لاقتراح تشكيل لجنة فنية ثلاثية من خبراء الدول الثلاث لتقريب وجهات النظر، لكنها أكدت، في الوقت ذاته، أن هذه الخطوة ليست تراجعاً أو فتحاً لباب للتفاوض مجدداً على "حقوقها" في مشروعاتها المائية على النيل.

"مبادئ النهضة"

في مايو 2013، بدأت اللجنة الفنية الثلاثية بفحص الدراسات الهندسية للسد، وتأثيراته المحتملة على السودان ومصر. وأوصى الخبراء الدوليون بضرورة مراجعة الدراسات الهندسية، وفيما رفضت إثيوبيا مشاركة خبراء أجانب في المفاوضات، رفضت مصر تشكيل لجنة فنية بدون الأجانب.

اتفقت مصر وإثيوبيا والسودان، في سبتمبر 2014، على استكمال المفاوضات، حتى مارس 2015. وانعقدت قمة ثلاثية بالخرطوم بين قادة الدول الثلاث أقروا خلالها "إعلان مبادئ سد النهضة" في عام 2015، لحلّ مشكلة اقتسام مياه نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي.

 

وينص إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث على "تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء خلال المراحل المختلفة للمشروع"، كما اشترط إعلان المبادئ، ضرورة اتفاق الدول الـثلاث على قواعد ملء السد، والاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي بالتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا.

وشهدت أواخر 2017، سلسلة من مراحل التعثر في المسار التفاوضي. واقترحت مصر بناءً على ذلك، مشاركة خبراء البنك الدولي الفنيين كطرف موضوعي في دراسة السد الإثيوبي هندسياً، وهو ما رفضته أديس أبابا.

وفي منتصف 2018 استقبل السيسي رئيس الوزراء آبي أحمد في القاهرة، حيث تعهد الأخير بعدم إلحاق الضرر بالشعب المصري بسبب السد، وبعد 3 أشهر فقط أعلن وزراء الري في الدول الثلاث فشل التوصل لاتفاق، وتأجيل جولات التفاوض المقبلة، وبعد أشهر من البيانات الرسمية والاتهامات المتبادلة، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، في أكتوبر 2019، فشل التوصل لاتفاق، لتدخل واشنطن على الخط، وتعلن رعايتها لمرحلة جديدة من المفاوضات من خلال 4 جولات.

اتفاق من جانب واحد

كان من المنتظر أن توقع الدول الثلاث على اتفاق في واشنطن في فبراير الماضي، خلال الجولة الرابعة والأخيرة من المفاوضات التي أشرفت عليها الولايات المتحدة من خلال وزارة الخزانة، غير أن إثيوبيا تغيبت عن الاجتماع ولم يوقع على الاتفاق سوى مصر، لتعود مجدداً الأمور إلى نقطة الصفر.

واتهمت إثيوبيا، الولايات المتحدة، بالانحياز لصالح مصر، واشتكت أديس أبابا من موقف واشنطن أثناء المفاوضات، لإصرارها على أنه "لا حق لإثيوبيا في أن تبدأ ملء خزان السد، إلا بعد اتفاق موقّع مع مصر والسودان".

شددت إثيوبيا على رفضها للطرح المصري حول قواعد ملء وتخزين السد، كما كشفت أديس أبابا عن اعتزامها بدء ملء خزان السد في يوليو 2020. 

ونصت مسودة الاتفاق، الذي صاغته الولايات المتحدة على رفض المهلة الزمنية التي وضعتها إثيوبيا لملء الخزان، وهي 3 سنوات، ورفعتها إلى 5 سنوات، وهو ما يتوافق مع الموقف المصري، حيث تعتبر مصر أن ملء السد في 3 سنوات سيؤدي إلى كارثة مائية في مصر، خاصة أن مياه النيل تشكل 90% من الموارد المائية لمصر.

أعربت الخارجية المصرية في بيان لها، آنذاك، عن استيائها من الموقف الإثيوبي، واصفة بيان أديس أبابا بـ"المضلل"، واعتبر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، غياب إثيوبيا عن المفاوضات "متعمداً"، وأنه لا يمكن لإثيوبيا بدء عملية الملء دون التوصل لاتفاق حسبما ينص القانون الدولي. ودعت القاهرة أديس أبابا إلى ضرورة التزامها باتفاق المبادئ الموقع عام 2015.

مفاوضات عن بعد

دخل مسار المفاوضات إلى حال الجمود، وسط إجراءات الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا، قبل أن تعود مصر وإثيوبيا مجدداً إلى المفاوضات في 25 مايو 2020 بوساطة من السودان، لكن هذه المرة عبر تقنية الفيديو. 

استمرت المفاوضات حتى الـ17 من يونيو الماضي، لكنها انتهت دون التوصل إلى اتفاق، ما دفع الاتحاد الإفريقي إلى التدخل، داعياً إلى إلى عقد قمة مصغرة في أواخر يونيو من العام الجاري، أسفرت عن عودة الدول الأطراف إلى المفاوضات مرة أخرى.

استؤنفت المفاوضات عبر تقنية الفيديو رسمياً في الثالث من يوليو الجاري، في ظل وساطة جنوب إفريقيا بصفتها رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، واستمرت 11 يوماً، لكنها انتهت، الاثنين الماضي، دون اتفاق.

ومن المرتقب أن يقوم سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب إفريقيا بصفته رئيس الدورة الحالية للاتحاد، بالدعوة إلى قمة إفريقية مصغرة ثانية، سعياً لتوقيع اتفاق شامل يرضي طموحات الدول الثلاث.

حلم إثيوبيا وكابوس مصر

يقع السد على بعد 20 كيلومتراً من الحدود مع شرق السودان، ويبلغ ارتفاعه 145 متراً فيما يصل طوله إلى 1708 أمتار، ومن المتوقع أن تصل تكلفة إنشائه إلى 4.8 مليار دولار. 

ويعد سد النهضة حجر الأساس الذي تبني عليه إثيوبيا طموحاتها في أن تصبح أكبر دولة مصدّرة للكهرباء في إفريقيا، إذ إنه من المرجح أن يولد السد كهرباء تبلغ 5 آلاف إلى 6 آلاف ميغاوات، لكنه، في الوقت ذاته، أجج القلق في القاهرة من تراجع إمدادات المياه الشحيحة أصلاً من النيل، والتي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون نسمة بشكل شبه كامل.

وعلى الرغم من حصول مصر على الحصة الكبرى من مياه النهر بنحو 55 مليار متر مكعب من أصل 88 مليار كل عام، إلا أن تلك الحصة من المياه تكاد تكفيها. 

ووفقاً لمقال نشره موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن مصر تقع ضمن قائمة الدول التي تعاني من شح مائي، نظراً لأن نصيب الفرد من المياه فيها لا يتعدى 600 متر مكعب في السنة، وطبقاً للمعاير العالمية، فإن البلاد التي ينخفض فيها نصيب الفرد عن ألف متر مكعب سنوياً تعد من البلدان التي تعاني ندرة مائية. 

وتوقعت دراسة أجرتها جامعة القاهرة أن تفقد مصر 51% من أراضيها الزراعية حال إتمام عملية ملء الخزان خلال 3 سنوات، وفي حال أجريت عملية الملء في 6 سنوات فإن نسبة الخسائر ستنخفض لتفقد مصر نحو  17% من أراضيها الزراعية بدلاً من ذلك، فيما وأوضحت الدراسة أن السيناريو الأخير أيضاً يظل كارثياً لإضراره بالإمدادات الغذائية للبلاد، كما أنه سيتسبب في بطالة عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الزراعي، والذين يمثلون ربع القوى العاملة في مصر.