رياح التغيير السياسي تعصف بـ"آيا صوفيا" من جديد

time reading iconدقائق القراءة - 12
آيا صوفيا في إسطنبول - 28 يونيو 2020 - AFP
آيا صوفيا في إسطنبول - 28 يونيو 2020 - AFP
دبي -وكالات

أثار إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الجمعة، فتح متحف "آيا صوفيا" في اسطنبول أمام المسلمين لأداء الصلاة فيها، موجة من ردود الفعل والمواقف الشاجبة والمستنكرة لهذه الخطوة، والتي يتوقع أن تتسع دائرتها في الأيام المقبلة.

إعلان أردوغان، جاء بعد ساعات على إبطال محكمة إدارية في تركيا مرسوماً أصدرته الحكومة في عام 1934، حوّل "آيا صوفيا" حينها من من مسجد إلى متحف.

الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

وأسِفت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا لامتناع المحكمة عن الإصغاء إلى "ملايين المسيحيين" في هذا الملف، معتبرة أن قرارها قد يثير انقسامات أكبر. وكان البطريرك المسكوني برتلماوس الأول، وهو زعيم روحي لنحو 300 مليون أرثوذكسي في العالم (مقرّه إسطنبول)، اعتبر أن "آيا صوفيا يمكنها، بوصفها متحفاً، أن تكون رمزاً للقاء والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات والتفاهم المتبادل والتضامن بين المسيحية والإسلام". ونبّه إلى أن "احتمال تحويلها إلى مسجد سيجعل ملايين المسيحيين في العالم معادين للإسلام".

أما أثينا، فرأت في الخطوة "استفزازاً صريحاً للعالم المتحضّر، الذي يعترف بالقيمة الفريدة والطابع المسكونية لهذا المعلم الأثري".  وقالت وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني: "القومية التي أظهرها أردوغان... تعيد بلاده 6 قرون إلى الوراء"، وفق وكالة "فرانس برس".

ووَرَدَ في مرسوم وقّعه أردوغان ونُشر على "تويتر": "تقرّر أن آيا صوفيا ستوضع تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية وستُفتح للصلاة".

ودرس مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في تركيا، اعتراضاً قدّمته جميعة دينية، على شرعية قرار الحكومة، في تركيا العلمانية عام 1934، معتبرة أن المبنى كان ملكية شخصية للسلطان العثماني محمد الثاني، الذي فتح إسطنبول عام 1453.

وأفادت وكالة "رويترز" بأن الحكم "خلص إلى أن "قرار مجلس الوزراء عام 1934، الذي أنهى استخدام (آيا صوفيا بوصفها) مسجداً وعرّفها بوصفها متحفاً، لم يلتزم بالقوانين". وقضت المحكمة، التي اتخذت قرارها بإجماع أعضائها، بأن "آيا صوفيا" كانت ملكاً لمؤسسة تدير أصول السلطان، وفُتحت للجمهور بوصفها مسجداً.

وبعد إعلان الحكم، هتف عشرات الأشخاص الذين انتظروا خارج "آيا صوفيا": "الله أكبر".

اتهامات لأردوغان

وكان مجلس الدولة بدأ يدرس القضية في 2 يوليو الجاري، ورُجّح أن يصدر قراره خلال 15 يوماً، في ملف أثار اتهامات لأردوغان باستغلاله سياسياً، وردود فعل سلبية لدى أطراف كثيرة.

وأشارت "فرانس برس" إلى أن الرئيس التركي "يسعى إلى كسب أصوات الناخبين المحافظين، في ظلّ أزمة اقتصادية ناجمة عن وباء كورونا"، إذ كان أردوغان وصف العام الماضي تحويل الكنيسة إلى متحف بأنه "خطأ فادح".

وأدرجت الوكالة الفرنسية للأنباء الأمر في إطار "محاولة أردوغان، بكل الوسائل الممكنة، حشد قاعدته الشعبية المحافظة التي خسر جزءاً منها خلال الانتخابات البلدية التي فازت فيها المعارضة العام الماضي في إسطنبول وأنقرة". وأضافت الوكالة أن "حزب الشعب الجمهوري"، أبرز أحزاب المعارضة، اتهم الرئيس التركي باستغلال "آيا صوفيا" لتحويل الأنظار عن "الوضع الاقتصادي المتدهور" في البلاد.

وأفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن تركيا سمحت في السنوات الماضية بتنظيم حلقات لتلاوة القرآن داخل "آيا صوفيا"، مضيفة أن أردوغان أشرف هذا العام، عبر مؤتمر بالفيديو، على تلاوة "صلاة غزو"، في ذكرى الغزو العثماني للإمبراطورية البيزنطية وسقوط القسطنطينية التي سُميت إسطنبول لاحقاً.

ونقلت "فرانس برس" عن توغبا تانييري إرديمير، وهي باحثة في "جامعة بيتسبورغ"، قولها: "يبدو أن أردوغان يتصدّى لانخفاض شعبيته التي قد تعود أسبابها إلى الصعوبات الاقتصادية" المرتبطة بـ"كورونا".

أردوغان وأتاتورك

أما سونر كاجابتاي، وهو محلل تركي في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، فقال لـ "أسوشييتد برس": "هذا ليس مجرد نقاش حول مبنى. حوّل (مصطفى كمال) أتاتورك آيا صوفيا إلى متحف، لتأكيد رؤيته العلمانية في تركيا. وبعد 100 سنة تقريباً، يحاول أردوغان فعل العكس. يشعر أردوغان بتضاؤل الدعم شعبي، ويرغب في استخدام ملفات يأمل أن تحشد مجدداً قاعدته اليمينية، حول مسائل وطنية وشعبوية ومعادية للنخبوية".

ورجّح كاجابتاي أن يكون لملف آيا صوفيا "تأثير مؤقت في إبقاء قاعدة أردوغان معه"، واستدرك: "إذا لم يحقق نمواً اقتصادياً، لا يمكنني رؤيته يفوز بالانتخابات، كما فعل سابقاً".

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حضّ الحكومة التركية على أن "تواصل الحفاظ على آيا صوفيا بوصفه متحفاً، تجسيداً لالتزامها احترام العقائد والتاريخ المتنوّع، الذي ساهم في صنع الجمهورية التركية، وضمان أن يبقى (المبنى) مفتوحاً للجميع". وأضاف: "تعتبر الولايات المتحدة أي تغيير في الوضع، بمثابة تهميش لإرث هذا المعلم الرائع"

لكن الناطق باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي أعرب عن "دهشته" لتصريحات الوزير الأميركي، وزاد: "لكل شخص الحرية في التعبير عن رأيه. في المقابل، ليس لأحد الحق في إبداء رأيه حول حقوقنا السيادية بلهجة تحذير".

نحو 1500 عام على بناء "آيا صوفيا"

اكتمل تشييد "آيا صوفيا" في عام 537، خلال حكم الإمبراطور البيزنطي جستنيان، وكانت الكاتدرائية الرئيسية في العالم المسيحي والأضخم في العالم. كما تُعد تحفة معمارية، كما كان البيزنطيون يتوّجون أباطرتهم فيها. وبعد احتلال العثمانيين القسطنطينية في عام 1453، حُوّلت الكنيسة إلى مسجد. وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، أمر أتاتورك، مؤسّس تركيا الحديثة، عام 1934 بتحويلها إلى متحف، بهدف "إهدائها إلى الإنسانية"، ونُفذ القرار في العام التالي.

وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) المبنى في لائحة التراث العالمي، علماً أنه كان في العام الماضي الموقع الذي جذب أكبر عدد من السياح في تركيا بنحو 4 ملايين سائح.

تركيا وبطريرك الأرمن

وتذكّر مسألة "آيا صوفيا" بتدخل الحكومة التركية في انتخاب المطران سهاك مساليان بطريركاً للطائفة الأرمنية في إسطنبول في ديسمبر 2019، بعدما "منعت الحكومة فعلياً 10 من 12 مرشحاً محتملاً، من خلال إدخال قاعدة جديدة منعت ترشيح الذين وُلدوا في الخارج"، كما أفاد موقع "يوريجانت".

وأضاف: "رأى كثير من الأرمن في شرط الإقامة خدعة من أنقرة لتثبيت مرشحها المفضل". ونقل عن مراد محجي، وهو رئيس "جمعية نور زارتونك" الأرمينية، قوله: "لم تكن الدولة تريد مرشحين يمكنهم التحدث بحرية عن أحداث 1915. أرادت شخصاً يتبنّى خطابها". وهو يشير بذلك إلى اتهام السلطنة العثمانية بقتل 1.5 مليون أرمني عام 1915.

"آيا صوفيا" ليست الأولى

وفي العالم تاريخ طويل من تغيير المعالم الدينية واستهدافها، بينها مسجد "بابري" "أيوديا" الذي سمحت المحكمة العليا في الهند في نوفمبر الماضي بتشييد معبد هندوسي في موقعه المتنازع عليه، علماً أن متطرفين هندوس دمّروه المسجد في عام 1992.

كذلك دمّرت حركة "طالبان" بالديناميت تمثالَي بوذا في منطقة باميان الأفغانية عام 2001، علماً أنهما شُيّدا في القرن السادس، في خطوة أثارت سخطاً عالمياً.

وفي العراق وسوريا، دمّر "داعش" مواقع أثرية، بينها مساجد قديمة وكنائس ومعابد. أما في الولايات المتحدة، فأثير جدل بعد اقتراح قُدّم في عام 2010 بتشييد مسجد ومركز ثقافي إسلامي، على بعد 200 متر من "مركز التجارة العالمي" في نيويورك، الذي استهدفته هجمات 11 سبتمبر 2001، موقعة أكثر من 3 آلاف قتيل.