
لم تكد الأوضاع السياسية في إثيوبيا تهدأ، حتى أعاد قرار حكومة إقليم تيغراي (شمال إثيوبيا)، بالمضي قدماً في تنظيم انتخاباتها، الأربعاء، التوتر إلى السطح، مبرزاً الخلافات السياسية العميقة بين الإقليم والحكومة المركزية في أديس بابا.
وعلى الرغم من أن الحكومة المركزية، والمجلس الفيدرالي (مجلس الشيوخ)، أعلنا في وقت سابق تأجيل جميع الانتخابات في البلاد بسبب تفشي فيروس "كورونا" المُستجد، فإن المعارضة الإثيوبية، وإقليم تيغراي رفضا هذا المسعى، معتبرين أن "أي تأجيل هو انتهاك للدستور، يفقد حكومة آبي أحمد شرعيتها".
تفسيرات دستورية لتأجيل الانتخابات
وقال الكاتب والباحث الإثيوبي في شؤون القرن الإفريقي نور الدين عبدا لـ"الشرق": إن "تأجيل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، للانتخابات سابقة دستورية وسياسية، لم تشهدها البلاد من قبل".
وأشار عبدا إلى أن الخيار الأوفر حظاً، هو التمديد لحكومة آبي أحمد ما بين 6 أشهر إلى عام للتحضير للانتخابات العامة.
وأوضح عبدا أن رئيس الوزراء آبي أحمد، استند في تأجيل الانتخابات إلى تفسيرات دستورية، حيث صادق مجلس النواب (البرلمان) في الخامس من يونيو الماضي، في جلسة استثنائية على إحالة طلب تفسيرات دستورية للمواد المتعلقة بالانتخابات، وحالة الطوارئ إلى المجلس الفيدرالي (مجلس الشيوخ).
"كورونا ليس سبباً مقنعاً"
من جانبه، اعتبر عضو المجلس الانتخابي في إقليم تيغراي ميريسا تسيهاي، أن الخلاف الحالي بين الحكومة المركزية، وإقليم تيغراي، هو "خلاف سياسي تاريخي، وأن ما يجري حالياً محاولة من آبي أحمد لبسط نفوذه من دون إجراء انتخابات".
وأكد تسيهاي في تصريحات لـ"الشرق" أن المنطقة، في ظل النظام الفيدرالي، يحق لها أن تنظم انتخابات، لافتاً إلى أنَّ تأجيل الانتخابات بسبب تفشي فيروس "كورونا" المُستجد سبب غير مقنع، لأن المنطقة تتخذ كل الإجراءات الاحترازية اللازمة لحماية المصوتين.
وقال تسيهاي: إنهم "في الإقليم يناضلون منذ عامين ونصف ضد إجراءات آبي أحمد، وإنه لا شيء سيحول دون التوصل إلى حكومة منتخبة بدلاً من الخضوع إلى حكومة عسكرية".
ويعتمد نظام الحكم في إثيوبيا على التجربة الفيدرالية، حيث قُسمت بموجبه أقاليم البلاد إلى 9 أقاليم وإدارتين، تتمتع جميعاً بالحكم الذاتي، وفقاً للدستور.
انتخابات "باطلة"
وكان مجلس الشيوخ في إثيوبيا (المختص بالفصل في النزاعات الدستورية)، أعلن الأحد في بيان صحافي، أن خطط إقليم تيغراي لإجراء انتخابات في التاسع من سبتمبر الجاري "غير دستورية وباطلة"، مانحاً الحكومة الفيدرالية الحق في اتخاذ ما تراه مناسباً.
من جانبه، قال المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي جياتشو ريدا: إن "الانتخابات ستُجرى في موعدها على الرغم من الضغط الذي تمارسه الحكومة المركزية".
واعتبر الباحث نور الدين عبدا أن تأجيل الانتخابات، وما ترتب عليه من تصاعد للتوتر بين الحكومة والمعارضة خلاف سياسي، وليس دستورياً، مؤكداً أن "حل الأزمة السياسية، يكمن في توافق الفرقاء على مخرج يحفظ للبلاد استقرارها وللمنطقة أمنها".
منع التغطية الإعلامية للانتخابات
وأوردت وكالة "رويترز" أن الحكومة المركزية في أديس أبابا منعت 12 شخصاً من السفر إلى إقليم تيغراي لتغطية الانتخابات، منهم 4 صحافيين، ومحللون سياسيون.
وقال عضو المجلس الانتخابي في إقليم تيغراي ميريسا تسيهاي، "إن الأسرة الدولية أخيراً باتت تعي حقيقة آبي أحمد الذي لطالما سجن الصحافيين المعارضين له"، على حد تعبيره.
واتهم تسيهاي آبي أحمد بمنع التغطية الدولية للانتخابات، "خشية أن يرى العالم العملية الديمقراطية في تيغراي، ومشاركة السكان، الأمر الذي يتعارض مع التزامه ببسط سلطته".
خيارات الحكومة
ورداً على سؤال "الشرق" حول الخيارات المتاحة للحكومة الفيدرالية في حال إجراء الانتخابات، قال المختص في الشأن الإثيوبي منير آدم: إن"الحكومة المركزية ستتجاهل انتخابات الإقليم، باعتبارها غير دستورية، وقد تضطر إلى قطع التمويل عنه".
واستبعد آدم أن يتراجع الإقليم عن إجراء الانتخابات، لافتاً إلى أنه مع وصول آبي أحمد إلى سدة الحكم، تلاشى نفوذ "التغراويين"، كما تخلت "جبهة تحرير شعب تيغراي" عن بعض الوزارات التي سيطرت عليها إبان الفترات السابقة لبعض القوى السياسية الأخرى.
وعلى الرغم من التوترات، فإن آدم استبعد خيار انفصال إقليم تيغراي، باعتبار أنه يتنافى مع الدستور الإثيوبي، مؤكداً أن الإقليم يتمتع بثقل تاريخي وسياسي في الخريطة الإثيوبية، ولعب دوراً مهماً في الإطاحة بالنظام الاستبدادي عام 1991.
وتعتبر "التيغراي" أقلية صغيرة في إثيوبيا، البالغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة، لكنهم سيطروا على السلطة منذ عام 1991، عندما أطاحت "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية" بالرئيس منغستو هيلا مريام.
مخاوف من تعزيز السلطة
وأوضح نور الدين عبدا أن اعتبار البعض تأجيل الانتخابات الدورية انتهاكاً للدستور وبطلاناً لشرعية آبي أحمد، صادر من حقيقة أن الدستور لا يحتوي على أي مواد تسمح بتأجيل الانتخابات تحت أي ظرف، بل يُلزم بإجرائها كل 5 سنوات.
وتابع عبدا :"بعض أطراف المعارضة السياسية، تنظر لحكومة آبي أحمد، على أنها حكومة انتقالية"، باعتبارها جاءت على وقع احتجاجات شعبية، وهي مطالبة بتحقيق انتقال ديمقراطي سلس، وإجراء انتخابات نزيهة، لكن مع تأجيل الانتخابات، واعتقال زعماء المعارضة، برزت مخاوف حول رغبة الحكومة في تعزيز سلطتها.
وأشرف آبي على إصلاحات ديمقراطية شاملة منذ توليه السلطة قبل عامين في ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، لكنه يواجه معارضة شرسة من بعض الأحزاب السياسية الرافضة لخطوة تأجيل الانتخابات.
صدام عسكري محتمل
وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام المحلية تحدثت عن احتمال اندلاع نزاع عسكري بين الحكومة المركزية وإقليم تيغراي، فإن الحكومة الإثيوبية طمأنت الشارع بأنها لن ترسل قوات عسكرية إلى إقليم تيغراي لوقف الانتخابات، مضيفة في بيان أنه سيكون من "الجنون" فعل ذلك.