لبنان وترسيم الحدود البحرية.. آفاق جديدة للتفاوض

time reading iconدقائق القراءة - 6
بيروت -الشرق

بإعلان لبنان وإسرائيل الأسبوع الماضي التوصل إلى "اتفاق إطار" لبدء محادثات بينهما، بغية إنهاء الخلاف على الحدود البحرية بين البلدين، فتحت بيروت آفاقاً جديدة لحل الخلافات حول حدودها البرية، مع كل من تل أبيب ودمشق. 

وسيتولى الجيش اللبناني تمثيل لبنان في المحادثات التي ستجري في 14 أكتوبر الجاري، في مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة "يونيفيل" في الناقورة، على الجانب اللبناني من الحدود. 

وسيرأس الوفد الإسرائيلي مدير عام وزارة الطاقة أودي أديري، وممثلون عن الجيش ووزارة الخارجية الإسرائيلية، فيما سيقود الوساطة الأميركية، السفير الأميركي المنتهية مهمته في الجزائر جون ديروشر، بالإضافة إلى ممثلين من الأمم المتحدة.

وتأتي هذه المحادثات في الوقت الذي تواجه فيه الدولة اللبنانية أصعب أزمة اقتصادية مالية نقدية في تاريخها، وزاد من حدة الأزمة الانفجار الذي شهده مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، وتسبب بأضرار مادية تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار أميركي.

ويلتزم البلدان بوقف إطلاق النار على طول الحدود البرية بينهما، أو ما يعرف بـ"الخط الأزرق"، الذي رسمته الأمم المتحدة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000، مع وجود 13 نقطة خلافية على طول الخط، ومنها بلدة الغجر اللبنانية، والتي قسّمها هذا الخط إلى جزأين.

إشكالية الحدود البرية

وأعاد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل إشكالية الحدود البرية بين لبنان وسوريا، وللإشكالية سببان، الأول ما يتعلق بمزارع شبعا، والأمر الثاني التهريب الحاصل عبر الحدود الشرقية بين البلدين.

ووفقاً للأمم المتحدة فإن مزارع شبعا أراض سورية احتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو 1967، وهي خاضعة للقرار الدولي رقم 242، ولم يسبق أن طالب لبنان بها إلا بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، خاصة أن الحكومة السورية التي أعلنت مراراً أن مزارع شبعا لبنانية رفضت أن تودع أي وثيقة في الأمم المتحدة تعترف فيها بلبنانية المزارع، مؤكدة أن الأمر إن تم، فهو يصب في مصلحة إسرائيل، وأن على إسرائيل الانسحاب منها أولاً، ومن ثم تحل القضية بين سوريا ولبنان.

"شبعا لبنانية"

في حديثه لـ"الشرق"، قال النائب اللبناني قاسم هاشم، عضو كتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، إن "حرص لبنان على الترسيم البحري مع اسرائيل أمر أساسي، خصوصاً بعدما حاولت إسرائيل التلاعب بالخرائط، وقضم مساحات معينة".

أما في موضوع الترسيم البري، فيرى هاشم أنه "لايقل أهمية عن الترسيم البحري"، وأن "موضوع مزارع شبعا وتلا كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، في صلب مطالب لبنان"، وأنه "من واجب الحكومة اللبنانية إعادة طرح الأمر". 

وأكد هاشم، وهو ابن منطقة شبعا الجنوبية، "لبنانية مزارع شبعا"، وقال إن "لبنان يملك كل ما يثبت لبنانيتها، وحتى عقارياً تعود ملكيتها للبنان، وسوريا لا تملك منها متراً واحداً، ولبنان ليس بحاجة لهبة من أحد". 

نقاط خلافية

بدوره، اعتبر القيادي في "تيار المستقبل"، الوزير السابق جمال الجراح، في حديثه لـ"الشرق" أنه "من الضروري أن يتزامن ترسيم الحدود البحرية مع الحدود البرية"، مؤكداً أنه "بالإضافة إلى موضوع ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، فهناك 13 نقطة خلافية على طول الخط الأزرق، بينما يرتبط موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بالنظام السوري، الذي يصرح إعلامياً أنها أراضٍ لبنانية، بينما يرفض تسليم الأمم المتحدة ما يثبت لبنانيتها".

من جهته، قال رئيس الأركان السابق في الجيش اللبناني اللواء شوقي المصري لـ"الشرق" إن "مطلب ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا عاد إلى الواجهة أولاً بعد حرب يوليو 2006، وصدور القرار 1701 الذي نص بأحد فقراته على ضرورة ترسيم الحدود، وبعد مطالبة لبنان بترسيم الحدود بين البلدين، اعترض الطرف السوري على الأمر، فتم استبدال عبارة ترسيم الحدود بعبارة تحديد الحدود، على أن تبدأ العملية من شمال لبنان"، مضيفاً أن "اللبنانيين قبلوا بالأمر، ولكن مع ذلك استمر نظام الأسد بالمراوغة، واستمرت الحدود بين البلدين بشكلها غير المحدد وغير المرسم".

وتابع المصري قائلاً: "شكّل لبنان فريقاً ضمن لجنة ترسيم الحدود اللبنانية – السورية، وفق المرسوم 1040 بتاريخ 23 ديسمبر 2008، وتوصّل إلى تحضير ملف جاهز للبحث مع الجانب السوري، يضمن جميع الخرائط والدراسات المتصلة بتحديد لبنان لحدوده مع سوريا، ولكن حتى قبل بداية الثورة السورية في عام 2011، فإن اتصالات عدة جرت من الطرف اللبناني مع الجانب السوري للبدء باجتماعات لمناقشة موضوع الترسيم، لكن دمشق كانت دوماً تتهرّب من الأمر، ولم يشعر المسؤولون اللبنانيون أن هناك إرادة سورية للترسيم أو نية لإنهاء هذا الملف".

وأضاف اللواء المصري أن "لبنان أنشأ أربعة أفواج عسكرية، بغرض ضبط الحدود البرية بين البلدين بعد تحديدها، وتلقّى دعماً تقنياً من دول عدة، خاصة بريطانيا، التي قدّمت أبراجاً خاصة للمراقبة، إلا أن تهرب الجانب السوري من الأمر أبقى الأمر معلقاً إلى يومنا هذا، فكانت النتيجة ما نراه يومياً، من عمليات التهريب التي لا تتوقف". وأكد أن "الجيش اللبناني جاهز لضبط الحدود البرية بشكل كامل، في حال وجد القرار السياسي".

سيادة الدولة 

بدوره قال منسق جهاز الإعلام في القوات اللبنانية شارل جبور لـ"الشرق" إن "القوات بصدد تحضير وتقديم وقائع مفصلة بموضوع ترسيم الحدود"، وأضاف: "لا تستقيم سيادة أي دولة من دون أن  تكون حدودها واضحة ومرسمة، إن كانت الحدود مع دولة شقيقة أو مع عدو". 

وأكد جبور أن "ثمة نقطتين أساسيتين في ما يتعلق بالحدود البرية، أولاً موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والتي يجب أن يحسم أمرها الجانب السوري، والنقطة الثانية هي موضوع الحدود الشرقية"، مؤكداً أن "ما يحصل عبر هذه الحدود واضح جداً، ومؤسف جداً، خصوصاً أنه يحصل تحت أعين الحكومة اللبنانية وأجهزتها الأمنية".