
تتزعم سفيتلانا تيخانوفسكايا المعارَضة في بيلاروسيا، لكنها في الحقيقة ربّة منزل انخرطت في السياسة دون تخطيط مسبق، لتواجه الرئيس ألكسندر لوكاشنكو الذي تسعى إلى وضع حدّ لعهده الممتد منذ عام 1994.
تتهم تيخانوفسكايا الرئيس بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 6 أغسطس للبقاء في السلطة، معلنة فوزها في صناديق الاقتراع، وداعية خصمها إلى وقف حملة قمع التظاهرات الشعبية المعارضة له، والتخلي عن السلطة من دون إراقة دماء.
وبعدما لجأت إلى ليتوانيا المجاورة، شددت المرأة البالغة من العمر 37 سنة الضغط على الرئيس الذي يكبرها بـ28 عاماً، مبدية استعدادها لتولي مهام الرئاسة.
وأعلنت تيخانوفسكايا في فيديو الاثنين: "أنا مستعدة لتولي مسؤولياتي والعمل كزعيمة وطنية"، مضيفة: "لم أشأ أن أصبح سياسية، لكن القدر شاء أن أجد نفسي في الصف الأول لمكافحة التعسف والإجحاف".
ترشح بالصدفة
لم تكن أستاذة اللغة الإنجليزية تطمح لقيادة الجمهورية السوفياتية السابقة (البالغ عدد سكانها 9.5 مليون نسمة)، بل تخلت عن مهنتها لتكرّس نفسها لابنها البكر المولود أصمّ.
غير أن الظروف حكمت عليها بدخول السباق الرئاسي بدلاً من زوجها سيرغي، وهو مدوّن معروف سُجن في مايو الماضي، بعدما أعلن ترشحه واعداً بسحق مَن وصفه بـ"الصرصار" ألكسندر لوكاشنكو.
تعهدت تيخانوفسكايا عندئذ بإكمال المسيرة "بدافع الحب" لزوجها، الذي التقته عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، حين كانت لا تزال طالبة وكان هو يدير حانة ليلية.
وبعدما جمعت عشرات آلاف التوقيعات الضرورية، صادقت اللجنة الانتخابية في قرار مفاجئ على ترشحها، فيما رفضت ترشيح معارضَين كانا يُعتبران أكثر جدّية.
وقبل الانتخابات التي تلتها صدامات بين الشرطة والمتظاهرين وحملات توقيف مكثفة، توقعت تيخانوفسكايا في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية وقوع "عمليات تزوير فاضحة"، مبدية "فقدان الأمل" في انتخابات عادلة.
"سئمت الخوف"
تُعرّف نفسها بأنها "امرأة عادية، أم وزوجة"، مؤكدة أنها تخوض المعركة بدافع الواجب رغم التهديدات التي أرغمتها على إرسال ابنتها وابنها إلى ليتوانيا، حيث انضمت إليهما الأسبوع الماضي.
وفي 30 يوليو، قالت سفيتلانا مخاطبة حشوداً ضمت عشرات آلاف المناصرين في العاصمة مينسك: "أتخلى عن حياتي الهانئة من أجل (سيرغي)، من أجلنا جميعاً. سئمت الاضطرار إلى تحمل كل شيء، سئمت لزوم الصمت، سئمت الخوف. ماذا عنكم؟"
ورغم معركتها الانتخابية القوية، لا يزال زوج تيخانوفسكايا مسجوناً بموجب اتهامات يعتبرها أنصاره ملفّقة، وهو متهم الآن بالسعي إلى افتعال اضطرابات بمساعدة مرتزقة من الروس.
وتبقى أستاذة اللغة الإنجليزية السابقة غامضة بشأن برنامجها، غير أنها وعدت بالإفراج عن السجناء السياسيين، وتنظيم استفتاء على الدستور وإجراء انتخابات جديدة حرة، وتتفادى بصورة خاصة توضيح علاقاتها مع روسيا، حليفة بيلاروسيا الكبرى.
وبعدما كانت مترددة في بادئ الأمر في إطلالاتها العلنية، اكتسبت ثقة في نفسها وأثارت إعجاب بعض البيلاروس في مداخلتيها التلفزيونيتين المأذونتين اللتين نددت فيهما بـ"أكاذيب النظام وتجاوزاته".
"ملائكة تشارلي"
تنتقد سفيتلانا "الوسائل غير المناسبة" التي استخدمتها قوات حفظ النظام لتفريق المتظاهرين. ويجد أسلوبها البسيط والمباشر أصداء في نفوس الكثير من مواطنيها، ويتباين مع النبرة العالية التي عُرف بها زوجها، والتي تجلّت في مقاطع فيديو ندد فيها بالفساد في البلاد.
ورسّخت سفيتلانا تيخانوفسكايا صورة "القوة الهادئة" تلك بمساعدة امرأتين أخريين شكلت معهما ثلاثياً يثير حماسة أنصار المعارضة، في تباين مع ذكورية الرئيس.
ويضم فريق "ملائكة تشارلي"- كما لقبتهنّ وسيلة إعلامية بيلاروسية تيمناً بالفيلم الأميركي الشهير - ماريا كوفسنيكوفا المديرة السابقة لحملة معارض معتقل هو المصرفي السابق فيكتور باباريكو، وفيرونيكا تسيبكالو زوجة معارض آخر للنظام انتقل هذا الصيف إلى المنفى في موسكو مع أولادهما.
ولكل منهنّ إشارة خاصة بها، تيخانوفسكايا ترفع قبضتها، وكوليسنيكوفا ترفع شارة قلب بيديها، وتسيبكالو ترفع شارة النصر، وباتت النساء الثلاث رمزاً لهذه الانتخابات الخارجة عن المألوف.