وقع الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، أمراً تنفيذياً يقضي بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، في نقض لقرار الرئيس السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق عام 2017.
وقال بايدن إنه "بتوقيع هذا الأمر، يظهر التزامه بالعودة إلى الاتفاق اعتباراً من اليوم"، في تأكيد على أولوية التغير المناخي ضمن أجندة الإدارة الجديدة.
وكان البيت الأبيض أكد في وقت سابق، الأربعاء، أن الرئيس بايدن سيتخذ إجراءات سريعة لمواجهة الطوارئ المناخية، كما أن إدارته ستعمل على ضمان تلبية المطالب العلمية في هذا الصدد، وفي الوقت نفسه تمكين العمال الأميركيين والشركات لقيادة ثورة في الطاقة النظيفة.
وقبل تنصيب بايدن رسمياً الأربعاء، أصدر فريقه الرئاسي بياناً بحزمة من الإجراءات التنفيذية التي ينوي الرئيس بايدن البدء في تطبيقها بمجرد تسلم مهامه في اليوم الرئاسي الأول، ومن بينها التصدي لقضية التغير المناخي عبر الانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترمب رسمياً أوائل نوفمبر الماضي.
ووعد البيان بأن تصبح الولايات المتحدة طرفاً رسمياً في الاتفاق مرة أخرى خلال 30 يوماً فقط بعد إيداع وثيقة رسمية بصدد الأمر لدى الأمم المتحدة.
اتفاق باريس للمناخ
في 12 ديسمبر عام 2015، تبنت 197 دولة حول العالم اتفاق باريس للمناخ الذي يمثل أهمية خاصة كأول اتفاق دولي بشأن المناخ، وفقاً للموقع الرسمي للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، وذلك خلال الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف، المسؤول عن مراقبة تنفيذ الاتفاقية الأممية الإطارية بشأن تغير المناخ، والذي يجتمع بدوره سنوياً منذ عام 1995.
ويرمي اتفاق باريس للمناخ إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وكذلك الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية خلال القرن الواحد والعشرين لدى حاجز درجتين مئويتين، والسعي إلى خفض الزيادة نحو واحد ونصف درجة مئوية فقط، وذلك مقارنة بدرجات الحرارة ما قبل العصر الصناعي.
ووفقاً لموقع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تعد اتفاقية باريس اتفاقية ملزمة تدفع الدول للقيام بجهود طموحة لمكافحة تغير المناخ من جهة والتكيف مع آثاره من جهة أخرى، ولم تدخل الاتفاقية حيز النفاذ رسمياً حتى نوفمبر 2016. وإلى اليوم صادق عليها 189 طرفاً، وفقاً للأمم المتحدة.
كيف يعمل اتفاق المناخ؟
لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، يتعين على الدول انتهاج مسارات تحقق تحولات اقتصادية واجتماعية للإسهام في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، عبر خطط للعمل المناخي، كما تُراجع إسهامات الدول كل خمس سنوات بناءً على دورات عمل الاتفاقية، وذلك بالإضافة إلى تبني استراتيجيات للتكيف مع آثار ارتفاع الحرارة.
ويرصد موقع الاتفاقية الإطارية تغيراً في شعبية الحلول والممارسات والأسواق الخالية من الكربون حول العالم منذ دخول الاتفاقية حيز النفاذ في عام 2016، بل إن البدائل الخالية من الكربون أصبحت قادرة، بحسب الموقع، على المنافسة في بعض القطاعات الاقتصادية التي تمثل 25% من مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما في مجالات الطاقة والنقل.
لماذا انسحب ترمب؟
يتهم الموقع الرسمي لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بإنكار قضايا المناخ، واعتبار أزمة التغير المناخي محض خدعة، حتى إنه ضمّن عزمه على الانسحاب من اتفاق باريس في برنامجه الانتخابي، مع التنويه بوقف إمداد برامج الأمم المتحدة للتصدي للاحتباس الحراري بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، وفقًا لأحد خطاباته في مايو 2016.
كما أكد ترمب في إطار مشابه أن إدارته المستقبلية -آنذاك- ستعمل على تحقيق استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة، عبر غض الطرف عن الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأوفى ترمب بالوعد في يونيو 2017، إذ أعلن في بيان رسمي بدء خطوات الانسحاب من اتفاق باريس، واصفاً قراره كما ورد في موقع البيت الأبيض بأنه جاء وفاء لواجبه بحماية الولايات المتحدة ومواطنيها.
وبرر الرئيس الأميركي السابق قراره بعوامل اقتصادية أيضاً، قائلاً إن "اتفاق باريس، هو أحدث مثال على دخول واشنطن في اتفاقات تضر بها وتعود بالمنفعة الحصرية على دول أخرى، في حين يتحمل العمال الأميركيون ودافعو الضرائب العواقب ممثلة في تراجع الأجور وفقدان الوظائف وغلق المصانع وانخفاض الإنتاج"، على حد تعبيره.
وجاء انسحاب ترمب على الرغم من كون الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الحرارية في العالم بعد الصين، ولا يمكن إنجاز الأهداف الأممية في خفض هذه الانبعاثات دون مشاركتها بالكامل.
ماذا بعد الانسحاب؟
وعلى الرغم من إعلان ترمب الانسحاب رسمياً في عام 2017، لم تتم الخطوة بشكل رسمي سوى بعد 3 أعوام، وتحديداً في نوفمبر عام 2020، بعد يوم واحد فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك بسبب قواعد الاتفاقية المعقدة، والتي تُحدد أنه لا يمكن لأي دولة التقدم للانسحاب من الاتفاق سوى بعد 3 أعوام من التصديق عليها.
ووضعت هذه القاعدة المقيدة، وفقاً لتقرير أعدته شبكة "بي بي سي" البريطانية في نوفمبر الماضي، لتجنب تأثير السياسات الأميركية الداخلية على مسار الاتفاق كما حدث سابقاً في عام 1997 إبان إدارة الرئيس كلينتون وأسفر عن عرقلة بروتوكول كيوتو.
لذا استمر ممثلو الولايات المتحدة في حضور مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ على نحو نظري، بينما تصاعدت شعبياً اعتراضات على قرار الانسحاب من الاتفاقية وفقاً لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهو منظمة بيئية عالمية غير هادفة للربح مقرها الولايات المتحدة.
ومن بين هذه الدعوات إعلان "مازلنا منضمين" الذي وقعه 3800 ممثل لمدن أميركية ومجالس إدارة، إضافة إلى حركات أخرى داعمة للمناخ من بينها التعهد الأميركي للمناخ، الذي يستهدف جمع بيانات الجهود المبذولة من الجهات غير الرسمية لخفض الانبعاثات في الولايات المختلفة ثم توثيقها.
كما أنه على الرغم من أن إدارة الرئيس السابق ترمب تفادت اتخاذ خطوات على مستوى الحكومة الفيدرالية للحد من الانبعاثات، إلا أن كثيراً من الولايات التزمت ببعض بنود اتفاق باريس للمناخ.