إيران وروسيا.. شراكة استراتيجية وعلاقات شائكة

time reading iconدقائق القراءة - 11
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف خلال لقائهما في موسكو - 21 يوليو 2020 - AFP
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف خلال لقائهما في موسكو - 21 يوليو 2020 - AFP
دبي -إيلي هيدموس

كان لافتاً أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لم يكن في طهران، لدى استضافتها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في أول زيارة خارجية له، منذ تسلّمه منصبه في مايو الماضي.

قبل ساعات من وصول الكاظمي إلى طهران، الثلاثاء الماضي، توجّه ظريف إلى موسكو، حيث التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف لأكثر من 4 ساعات، كما تحدث هاتفياً لمدة ساعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يستقبله نتيجة الإجراءات المتعلقة بفيروس "كورونا" المستجد.

صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية أوردت أنه "كان متوقعاً أن يكون ظريف في طهران، لإجراء محادثات مع نظيره العراقي" فؤاد حسين، بعدما زار بغداد قبل يومين من ذلك. واستدركت: "يبدو أن المناقشات في موسكو كانت مهمة جداً بالنسبة إلى ظريف، لدرجة أنه غادر طهران في يوم إجراء رئيس الوزراء العراقي زيارة إلى إيران، وصفها (الرئيس الإيراني حسن) روحاني بنقطة تحوّل في العلاقات الإيرانية – العراقية".

وأشارت الصحيفة إلى أن "محللين يعتقدون بأن ثلاثة أسباب ربما كانت وراء رحلة ظريف إلى موسكو"، أوّلها الاتفاق النووي المُبرم في عام 2015، وثانيها "مناقشة تمديد معاهدة" أبرمتها إيران وروسيا في 12 مارس 2001، وينتهي العمل بها في مارس المقبل، وثالثها الملف السوري.

تحديث معاهدة استراتيجية

ظريف قال الأربعاء، على هامش جلسة للحكومة الإيرانية: "اتفقنا مع السيد بوتين على مراجعة معاهدة العام 2001". وزاد: "طبعاً، المعاهدة ستُمدّد في الموعد المحدد، إذا لم يعترض أيّ من الطرفين، لكننا قررنا صوغ معاهدة استراتيجية شاملة بعيدة المدى وتحديث المعاهدة الحالية، ثم التوقيع عليها وإرسالها إلى البرلمان للمصادقة عليها"، وفق ما أفادت وكالة "فارس" للأنباء.

وأشار وزير الخارجية الإيراني إلى وجوب "تمديد المعاهدة المذكورة أو صوغ معاهدة جديدة، تستند إلى الوضع الحالي وبنظرة جديدة، وذلك انطلاقاً من أن علاقاتنا بروسيا الآن أوسع وأقوى بكثير ممّا كانت قبل 20 عاماً". وأضاف: "التجديد التلقائي للاتفاق لا يتماشى مع الحقائق الدولية الراهنة، ولا مع نوع علاقاتنا الحالية".

وبعدما ذكر ظريف أنه سلّم بوتين رسالة "مهمة" من روحاني، قال الأخير إن الرسالة تطرّقت إلى "تعزيز العلاقات بين البلدين في المسائل الإقليمية، ولقيت ترحيباً" من الرئيس الروسي.

وأفاد الموقع الإلكتروني لـ "راديو فردا" (تموّله واشنطن) بأن معاهدة العام 2001، التي وقّعها في موسكو بوتين والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، كانت "أول اتفاق تعاون واسع" بين الجانبين، منذ الثورة الإيرانية في عام 1979.

وتابع الموقع أن خاتمي أعرب آنذاك عن أمله أن تشكل المعاهدة "ربيعاً جديداً" في علاقات التعاون بين موسكو وطهران. أما بوتين، فذكر أن "روسيا مهتمة أيضاً بهذا التعاون لأسباب اقتصادية. والأسباب السياسية هي أننا نعتقد بوجوب أن تكون إيران دولة مستقلة مكتفية ذاتياً، وقادرة على الدفاع عن مصالحها الوطنية".

وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2001 أن المعاهدة تنصّ على استئناف بيع إيران أسلحة تقليدية روسية، بعد توقف دام 6 سنوات. وكشفت أن موسكو باعت طهران أسلحة قيمتها نحو 5 مليارات دولار، بين العامَين 1989 و1995، قبل تجميد ذلك بعدما وقّع الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين "اتفاقاً سرياً مع الولايات المتحدة، تتخلّى بموجبه (موسكو) عن مزيد من مبيعات الأسلحة أو المساعدة الفنية للبرامج العسكرية الإيرانية".

وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين أكد، خلال لقائه خاتمي، "عزم روسيا على مساعدة إيران على استكمال" محطة "بوشهر" للطاقة الذرية، والتي دُشّنت رسمياً في سبتمبر 2011.

طهران تريد أسلحة روسية

زيارة ظريف إلى موسكو، تزامنت مع إعلان كاظم جلالي، السفير الإيراني لدى روسيا، أن بلاده ترغب في شراء "أسلحة دفاعية" منها. ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عنه قوله إن البلدين "سيجريان مستقبلاً محادثات لتحديد الحاجات الدفاعية الإيرانية".

تصريح جلالي يمسّ وتراً حساساً، إذ يأتي فيما تجهد واشنطن لتمديد حظر تسلّح تخضع له طهران، وفقاً للقرار رقم 2231 الذي أقرّ بموجبه مجلس الأمن الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018. الحظر ينتهي في 18 أكتوبر المقبل، وتربط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفض روسيا والصين تمديده، بسعيهما إلى بيع إيران أسلحة.

جلالي أفصح عمّا تسعى إليه طهران، بقوله لصحيفة "كوميرسانت" الروسية: "أعتقد بأن الوقت حان لأن نؤسّس نادياً للدول الخاضعة لعقوبات، بين أعضائها (دول) قوية اقتصاداتها متقدمة: روسيا والصين وإيران".

وأضاف في إشارة ضمنية إلى الأميركيين: "يريدون أن تكون روسيا ضعيفة، والصين تابعة لهم اقتصادياً، وإيران مستعمرة لهم. لذلك نحتاج إلى التعاون ومساعدة بعضنا بعضاً وإكمال بعضنا بعضاً. لدى إيران ما تقدّمه لروسيا والصين. نحن بلد مترامٍ لديه عدد ضخم من الشباب، والكثير من الموارد المعدنية والتكنولوجيا المتقدمة. إذا بذلنا جهوداً مشتركة، سنقهر الضغط الأميركي".

30 زيارة إلى موسكو

زيارة ظريف موسكو كانت الثلاثين بصفته وزيراً للخارجية الإيرانية، والثالثة في الشهور الستة الماضية. علماً أن روسيا دعمت طلب إيران الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون"، كما نفذت بكين وموسكو وطهران تدريبات بحرية أواخر عام 2019، في المحيط الهندي وخليج عُمان.

وفي هذا السياق، رأى أردوان خوشنود، وهو باحث في "جامعة لوند" السويدية، أن "تعزيز التعاون بشكل كبير بين إيران وروسيا، في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية في السنوات الأخيرة، وتعاونهما بقوة في ملفَي الاستخبارات والأمن، كما لوحظ في سوريا"، لا يعني أن طهران لا تدرك أن موسكو "ليست مدفوعة برغبة في رؤيتها قوية ومستقلة بشكل مفرط".

وكتب، في مقال نشره "معهد الشرق الأوسط" (مقرّه واشنطن)، أن موقع "مشرق نيوز"، المحسوب على جهاز الاستخبارات الإيراني، أفاد بأن "إيران يجب ألا تعتمد على دول مثل روسيا، لدعم برامجها العسكرية"، مذكّراً بتردد الأخيرة في تزويدها المنظومة الصاروخية الدفاعية "أس-300".

وأشار إلى نشر صحيفة "شرق" الإيرانية، مقالاً ورد فيه أن روسيا والصين "تريدان إيران ضعيفة، وعضوية منظمة شنغهاي للتعاون ليست بالضرورة في مصلحتها".

وكان إيرانيون انتقدوا توقيع بلادهم عام 2018 "معاهدة حول الوضع القانوني لبحر قزوين"، معتبرين أنه مجحف في حقها، علماً أنه يشمل أيضاً روسيا وأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان.

"مظالم تاريخية إيرانية"

وفي مقال بعنوان: "روسيا وإيران"، نشرته مجلة "ميدل إيست بوليسي" التي يصدرها "مجلس سياسات الشرق الأوسط" (مقرّه واشنطن)، ذكّر مارك كاتز، وهو بروفيسور في "جامعة جورج ميسون" الأميركية، بـ"إرث العلاقات العدائية الروسية – الإيرانية، الذي يعود إلى مطلع القرن التاسع عشر".

وأضاف: "المظالم التاريخية الإيرانية ضد روسيا تشمل خسارة أراضٍ لمصلحة الإمبراطورية الروسية، في مطلع القرن التاسع عشر؛ والتدخل العسكري القيصري الروسي ضد الثورة الدستورية الإيرانية في مطلع القرن العشرين؛ والدعم السوفياتي (لتيارات) انفصالية في شمال غربي إيران، في نهاية الحربين العالميتين، الأولى والثانية؛ والاحتلال السوفياتي (والبريطاني) لإيران خلال الحرب العالمية الثانية؛ والدعم السوفياتي لحزب توده (الشيوعي الإيراني)؛ والغزو السوفياتي لأفغانستان المجاورة واحتلالها (1979-1989)؛ والدعم السوفياتي للعراق خلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988)".

التذكير بالعلاقات الشائكة لطهران مع موسكو، يتزامن مع جدل في إيران حول مسوّدة "اتفاق شراكة استراتيجية" مع الصين، يمتد لربع قرن، ويرى فيه منتقدون مسّاً بالمصالح القومية، وشبّهوه بمعاهدة تركمنجاي، التي أبرمتها إيران وروسيا‎ في عام 1828 وتنازلت بموجبها الأولى للثانية عن أجزاء ضخمة من أراضيها، بعد خسارتها "حربهما الثانية". لكن روحاني يشدد على أن الاتفاق سيتيح استثمارات صينية في إيران، قيمتها 400 مليار دولار.