إسرائيل: "بني براك" تهدد بالعصيان وتماسك الحكومة على المحك

time reading iconدقائق القراءة - 6
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب "شاس" المتدين آري درعي - 2 أبريل 2018 - AFP
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب "شاس" المتدين آري درعي - 2 أبريل 2018 - AFP
القدس- الشرق

هددت بلدية بني براك، إحدى أكبر المدن التي تحتوي على متدينين يوصفون بـ"المتشددين" في إسرائيل والواقعة بالقرب من تل أبيب، بإعلان العصيان ورفض التعاون مع الحكومة الإسرائيلية، إذا تم ضم المدينة إلى قائمة المدن الحمراء، وفرض الإغلاق عليها، بسبب تفشي فيروس "كورونا" المستجد، وهو ما سيضع الحكومة التي تعاني من أزمات سياسية حادة، على المحك، خصوصاً إذا قررت الأحزاب سحب دعمها. 

وكانت مدينة بني براك سجّلت أعلى نسب الإصابة اليومية خلال الموجة الأولى لتفشي الوباء، في شهري مارس وأبريل الماضيين، ومرت بتجربة الإغلاق ومنع التجول في أحد أهم المواسم الدينية، والتي صادفت مجموعة من الأعياد الدينية اليهودية.

وتواجه الحكومة الإسرائيلية تراجع ثقة الإسرائيليين في قراراتها المرتبطة بإدارة أزمة كورونا، وتشكيكاً بالإجراءات التي تتبعها الهيئة المسؤولة عن إدارة أزمة الوباء.

فمجموعات عدة في إسرائيل مقتنعة، بشكل كامل، بأن الحكومة فقدت السيطرة على الوباء، وأن الوسائل التي تحاول استعمالها ليست عملية، أو متأخرة وغير مفيدة، في إشارة إلى قرار فرض الإغلاق ومنع التجول. 

وأعنت وزارة الصحة الإسرائيلية، السبت، تسجيل 2617 إصابة جديدة بفيروس "كورونا" في 24 ساعة، مع تسجيل 12 وفاة بسبب الوباء.

تراجع الثقة يهدد الحكومة

الاعتبارات في بني براك والمدن المتدينة الأخرى تتجاوز الأداء الحكومي، وحتى الهيئات الصحية المشرفة على الوباء، فالمرجعيات الأساسية بالنسبة إلى السكان في هذه التجمعات هي المرجعيات الدينية المختلفة، وليس المنسق العام لمكافحة "كورونا"، أو وزارة الصحة، أو الحكومة الإسرائيلية. 

وبالنسبة لعدد من التيارات المتدينة فإن دولة إسرائيل "العلمانية لا تملك الحق في التدخل في شؤونهم الدينية"، وفي نظر الكثير من الحاخامات فإن "إسرائيل أداة بيد الحركة الصهيونية التي ترى في الدين اليهودي التقليدي عدواً تجب محاربته تحت شعارات الحداثة والتجديد، ومحاباة غير اليهود وتقليدهم"، وبالتالي فالحكومة الإسرائيلية "عدو في كل ما يتعلق بقضاياهم الدينية، ولا يحق لها إغلاق الكنس ودور العبادة والمدارس الدينية التابعة للتيارات اليهودية، على مختلف مشاربها".

الأحزاب المتدينة واليمين

أزمة العلاقة بين المتدينين والمجتمع الإسرائيلي، تعتبر من الشروخ الاجتماعية التاريخية العميقة داخل إسرائيل، فالعلاقات بينهم وبين مؤسسات الدولة تمر بالأساس عبر أحزابهم، التي امتنعت لسنوات طويلة عن تقلد مناصب وزارية في الحكومات المختلفة. 

مكانة الأحزاب المتدينة في الساحة الحزبية في إسرائيل ازدادت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديداً منذ أواسط الثمانينات، وتعاظمت قدرتها في التأثير على سياسات الحكومات، كونها شكلت "بيضة القبان"، في تحديد هوية المكلف بتشكيل الحكومة، واستقرار حكومته بعد تشكيلها.

وطالما اعتبرت القيادات الدينية لهذه المجموعات، اليمين الإسرائيلي أكثر قرباً لها، لأن الكثير من مركباته مجموعات محافظة اجتماعياً، وأكثر قرباً للدين من التيارات اليسارية العلمانية.

هذه الاعتبارت هي التي دفعت بالأحزاب المتدينة، على غرار حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة"، للبقاء خلال ثلاث معارك انتخابية خاضتها إسرائيل خلال الأشهر الـ 18 الماضية، جزءاً من معسكر اليمين الذي دعم نتنياهو، وأعطاه القوة المطلوبة للوقوف أمام زعيم ائتلاف "أزرق أبيض" بيني غانتس، في تشكيل حكومة تعتمد على دعم اليسار والأحزاب العربية.

توافق سياسي

عززت المعارك الانتخابية الأخيرة من التحالف بين ممثلي المتدينين في إسرائيل، وحزب "ليكود" بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورفعت من وزنهم النوعي داخل الحكومة، وقدرتهم على التأثير في قرارات الحكومة ووزاراتها المختلفة، ما قاد عدداً من أحزاب المعارضة، والأوساط الصحية إلى اتهام نتنياهو بالرضوخ لمطالبهم، والسماح لهم بتجاوز الاعتبارات والتحذيرات الطبية، التي وضعتها الطواقم الطبية المختصة للتغلب على انتشار فيروس "كورونا".

وبسبب الدعم المطلق لهذه الجماعات لأحزابها في الانتخبات البرلمانية، وصل عدد أعضاء الكنيست في الحزبين المتدينين (شاس ويهدوت هتوراة) إلى 16 عضواً، وهناك شبه قناعة عامة في إسرائيل أن موضوع الإغلاق في مدينة بني براك، لا يمكن أن يتم فرضه من دون رضى الأحزاب الدينية، ومن دون توافق سياسي داخل الحكومة.

أزمة "أومان" وتراجع نتنياهو

بعض الأوساط الصحية أشارت إلى ما يعرف بأزمة "أومان"، وهو خلاف اندلع بين أحزاب "الحريديم" (اليهود المُتدينون)، والمُكلّف بإدارة شؤون مكافحة فيروس "كورونا" في البلاد، البروفيسور روني غامزو. 

وبدأ الخلاف بعدما أرسل البروفيسور روني غامزو إلى الحكومة الأوكرانية، يطالبها بمنع زيارة "الحريديم" لقبر الحاخام نحمان مبرسليف مُعيد "الحركة الحسيدية"، الواقع في مدينة أومان في أوكرانيا، وقال في طلبه إن "هذا التجمع من شأنه أن يزيد عدد الإصابات بكورونا". واستجابت كييف للطلب، وتم منع دخول الأجانب والإسرائيليين حتى نهاية سبتمبر المقبل.

وتسبب القرار في عدم دخول "الحريديم" الإسرائيليين إلى مدينة أومان، وحرمانهم من إحياء طقوس دينية، قُرنت برأس السنة العبرية لسنوات عدة، ما جعلهم يهددون بمعاقبة نتنياهو في أي انتخابات مبكرة للبرلمان، ما دفع برئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة وزارية خاصة، لترتيب زيارة "الحريديم" إلى أوكرانيا، على الرغم من موقف الجهات المختصة المعارضة.