
قبل ساعات من رعاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقَي سلام مع إسرائيل، شرح وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان رؤية بلده للتطبيع، ورفضه "المقاومة الدائمة والتطرّف الطائفي". كذلك حضّ "القيادة الفلسطينية" على أن "تستغلّ هذه اللحظة لإعادة تنظيم نهجها".
وكتب الوزير، في مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن أول طائرة تجارية إسرائيلية حطت في أبوظبي قبل أسبوعين، وأقلّت وفداً ضمّ مسؤولين إسرائيليين ووسائل إعلام من الدولة العبرية، حملت "رسالة أكبر"، على شكل أحرف على جنب الطائرة، لكلمة "سلام" باللغات الثلاث، العربية والعبرية والإنجليزية.
الشيخ عبدالله رأى في تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل "اختراقاً دبلوماسياً تاريخياً، وعلامة مفعمة بالأمل على أن التقدّم في الشرق الأوسط ممكن". وأضاف أن تطبيع البحرين علاقاتها مع الدولة العبرية يشكّل "فرصة لمقاربة جديدة في مواجهة تحديات المنطقة". وتابع: "في منطقة وعصر مليئين بأخبار سيئة، إن ذلك يزيد الفرص والتفاؤل في مقابل الصراع والانهزامية".
"محور ملتوٍ للمقاومة الدائمة"
وأقرّ وزير الخارجية والتعاون الدولي بـ"صعوبة التغلّب على هذه القوى"، لافتاً إلى تشكيل "دول غير عربية وحشد من فاعلين غير حكوميين، محوراً ملتوياً للمقاومة الدائمة". واعتبر أن هؤلاء "يحملون لواء التطرف" بأنواعه، و"يحنّون إلى إمبراطوريات مفقودة أو يهجسون بخلافة جديدة". وأضاف أنهم "يزدهرون على الصراع والفوضى وعدم الاستقرار" و"يهاجمون أميركا وإسرائيل والإمارات"، إذ كانوا من "أشدّ منتقدي التطبيع" في المنطقة.
الوزير الإماراتي اعتبر أن "توقيع اتفاق السلام" هو "تذكير مزعج بأن الإماراتيين والإسرائيليين، وجميع شعوب الشرق الأوسط، سئموا النزاع"، مشدداً على أن الأولوية الآن تكمن في "مواصلة تحديث مجتمعاتنا وتحقيق الاستقرار في المنطقة الأوسع". وزاد: "العلاقات الأفضل بين الدول العربية وإسرائيل ستشكّل عنصراً مساعداً، ولكن يجب أن نذهب أبعد وأسرع على جبهات أخرى".
ولفت إلى أن "الأولوية الأكثر إلحاحاً" تتمثّل في "تهدئة التوترات وبدء حوار إقليمي بشأن السلام والأمن"، مضيفاً: "نريد جيراناً عاديين. الهدف هو معاهدات لعدم الانتشار (النووي) والتدخل، تكون فاعلة وقابلة للتحقق". واستدرك: "مع توقعات منخفضة جداً ورهانات عالية جداً، فإن تقدّماً متواضعاً في ملفات، مثل المساعدة الإنسانية والاستجابة لفيروس كورونا، من شأنه أن يبني ثقة".
أهمية دور واشنطن
وشدد الوزير على "الأهمية الحاسمة لدعم الولايات المتحدة ومشاركتها في هذا الجهد"، مضيفاً أن ترمب "دعا إلى محادثات جديدة العام المقبل"، ولافتاً إلى أن "نائب الرئيس السابق جو بايدن أوضح أنه سيواصل مبادرة جديدة أيضاً". وتابع: "على دول الخليج أن تشارك بشكل مباشر في أيّ حوار، ويجب أن يكون جدول الأعمال شاملاً".
وذكر أن الأولوية الثانية تكمن في "توسيع مجتمع التعايش السلمي"، معتبراً أن "المقاومة الدائمة والتطرّف الطائفي أسفرا عن انتشار جائحة مميتة من الفوضى والفتنة، استمرّت عقوداً".
وزاد الشيخ عبدالله: "في الإمارات، نحاول أن نكون قدوة مختلفة. نحن ملتزمون بالمبادئ الحقيقية للإسلام، الوسطية والاندماج والسلام. استضفنا العام الماضي أول زيارة أجراها البابا لشبه الجزيرة العربية. نبني في أبوظبي بيتاً متداخل الأديان للعائلة الإبراهيمية، مع مسجد وكنيسة وكنيس في المجمّع ذاته".
وأشار إلى أن الأولوية الثالثة تتمحور حول "تشييد محرّك قويّ لتبادل اقتصادي وثقافي، يولّد فرصاً وتفاهماً في المنطقة". وأضاف: "من الخليج إلى البحر الأحمر، مروراً بقناة السويس إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، تُعتبر شبه الجزيرة العربية الموسّعة ملتقى طرق العالم".
وتابع: "على الإمارات وإسرائيل تسخير اقتصاداتهما المتقدّمة وبنيتهما التحتية وأسواقهما الضخمة وصناديقهما الاستثمارية ومؤسّساتهما التعليمية ورأسمالهما البشري، لضمان استفادة الأردنيين والمصريين والفلسطينيين وآخرين" من ذلك.
"محورية" الدولة الفلسطينية
الوزير الإماراتي أكد "محورية التقدّم" بشأن إقامة دولة فلسطينية، مذكّراً بأن "الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي أوقف الضمّ" لمستوطنات في الضفة الغربية. وحضّ "القيادة الفلسطينية" على أن "تستغلّ هذه اللحظة لإعادة تنظيم نهجها والاستعداد للانخراط مجدداً في مناقشات مثمرة". وأضاف: "كما الحال دوماً، سيحصلون على دعم كامل من الإمارات، يتميّز الآن بوزن أكبر (موجّه) مباشرة إلى إسرائيل. وتيرة التطبيع ونطاقه لن ينفصلا عن التقدّم في (إقامة) الدولة الفلسطينية و(دعم) الحقوق" للفلسطينيين.
ورأى أن "التطبيع يدلّ على أهمية دور أميركا والتحوّل الذي طرأ عليه في الشرق الأوسط"، مشدداً على أن "التطبيع يمكن أن يحدث فقط بتأثير الدبلوماسية الأميركية وإعادة التأكيد على التزاماتها الأمنية". واستدرك أن الولايات المتحدة "تكسب في الوقت ذاته، من خلال التخلّص من عبء الاستقرار الإقليمي، والتحوّل في اتجاه فريق أقوى من الشركاء الموثوق بهم والراغبين" في ذلك.
وخلص الشيخ عبدالله إلى أن "اتفاق السلام يشكّل نقطة انطلاق مشرقة لمستقبل الشرق الأوسط"، مضيفاً أن الإمارات وإسرائيل سيتعاونان في شكل نشط بشأن فيروس "كورونا" المستجد والتكنولوجيا والفضاء والطاقة والاستثمار والأمن الغذائي.
وتابع: "الشبان الإماراتيون يتعلّمون العبرية. والجامعات الإماراتية ستبدأ في قبول طلاب إسرائيليين. والرحلات المنتظمة ستبدأ في العام المقبل. هذه الخطوات، الصغرى والكبرى، وآلاف أخرى، ستحمل رسالة سلام (بالإنجليزية) وشالوم وسلام (بالعربية) في كل المنطقة".